الشريعه تدعو الى الجمال والاخلاق!
مِمَّا يُعِيْن عَلَى التَّغَلُّب عَلَى الْمُيُول إِلَى الْلَّذَائِذ الْمَادِّيَّة أَو الْنَفْسِيَّة الْمُحَرَّمَة، أَو الْمِيْل إِلَى الْكَسَل وَالَّتَّرَاخِي اسْتِحْضَار الْإِدَانَة الْأَخْلَاقِيَّة وَالْعِقَاب الْأُخْرَوِي وَالْأَذَى الْدُّنْيَوِي الَّذِي ذُكِر فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم وَالْسَّنَّة الْنَّبَوِيَّة الْمُشَرَّفَة لِهَذِه الْمُيُول وَاشْتِرَاطُهَا بِهَا، وَعَلَى سَبِيِل الْمِثَال نَعْلَم أَن الْقُرْآَن الْكَرِيْم شِبْه الْغِيْبَة (ذِكْرَك أَخَاك فِيْمَا يَكْرَه) بِأَكْل لَحْم الْمَيِّت، فَإِذَا كَان هُنَاك امْرُؤ تَغْلِب الْغِيْبَة عَلَى لِسَانِه فَانَّه يُمْكِن أَن يَسْتَحْضِر فِي ذِهْنِه الْأَشْخَاص الَّذِيْن
يَغْلِب أَن يَغْتَابَهُم ثُم يَتَصَوَّر نَّفْسِه وَهُو يَغَتَاب أَحَدُهُم فِيْمَا يُرَدِّدُه عَادَة ثُم يُقْرَن ذَلِك مُبَاشَرَة بِتَصَوُّر أَنَّه يَأْكُل لَحْم هَذَا الْشَّخْص وَيُحَاوِل أَن يُشْحَن تَصَوُّرِه بِكُل مَا يَتَّصِل بِأَكْل لَحْم الْمَيِّت مِن مُنَفُرَات الْطَّعْم وَالْرَّائِحَة وَالْمَشْهَد، فَاذَا مَا كَرَّر ذَلِك عُدّة مَرَّات فِي عِدَّة أَيَّام وَجَد نَفْسَه يَنْفِر مِن الْغَيْبَة قَبْل أَن يَرُد خَاطَرْهَا إِلَى ذِهْنِه، وَهَذِه هِي الْنُّقْطَة الْهَامَة هُنَا إِذ ان مُشَكَّلَّة الْعِصْيَان أَو الْخُمُول أَنَّه عِنْدَمَا يَسْتَقِر عِنْد صَاحِبِه يَسْبِق الْتَّفْكِيْر بِكُل مَا يُمْكِن أَن يَنْفُر مِنْه، وَالْمَطْلُوْب هُو اسْتِبْعَاد هَذَا الْسُّلُوك أَو هَذِه الاسْتِجَابَة بِجَعْلِهَا مَكْرُوْهَة دُوْن تَفْكِيْر وَلَعَل هَذَا يُتِم عَلَى مُسْتَوَى الْوَصْلِات الْعَصَبِيَّة حَيْث يَتِم إِضْعَاف الْوَصْلِات الَّتِي تَحْدُث الاسْتِجَابَة الْمَرْغُوب فِي تَغْيِيْرُهَا، وَنَحْن هُنَا لَا نَأْتِي بِدْعا، فَالإِدَانَة وَالْتَّرْهِيْب الْلَّذَان ذَكَرَا فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم وَالْسَّنَّة الْنَّبَوِيَّة هُمَا أَدَوَات اسْتِبْعَاد هَذِه الانْحِرَافَات، وَكُل مَا نَقُوُل هُنَا هُو الْتَّدَرُّب عَلَى قَرْن الْسُّلُوك أَو الاسْتِجَابَة بِالْأَلَم أَو الْإِدَانَة تَصَوَّرا فِي الْذِّهْن وَقَد أَثْبَتَت هَذِه الْطَّرِيْقَة مَفْعُوْلِهَا فِي عِلَاج كَثِيْر مِن الْسُّلُوكِيَّات الْمُنْحَرِفَة فِي الْعَيْادْات الْنَّفْسِيَّة، وَمَا نَرَاه أَن نُفَيْد مِنْهَا فِي الْتَّغَلُّب عَلَى الْمُيُول غَيْر الْمَرْغُوْبَة.
قَد تَقُوْلُوْن لِم يَتْرُك الْوَعْظ وَنتَحَدَّث فِي الْعِلَاج، أَقُوْل وَمَا الْضَّيْر فِي أَن نُفَيْد مِن الْعُلُوْم الَّتِي فَتَح الْلَّه بِهَا عَلَى الْبَشَر فَي تَهْذِيْب سُلُوّكَنَا وَالِاقْتِرَاب مِن الْنَّمُوْذَج الْأَخْلاقِي وَالْعَمَلِي الَّذِي يُرْضِي الْلَّه عَز وَجَل، وَأَقُوْل انَّنِي هُنَا أَتَحَدَّث عَلَى مُسْتَوَى الاسْتِجَابَة الْعَاصِيَة قَبْل الْتَّفْكِيْر وَاسْتِحْضَار مَعَانِي الْإِدَانَة وَالْعِقَاب، لِذَا كَان لَا بُد مِن أَضْعَافِهَا عَن طَرِيْق الْتَّدَرُّب بِالْتَّصَوُّر الْذِّهْنِي الْمَحْض.
ثُم انَّنَا لَا بُد مِن أَن نَعْمَل عَلَى غَرْس قَنَاعَة فِي الْأَذْهَان وَهِي أَن الْإِنْسَان الْخَامِل أَو الْعَاصِي إِنَّمَا يَسْتَجِيْب لِعَطَالَة الْمَادَّة الَّتِي فِيْه أَو لِدَفْع غَرَائِزَه الْمَادِّيَّة الْبَيُوْلُوْجِيَّة، وَأَنَّه يَظُن أَنَّه ان أَرَاد الْإِقْلَاع عَمَّا هُو فِيْه سَيَخْسَر الْتَّلَذُّذ، وَنَحْن نَقُوُل ان الْإِنْسَان رُوْح كَمَا أَنَّه نَفْس وَجَسَد، وَان لِلْرُّوح شُهُوْدَهَا وانْتِعَاشَهَا وَّسَعَادَتِهَا وَفَرّحَهْا، وَان هَذَا مِمَّا يَسْتَحِق أَن يُضَحَّى مِن أَجْلِه بِمُتَع أَو لِذّائِذ هِي مِن طَبْع الْحَيَوَان كَمَا الْإِنْسَان، وَالْشَّارِع الْحَكِيْم لَم يَأْمُرْنَا بِالامْتِنَاع الْكَامِل عَن الْلَّذَائِذ الْجَسَدَيَّة أَو الْنَفْسِيَّة وَلَكِنَّه أَرَاد مِنَّا أَن نَأّخُذَهَا بِالْطَّرِيْقَة الْأَخْلَاقِيَّة الْجَمِيْلَة الصَّحّيّة الْنَّظِيْفَة الْخِيَرَة وَهُو مَا نَعْنِيْه بِقَوْلِنَا بِالْطَّرِيْقَة الْشَّرْعِيَّة، إِذَن فَلْيَعْلَم كُل مَن يُفَكِّر بِالْتَّوْبَة وَالْعَوْدَة عَن الْسُّلُوكِيَّات الْمُنْحَرِفَة أَنَّه سَيُصْبِح مِن ذَوّاقَي الْنَّشْوَة الْرُّوحِيَّة وَأَنَّهَا تَسْتَحِق وَحْدَهَا أَن يَحْرِم نْفَسَه مِن أَجْلِهَا مِن فُضُوْل الْلَّذَائِذ الْدُّنْيَا.
ان الْشَرِيعَة أَرَادَت لَنَا أَن نَعَيَش حَيَاتُنَا نَقِيَّة، فَكَمَا أَن هُنَاك لَذِيْذَا فِي الْدُّنْيَا يُوْجَد جَمِيْل، وَلِلْجَمِيل سَطْوَتِه عَلَى الْنَّفْس، وَيُوْجَد خَيْر، وَلِلْخَيْر سَحَرَه وْإِدِهاشَه لِلْنَّفْس أَيْضا، فَهَل يَرْضَى الْوَاحِد مِنَّا أَن يَعِيْش أَسِيْر الْلَّذَّات فَقَط دُوْن أَن يَكُوْن مِمَّن يُلَوِّنُون حَيَاتِهِم بِالْجَمَال وَالْفَضَائِل. قَد يَقُوْل قَائِل ان هَذَا كَلَام نَظَرِي لَا يُقْدِم وَلَا يُؤَخِّر، وَالْحَق أَن الْنَّفْس فِي حَاجَة إِلَى تَرْبِيَة جُمَالِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة حَتَّى تَصِيْر نَزَّاعَة إِلَى الْجَمِيْل وَالْخَيْر، نُفُوْرَة مِن الْقَبِيْح وَالْشِّرِّيْر، فَإِن كَان الْوَاحِد مِنَّا قَد حَصَل عَلَى نَصِيْب مِن هَذِه الْتَرْبِيَة وَان تَضَاءَل فَانَّه سَيَكُوْن قَادِرا عَلَى تَذَوِّق هَذَا الْكَلَام وَمَعَانِيْه، وَبِالتَّالِي فَانَّه سَيُقَدِّر عَلَى تَنْمِيَة حَوَاسِّه الْجَمَّالِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِيَسْتَمْتِع بِالْفَضَائِل كَمَا قَد يَسْتَمِتُّع بِغَيْرِهَا، بَل إِن هَذِه الْتَرْبِيَة مِن شَأْنِهَا أَن تُنَفِّرُه مَن الْمَعَاصِي وَالْخُمُول وَقَد رَأَيْنَا هَذَا حَوْلِنَا كَثِيْرَا وَالْحَمْد لِلَّه.