: أسئلة وأجوبة
في
الإيمان والكفر والمرجئة
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله الراجحيالأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
ما أقسام المرجئة ؟ مع ذكر أقوالهم في مسائل الإيمان ؟الجواب : المرجئة طائفتان :الطائفة الأولى : المرجئة المحضة أو الغلاة وهم الجهمية وزعيمهم الجهم بن صفوان فإن الجهم بن صفوان اشتهر بأربع عقائد بدعية هي :1- عقيدة نفي الصفات وأخذها عنه الجهمية .2- عقيدة الإرجاء وأخذها عنه المرجئة .3- عقيدة الجبر – أي أن العبد مجبور على أعماله – وأخذها عنه الجبرية .4- عقيدة القول بفناء الجنة والنار .فهذه أربع عقائد خبيثة اشتهر بها الجهم .والمرجئة المحضة عقيدتهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة ، أي مجرد معرفة الرب بالقلب ، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ، ولا يكون الكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه ، وبهذا ألزمهم العلماء بأن إبليس مؤمن ؛ لأنه يعرف ربه قال الله تعالى عن إبليس ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ويكون فرعون أيضاً مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه ، قال تعالى عنه وعن قومه ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) وذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – في الكافية الشافية فصلاً طويلاً في بيان معتقد المرجئة المحضة وقال : إنه أخفى هذا مدة ثم أظهره وبيّن أن عقيدتهم مجرد معرفة الرب بالقلب وأنه لو فعل الأعمال الكفرية مع ذلك فلا تؤثر في إيمانه ، فلو سبَّ الله أو سبَّ الرسولصلى الله عليه وسلم أو سبَّ دين الإسلام وقتل الأنبياء والمصلحين وهدم المساجد وفعل جميع المنكرات فلا يكفر ما دام يعرف ربه بقلبه وهذا هو أفسد قول قيل في تعريف الإيمان ، وهو قول أبي الحسين الصالحي من القدرية .ويليه في الفساد قول الكرّامية القائلين : بأن الإيمان هو النطق باللسان فقط ، فمن شهد أن لا إله إلا الله بلسانه فإنه يكون مؤمناً ولو كان مكذباً بقلبه ويسمونه مؤمناً كامل الإيمان وإن كان مكذباً بقلبه فهو مخلد في النار فيلزمهم على هذا أن المؤمن الكامل الإيمان مخلدٌ في النار وهذا من أعظم الفساد وهو يلي قول الجهم في الفساد .الطائفة الثانية : مرجئة الفقهاءوهم أهل الكوفةكأبي حنيفة – رحمه الله – وأصحابه وأول من قال بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان هو حماد بن أبي سليما ن شيخ الإمام أبي حنيفة ، وأبو حنيفة له روايتان في حد الإيمان :الأولى : أنه تصديق القلب وقول اللسان ، وهذه الرواية عليها أكثر أصحابه .والثانية : أن الإيمان هو تصديق القلب فقط وأما قول اللسان فهو ركن زائد خارج عن مسمى الإيمان . وعلى هذه الرواية يوافق قول الماتريدية أن الإيمان هو تصديق القلب فقط .ولكن الأعمال مطلوبة عندهم كالصلاة والزكاة والصوم والحج فالواجبات واجبات والمحرمات محرمات ومن فعل الواجب فإنه يستحق الثواب والمدح ومن فعل الكبائر فإنه يستحق العقوبة ويقام عليه الحد ، ولكن لا يسمونه إيماناً . يقولون :الإنسان عليه واجبان : واجب الإيمان وواجب العمل ولا يدخل أحدهما في مسمى الآخر .وجمهور أهل السنة يقولون : العمل من الإيمان وهو جزء منه فالأعمال واجبة وهي من الإيمان ، ومرجئة الفقهاء يقولون : الأعمال واجبة وليست من الإيمان ، ولهذا قال من قال بأن الخلاف بينهم وبين جمهور أهل السنة خلاف لفظي ، وقال بهذا شارح الطحاوية والصواب أنه ليس لفظياً .:هل خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء في أعمال القلوب أو الجوارح لفظيٌ أم معنوي ؟الجواب : قال بعضهم إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة خلاف لفظي وقال بهذا شارح الطحاوية ابن أبي العز – رحمه الله – قال : إن الخلاف بين جمهور أهل السنة وأبي حنيفة وأصحابه خلاف لفظي والنزاع نزاع ٌ في أمرٍ اسمي لفظي لا يترتب عليه فسادٌ في الاعتقاد وقال : إن الدليل على أن الخلاف بينهم لفظي أن كلاً من الطائفتين يقولون : الأعمال واجبة وكلاً من الطائفتين يقولون : إن المسلم إذا فعل الواجبات أثيب عليها ومن ترك شيئاً من الواجبات أو فعل المحرمات فإنه يعاقب ويقام عليه الحد ، ولكن النزاع بينهم في أنه هل هذا الواجب هو من الإيمان أو ليس بإيمان ؟ قال بالأول جمهور أهل السنة وقال بالثاني أبو حنيفة وأصحابه ولكن عند التأمل والنظر لا يجد طالب العلم أن الخلاف لفظيٌ من جميع الوجوه ، صحيح أنه لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد لكن له آثار تترتب عليه ، من هذه الآثار :1- أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى فتأدبوا مع النصوص ، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة معناً وخالفوهما لفظاً ، ولا يجوز للمسلم أن يخالف النصوص لا لفظاً ولا معنى . قال الله تعال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) فبين الله تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإيمان ، فوجل القلب عند ذكر الله هذا عمل قلبي ، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن عمل قلبي ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) عمل قلبي ويشمل أيضاً أعمال الجوارح من فعل الأسباب والإنفاق مما رزقهم الله ، كل هذه الأشياء سماها إيماناً . وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة ) وفي رواية البخاري : ( بضعٌ وستون شعبة فأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) فهذا من أقوى الأدلة في الرد على المرجئة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بضعاً وسبعين شعبة ومثّل لقول اللسان بكلمة التوحيد على أنها من قول اللسان ومثّل لعمل الجوارح بإماطة الأذى عن الطريق ومثّل لعمل القلب بالحياء ؛ لأن الحياء خلقٌ داخلي يحمل الإنسان على فعل المحامد وترك القبائح . فأعلى شعب الإيمان كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة ، فالصلاة شعبة والحج شعبة والزكاة شعبة والصوم شعبة وبر الوالدين شعبة وصلة الأرحام شعبة والجهاد في سبيل الله شعبة والأمر بالمعروف شعبة والنهي عن المنكر شعبة والإحسان إلى الجار شعبة ، إلى غير ذلك من الشعب ، فهذه كلها أدخلها النبيصلى الله عليه وسلم في مسمى الإيمان فكيف يقال إن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان ، وكذلك من أقوى الأدلة أيضاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وذلك أن وفد عبد القيس جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لن نخلص إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل نعمل به ونخبر به من ورائنا فقال صلى الله عليه وسلم : ( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خُمس ما غنمتم ) ففسر الإيمان بأعمال الجوارح وهذا دليل واضح صريح على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان . فجمهور أهل السنة تأدبوا مع النصوص وأدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ومرجئة الفقهاء وافقوا النصوص في المعنى لكن خالفوها في اللفظ ولا يجوز للإنسان مخالفة النصوص لا في اللفظ ولا في المعنى بل الواجب موافقة النصوص لفظاً ومعنى .2- أن خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة فتح باباً للمرجئة المحضة الغلاة فإن مرجئة الفقهاء لما قالوا إن الأعمال ليست من الإيمان وإن كانت واجبة) فتحوا باباً للمرجئة المحضة فقالوا : الأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة ولهذا قال المرجئة المحضة : الصلاة والصوم والزكاة والحج هذه كلها ليست بواجبة ومن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان ويدخل الجنة من أول وهلة والأعمال ليست مطلوبة والذي فتح لهم الباب مرجئة الفقهاء .3- أن مرجئة الفقهاء باختلافهم مع جمهور أهل السنة فتحوا باباً للفُسَّاق والعصاة فدخلوا معه ، فلما قال مرجئة الفقهاء : إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص وهو التصديق وإيمان أهل الأرض وأهل السماء واحد ؛ دخل الفساق فيأتي الفاسق السكير العربيد ويقول : أنا مؤمن كامل الإيمان ؛ إيماني كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر ، فإذا قيل له : كيف تقول إن إيمانك كإيمان أبي بكر وعمر وأبو بكر له أعمال عظيمة ؟ قال : الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان ، أنا مصدِّق وأبو بكر مصدِّق ، وجبريل مصدِّق وأنا مصدِّق فإيماني كإيمانهم ، وهذا من أبطل الباطل ، ولهذا جاء في الحديث : ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح ) والمراد ما عدا الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فكيف يقال إن الإيمان واحد وأن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد .4- مسألة الاستثناء في الإيمان وهو قول القائل : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) فمرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان ؛ لأن الإيمان شيء واحد هو التصديق ، فيقولون : أنت تعلم أنك مصدِّق بالقلب فكيف تقول : أنا مؤمن إن شاء الله. إذاًََ أنت تشك في إيمانك ، ولهذا يسمون المؤمنين الذين يستثنون في إيمانهم الشكَّاكة ، فأنت تعلم في نفسك أنك مصدِّق كما تعلم أنك قرأت الفاتحة وكما تعلم أنك تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبغض اليهود فكيف تقول : إن شاء الله ، بل قل : أنا مؤمن ؛ اجزم ولا تشك في إيمانك . وأما جمهور أهل السنة فإنهم يفصِّلون فيقولون : إن قال القائل : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) يقصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع ؛ فأصل الإيمان التصديق ، وأما إن نظر إلى الأعمال والواجبات التي أوجبها الله والمحرمات التي حرمها الله ورأى أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة فالإنسان لا يزكِّي نفسه ولا يقول بأنه أدّى ما عليه ؛ بل يتهم نفسه بالتقصير ويزري على نفسه فإذا قال : ( أنا مؤمن إن شاء الله ) فإن الاستثناء راجع إلى الأعمال ، فهذا لا بأس به بل حسن أن يقول : إن شاء الله . وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله فلا بأس بالاستثناء ، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فلا بأس .فهذه من ثمرات الخلاف وإن كان لا يترتب عليه فساد في العقيدة ولكن هذه ثمرات تدل على أن الخلاف ليس لفظياًََ .ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية وهو يقر بالشهادتين ويقر بالفرائض ولكنه لا يعمل شيئاً ألبته فهل هذا مسلم أم لا ؟ علماً بأنه ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض ؟الجواب : هذا لا يكون مؤمناً ، فالذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يقر بلسانه ولا يعمل ؛ لا يتحقق إيمانه ؛ لأن هذا إيمان كإيمان إبليس وكإيمان فرعون ؛ لأن إبليس أيضاً مصدِّق بقلبه ، قال الله تعالى ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وفرعون وآل فرعون قال الله تعالى عنهم : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) فهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب لابد له من عمل يتحقق به فلابد أن يتحقق بالنطق باللسان ولابد أن يتحقق بالعمل ؛ فلابد من تصديق وانقياد ، وإذا انقاد قلبه بالإيمان فلابد أن تعمل الجوارح ، أما أن يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه وهو قادر فأين الإيمان ؟!! فلو كان التصديق تصديقاً تاماً وعنده إخلاص لأتى بالعمل ، فلابد من عمل يتحقق به هذا التصديق وهذا الإيمان ؛ والنصوص جاءت بهذا .كما أن الذي يعمل بجوارحه ويصلي ويصوم ويحج لابد لأعماله هذه من إيمان في الباطن وتصديق يصححها وإلا صارت كإسلام المنافقين ؛ فإن المنافقين يعملون ؛ يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ويجاهدون ومع ذلك لم يكونوا مؤمنين ؛ لأنه ليس عندهم إيمان وتصديق يصحح هذا العمل ، فلابد من أمرين لصحة الإيمان : - تصديق في الباطن يتحقق بالعمل .- وعمل في الظاهر يصح بالتصديق .أما تصديق في الباطن دون عمل فأين الدليل عليه ؟ أين الذي يصححه ؟ أين الانقياد ؟ .لا يمكن أن يكون هناك تصديق صحيح لا يصلي صاحبه ولا ينطق بالشهادتين وهو يعلم ما أعد الله لمن نطق بالشهادتين ولمن تكلّم بكلمة التوحيد من الثواب ، ولما أعدّ الله للمصلين من الثواب ولمن ترك الصلاة من العقاب ، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لبعثه على العمل ، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لأحرق الشبهات والشهوات ؛ فترك الصلاة إنما يكون عن شبهة والمعاصي إنما تكون عن شهوة والإيمان الصادق يحرق هذه الشهوات والشبهات .وهذا يدل على أن قلبه خالٍ من الإيمان الصحيح وإنما هو لفظ باللسان نطق به ولم يتجاوزه ، وإلا لو كان عنده تصديق بقلبه أو إقرار بقلبه فقط ولم يتلفظ ؛ فقول القلب لم يتجاوز إلى أعمال القلوب وإلى الانقياد فالمقصود أن الذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يعمل بجوارحه هذا هو مذهب الجهمية .ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : يعسر التفريق بين المعرفة والتصديق المجرد . فيعسر التفريق بين المعرفة بالقلب والتصديق الذي ليس معه شيء من أعمال الجوارح ؛ ويقول هذا هو إيمان الجهمية – نسأل الله العافية - . فالذي يزعم أنه مؤمن ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه مع قدرته هذا هو مذهب الجهمية ، فلابد من عمل يتحقق به هذا التصديق كما أن الذي يعمل لابد له من تصديق في الباطن يصححه .هل تصح هذه المقولة : ( أن من قال : الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء كله حتى لو قال : لا كفر إلا باعتقاد وجحود ) ؟الجواب :المقولة الثانية تنقض المقولة الأولى فقوله : ( الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص ) هذا حق وهو قول أهل السنة والجماعة ، لكن قوله بعد ذلك : ( لا كفر إلا باعتقاد وجحود ) هذا ينقض المقالة الأولى ، فكما أن الإيمان يكون بالقول والعمل والاعتقاد فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد فلابد أن تصحح المقولة الثانية فتكون : ( والكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد ) أما بقاء هذه المقولة على حالها فإنها تنقض الأولى .
__________________