عندما يربي الابن آباه عندما
عندما يربي الابن آباه
بسم الله الرحمن الرحيم ...
ركز في العنوان جيدا .. نعم تربية الأبناء للآباء
هذه التربية التي أعنيها هنا ليست تربية مقصودة وتتم بشكل مباشر كما يربي
المعلم طلابه أو كما يربي الوالدان أبناءهم ، ولكنها تتم بشكل غير مقصود
وبأسلوب غير مباشر .
صحيح أن التربية تكون موجّهة للأبناء والغرس والتعديل والتقويم يكسب
الأبناء سلوكيات جيدة ولكنه في نفس الوقت يكسب الوالدين سلوكيات جديدة أيضا
.
هذه التربية التي أعنيها إما أن تكون تربية إيجابية ( تؤسس في الوالدين
صفات حسنة ) أو تربية سلبية ( تؤسس في الوالدين صفات غير مرغوبة ) .
فتربية الأبناء للآباء تتم بصورة إيجابية من خلال المواقف التي تكون ردة فعل الأب تجاه الابن إيجابية .
فالوالدان سيتعلمان ( الصبر ) على التربية وعلى طول زمانها ومشاقها ،
وسيعْلمان بأن غرس القيم والأخلاقيات والآداب التربوية يحتاج لفترة طويلة
ومعاهدة مستمرة وأن إزعاج الأطفال ومشكلاتهم المستمرة والمتكررة لابد من
الصبر عليها .
وسيتعلمان ( الحِلم ) من بعض المواقف المثيرة للغضب ومن بعض الألفاظ والأفعال التي تصدر من الأبناء وتزعج الوالدين .
وسيتعلمان ( العطاء ) فتربية الأبناء ليست عملية تبادل منافع وعطاء متبادل
وعملية ( خذ وهات ) أو هي عملية عطاء مؤقت من أجل أن يرد الأبناء الجميل
لوالديهم ، ويتجلى هذا المفهوم بشكل واضح في هذه العملية التربوية إذ أنه
لا نمارس هذا العطاء في حياتنا إلا مع أبنائنا وفقا للمنهج القرآني " لا
نريد منكم جزاءً ولا شكورا " .
ويتعلمان ( الحب ) بمعنى جديد ****ف عن حب الزوجين لبعضهما و****ف عن أي حب
آخر .. أعتقد بأنها لحظات لا توصف حينما تداعب الأم طفلها الرضيع وتغذيه
بعواطفها وابتسامتها فيرد عليها بابتسامة الحب الفطري ..ولا يستطيع الأب
التعبير عن عميق سعادته حينما يأتيه أبناؤه ركضا وهو قادم من عمله
فيعتنقونه ويقبلونه .. إنها لغة جديدة نتعلمها من خلال حبنا لأبنائنا .
وسيتعلمان ( التسامح ) فهما يريان الشجار والنزاع الذي يحصل باستمرار بين
أبنائهم ، ومع هذا فسرعان ما يصطلحون ويعودون للعب مرة أخرى بتسامح وانسجام
ومرح .
وسيتعلمان ( نقاء السريرة ) فالأطفال لا يحملون في صدورهم غلا أو حقدا ،
فلا يوجد في قاموس الطفولة ما يكدر صفو صدورهم ، فهم بعيدون كل البعد عن
المكر والغدر والحقد ، وكأن أحدهم يقول بلسان حاله لوالديه : والداي ، لقد
ملأ حبكما قلبي ، ومهما عوقبت فإنني لا أحمل في صدري لكما غلا.
وسيتعلمان ( الرضا وعدم التسخط ) فالأطفال يرضون ويسلمون بما يقدره الله
لهم من مرض أو تعب ويتكيفون مع ما هم به بلا جزع ، ولا يتسخطون لقلة ذات
اليد أو قلة المال ، ويسعدون بحالهم ، فهم بسطاء ما داموا يجدون لقمة
يأكلونها وتربة يلعبون فوق ثراها وأرضا ينامون عليها .
ما أجمل هذه المفاهيم وهذه القيم إيجابية التي قد لا نتعلمها إلا من
أبنائنا ، يقول شبنجلر : ( من معلمي تعلمت الكثير ، ومن زملائي تعلمت أكثر ،
ومن تلاميذي تعلمت أكثر وأكثر ) .
وقد تكون التربية سلبية ، بمعنى أن ردود أفعال الأبوين تكون سلبية تجاه
الأطفال ، ويكون المؤثر في ردود أفعالهما هو الطفل ذاته ، وأوضح الأمثلة ما
يحصل أحيانا في كل بيت ، فقد يصر الطفل على تلبية طلب ما ويصرخ ويبكي بصوت
عالٍ حتى يحقق الوالدان طلبه ، وأعتقد بأن هذا التنازل إن لم يكن في محله
ولم يكن دائما فإنه سيعوّد الطفل على الصراخ بصوت عال كلما امتنع الأبوان
عن تنفيذ أمره فهو يعلم بأن طلبه محقق بهذه الطريقة .. وكأنه هو الذي يفرض
أسلوبه عليهما.
ومن التربية السلبية كذلك ما يحدث من عدم السيطرة على الانفعالات كسرعة
الغضب والاستجابة السريعة لتصرفات الأبناء المثيرة للوالدين ، والمفترض أن
يكون الأبوان أكثر رجاحة وأكثر هدوءا واتزانا تجاه مثل هذه المواقف ، فهما
في مقام التأسي للأبناء وأفعالهما .
لعل المقصود من المقال أصبح واضحا وجليا ، فنحن في ميدان الأسرة ومعترك الحياة نتعلم الكثير .