لأكون سعيــداً ستعيش سعيدا عندما تخفّف من سقف توقّعاتك من الناس!.
عندما لا تنتظر
منهم أن يمدّوا لك يد العون، أو يشجعوك إذا ما أحسنت، أو يهوّنوا من ألمك
حال الفشل والسقوط، وأكاد أجزم بأن من استطاع أن يستغني عن الآخرين، فقد
قطع نصف التذكرة نحو السعادة والراحة.
أقول هذا ليس من باب إساءة
الظن في الآخر، وتوقّع الأسوأ منه؛ فهذا مما يؤجّج النفس ويشحنها بالمشاعر
السلبية المحبطة، وإنما أحاول أن أؤكد لك على معنى مهم، وهو أن حسابات
البشر تختلف عن حساباتك، واهتماماتهم ليست بطبيعة الحال متوافقة مع
اهتماماتك، فلا عجب أن يكون يوم عيدك بالنسبة لبعضهم يوما عاديا... وربما
سيئا!.
في يوم تخرّجك تكون أسعد أهل الأرض، وتتوقع من الجميع أن
يشاركك هذه الفرحة، فتُفاجأ بأن العدد أقل قليلا جدا من المتوقّع، تحزن..
وتنعي سوء حظك من الأهل والأصدقاء، وربما توعّدت من تأخّر بالتجاهل في أقرب
وأهم مناسبة لديه!.
عندما تمرض تتصور أن الجميع سيزورك، وتنتظر من
أصدقاء العمل، ورفقاء الدراسة، والأهل والأصهار، أن يأتوك فرادى وجماعات،
لكنك -يا للأسف- تجد أن من تخلّف أكثر ممن حضر، وبأن من ظننتهم في مقدمة
المطمئنين عليك لم يكلّفوا أنفسهم عناء السؤال عنك، والأدهى أن حججهم واهية
سخيفة!.
يموت عزيز لديك، أو تصيبك كبوة أو مصيبة ما، وتنتظر
السلوان والعزاء من القاصي والداني، ورغم كثرة المعزّين إلا أن عينيك لم
ترَ فلانا من الناس كنت تنتظر أن يكون أول من يربّت على كتفك!.
تلتهمك
ضائقة مادية، فتطرق باب من تعلم أن خزائنه ملأى مكتظّة، فيعتذر لك عن
عجزه، وعدم قدرته على مساعدتك، فتخرج من عنده والغصّة في حلقك تكاد تقتلك.
نعم
يا صاحبي، جميع هذه المواقف جالبة للحزن والألم، ولك الحق -مبدئيا- في
التألّم من سوء تقديرك لهم ولمواقفهم في حياتك، ولكن دعْني أخبرك بأفضل حلّ
لمواجهة مثل هذا المواقف..
أن تدرك جيدا أن من بادر وكان عند حسن
الظن فقد أسقط من فوق كاهله حمل أداء الواجب، ويجب شكره وتقديره، بينما من
اختفى ونكص، فإنه قد يكون لديه عذر غير معروف، أو ألمّ به ما منعه من تقديم
يد العون.. فتأكد قبل أن تُصدر حكمك.
أما ذلك الصنف الأخير، والذي ترى أن حجته واهية تفوق في إثمها عدم مجيئه، وأنه عذر (أقبح من الذنب)!.
هنا يكفيك أن تبتسم في هدوء، وتدعو الله لك وله بالهداية والغفران، ولن تستطيع هذا إلا إذا كان سقف توقعاتك منهم في الأصل غير مرتفع.
الكبار في هذه الحياة هم كبار النفس، وكبير النفس هو من يوطّن نفسه على العطاء، وفي المقابل يُلجمها عن الأخذ والطلب!.
الكبير الذي يهبّ عند المحنة ليُنجد المحتاج، ويوزّع من كرمه وفضله ورحابة نفسه على هذا وذاك..
لكنه في المقابل لا ينتظر ثمن عطائه، ولا يتوقع من الآخرين أن يكونوا كما كان..
وما أقرب ضغط الدم، والسكر، والشيخوخة المبكرة من أولئك الذين ينتظرون من الناس الكثير..
عِشْ يا صديقي غنيّ النفس متسامحا.. وعندما لا تتوقع وتجد، خير لك من أن تتوقع ولا تجد!.