* فوائد من حادثة الإسراء والمعراج
فوائد
من حادثة الإسراء والمعراج
الحمد لله رب العالمين،
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد ..
فإن حادثة الإسراء والمعراج اشتملت على كثير من الفوائد والعبر، وهذه بعضها«[1]»
( 1 )
لما كان بيت المقدس مُهاجَر
كثير من أنبياء الله تعالى؛ كان الإسراء بنبينا صلى الله عليه وسلم إليه ليُجمع له بين أشتات الفضائل.
ومن حكم ذلك:
أن يُعلم أنَّ هذه الأمة المحمدية
أولى بهذا البيت من غيرهم.
ولكن بسبب إعراضنا عن شرع ربنا ضاع بيت المقدس منَّا، وإن من البشارات
النبوية التي يحسن التنويه إليها هنا قوله عليه الصلاة والسلام:
«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ،
فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ
وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا
مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ
فَاقْتُلْهُ. إِلَّا الْغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»
«[ البخاري ومسلم ]»
( 2 )
كان الذهاب بالنبي صلى الله عليه وسلم
إلى بيت المقدس ليلاً لأنه زمن يأنس فيه المسلم بالله منقطعاً عن الدنيا وشواغلها.
( 3 )
لما ذكر الله تعالى الإسراء نعت
النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية فقال:
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ )
«أول آيات سورة الإسراء»
ومن تأمل القرآن الكريم يجد أن
الله تعالى نعت نبيه صلى الله عليه وسلم بنعت العبودية في أسمى أحواله وأرفع مقاماته..
ففي مقام الدعوة:
( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا )
«سورة الجن، الآية: 19.»
ولما ذكر إنزال الكتاب عليه قال:
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا )
«أول الكهف»
وقال مخبراً عن الوحي إليه:
( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )
«النجم: 10»
وقال عن جميع المرسلين:
( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ )
«الصافات: 171-172»
فالعز كل العز في أن تكون عبداً لله تعالى.
( 4 )
اختلف العلماء في تأريخ الإسراء والمعراج
اختلافاً عظيماً، فذكر الإمام القرطبي المالكي -رحمه الله -في التفسير خمسة أقوال «انظر تفسيره: 10/210»
وذكر السيوطي –رحمه الله-
لذلك خمسة عشر قولاً.
«انظر كتابه: الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا، ط دار الحديث بالقاهرة، ص: 60-62»
وهذه فائدة تتفرع عنها الفائدة التالية:
( 5 )
عدم التعيين تعيين للعدم.
وأريد بذلك: أنه لا يُشرع للإنسان أن يخص ليلة المعراج بقيام من بين
الليالي، ولا نهارها بصيام من بين الأيام؛ إذ لو كان ذلك من الشرع في شيء
لما اختُلف في تحديدها هذا الاختلاف، إذ كيف تُشرع عبادة في ليلة لا نصَّ
في تحديدها ألبتة، وإنما هي أقوال دون إثباتها خرط القتاد!! قال ابن رجب
الحنبلي رحمه الله: "و أما الإسراء فقيل: كان في رجب، و ضعفه غير واحد"
«لطائف المعارف: 1/101»
ولا يَستشكلنَّ أحدٌ أنَّ ليلة القدر لم تُحدَّد؛ لأنها في وتر
العشرالأواخر من رمضان كما دلَّت عليه النصوص الصحيحة، وأما الليلة
الموافقة لليلة الإسراء والمعراج فلا يصح في تحديدها إلا قول من قال: هي في
إحدى ليالي العام!! وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن يشرع تخصيصها بشيء.
ثم إنه ينبغي أن نُفرِّق بين فعل العبادة، وبين تخصيصها بزمان أو مكان،
فالذي اعتاد أن يصوم صوماً لو وافق صومه ليلة المعراج –لو فرضنا أنَّ
تأريخها معلوم- فله أن يصومها، لا لكونها ليلة المعراج، وإنما لكون صومه
وافق ذلك. وهكذا قل في شأن القيام. أما أن يخص الإنسان ليلةً أو يوماً
بقيام أو صيام لم يدل الشرع على تخصيصها فهذا مما لا يُشرع. ومن الأدلة على
التفريق بين فعل العبادة وبين تخصيصها بزمانٍ أو مكان قول النبي صلى الله
عليه وسلم:
«لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي،
وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ،
إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»
«رواه مسلم»
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن عبادة الصيام والقيام، وإنما ينهى عن
تخصيص العبادة بيوم لم يشهد له الشرع باعتبار، ونحن لا ننهى عن الصيام
والقيام، وإنما ننهى عن تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذلك
( 6 )
من الواجب اعتقاده:
أن الإسراء والمعراج كان بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، لا بروحه فقط؛ لما يلي:
أ. لأن هذا هو الذي يتماشى مع ظاهر النصوص، وليس من دليل يصرف هذه النصوص عن ظاهرها.
ب. ركوبه للبراق، وهي دابة فوق الحمار ودون البغل. ولو كان الإسراء بروحه لم يكن من حاجة للركوب.
ت. قوله تعالى : أَسْرَى بِعَبْدِهِ )
فلو كان الإسراء بروحه لقال : روح عبده.
ث. لو كان بروحه لما كذبته قريش؛ فإن عقولهم لا تنكر أن الأرواح قد تجوب الآفاق في لحظة.
ج. ( وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا )
«الفرقان: 54»
( 7 )
أن أفضل الأنبياء نبيُّنا صلى الله عليه وسلم؛
لأنه تقدم عليهم وصلَّى بهم، وبلغ في المعراج مبلغاً لم يبلغه أحد منهم. وهذا مما لا ينازع فيه أحد.
( 8 )
بعض الناس –هداهم الله-
يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج، وقد اصطلحوا على أنَّها ليلة السابع
والعشرين من رجب! وفي تقديري أنه لو كان لابد من إبداء المشاعر لكان إبداء
مشاعر الحزن أولى من إظهار الابتهاج والفرح؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه
وسلم أُسري به إلى بيت المقدس، فأين بيت المقدس الآن؟
ثم إنَّا نستسمح المحتفلين أن نسألَ سؤالاً:
هل احتفل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذا الليلة؟
فإن قالوا: نعم.
قلنا: ( هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
«سورة البقرة: 111»
وإن قالوا: لا.
قلنا: «أحسنُ الهدي هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»
«البخاري»
فليسعْنا ما وسِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه.
( 9 )
لقي النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الأولى:
آدم، وفي الثانية: عيسى ويحيى، وفي الثالثة: يوسف، وفي الرابعة: إدريس، وفي
الخامسة: هارون، وفي السادسة : موسى، وفي السابعة: إبراهيم –عليهم صلوات
الله وتسليماته-.
والحكمة في اختيار هؤلاء الأنبياء –والله أعلم- أنه بمقابلة آدم –عليه
السلام- يتذكر أنه أُخرج من موطنه وعاد إليه، فيتسلى بذلك إذا أخرجه قومه
من موطنه.
وأما عيسى ويحيى –عليهما السلام- فلما لاقاهما من شدة عداوة اليهود، وهذا أمر سيلقاه النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته.
وأما يوسف فلما أصابه من ظلم إخوته له، فصبر عليهم، وقد طَرد أهلُ مكة النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله.
وأما إدريس فلرفعة مكانه التي تشحذ الهمة لنيل أعلى الدرجات عند رب السماوات.
وأما هارون فلأن قومه عادوه ثم عادوا لمحبته.
وأما موسى فلشدة ما أُوذي به من قومه، حتى إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال في ذلك:
«يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»
«البخاري ومسلم»
وفي ملاقاة إبراهيم –عليه السلام- في آخر السماوات مسنداً ظهره للبيت
المعمور إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم سيختم عمره الشريف بحج البيت
العتيق.
( 10 )
أنَّ الهداية بيد الله،
وأن من حجبها الله عنه فلن تجد له هادياً ونصيراً، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ
فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا،
فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي
أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ
بِهِ»
الْحِجْرِ«يُسميه الناس:حجر إسماعيل ! ولا مُسوِّغَ لهذه التسمية»
«رواه مسلم»
ومع ذلك كذبوه وسفَّهوا كلامه، بل ارتد بعض ضعاف الإيمان.
( 11 )
وفي قصة المعراج
أنَّ جبريل كان يستفتح أبواب السماء، فيقال له: "من"؟ فيقول: "جبريل". ففيه
دليل على أنَّ المستأذن إذا قيل له: من؟ سمَّى نفسه بما يُعرف به، ولا
يقول: أنا. لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب، فقال:«من ذا»؟ فقلت: أنا.
فقال:«أنا أنا»!! كأنه كرهها
« البخاري ومسلم»
( 12 )
وجد النبي صلى الله عليه وسلم
أبواب السماء مغلقة وكانت تُفتح لهما، وفي هذا من الإكرام له ما لا يخفى؛ "لأنه لو رآها مفتحة لظنَّ أنَّها كذلك "
«الآية العظمى، ص: 71»
( 13 )
وحديث المعراج دليل من مئات الأدلة
التي تدل على علو الله تعالى على جميع مخلوقاته؛ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم حجابه بعد السماء السابعة.