بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما
ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون
أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الواحد
والثلاثين من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، وسنقف في هذا الدرس
عند نماذج من أدعيته في مناسباتٍ خاصَّة، بينما كان الدرس الماضي نماذج من
أدعيته بشكلٍ عام، وقبله آدابه صلى الله عليه وسلَّم في الدعاء، ولا مانع
من أن أذكِّركم بأن..
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ))
( من سنن الترمذي: عن " أنس بن مالك " )
بل إن الدعاء هو العبادة، بل إن الشيء الوحيد في
الحياة كلِّها الذي يردُّ القضاء هو الدعاء، لا يردُّ القضاء إلا الدعاء،
ولا ينبغي أن نغفل عن أنك إذا دعوت الله أنت مع خالق الكون، مع أقوى
الأقوياء، مع أغنى الأغنياء، مع أرحم الرحماء، مع الذي يسمعك في أي مكان،
وأنت في بطن الحوت..
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾
( سورة الأنبياء: من آية " 87 " )
وأنت في الصحراء، وأنت في الجو، وأنت في
البحر، لا تنسَ أيها الأخ الكريم، واللهِ الذي لا إله إلا هو لزوال الكون
أهون على الله من أن تتوجَّه إليه مخلصاً بالدعاء ولا يستجيب لك، ولا
يُشعرك أنه سمعك، وأنه حرَّك الأحداث وفق ما تريد، لذلك:
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ))
( من سنن الترمذي: عن " أنس بن مالك " )
الصلاة دعاء، وأعلى درجات الاتصال بالله حينما تدعوه، بل إن أعلى ما يكون اتصالُ حينما تدعوه مضطراً..
وجدناك مضطراً فقلنا لك: ادعنا... نجبك فهل أنت حقاً دعوتنا ؟
دعوناك للخيرات أعرضت نائيا فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنا ؟
فيا خجلي منه إذا هو قال لي:...... أيا عبدنا ما قرأت كتابنا ؟
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عُتبنا يوم جمعنا ؟
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً...... وتنظر ما به جاء وعدنا ؟
* * *
لا تنظروا إلى أن هذا الدرس درس تقليدي،
وموضوعه الدعاء، فالدين كلُّه دعاء، أعمق ما في الصِلة الدعاء، أشدُّ حالات
القرب من الله هو الدعاء.
إخواننا الكرام ؛ دققوا، أنتَ لستَ مضطرًا
وأنت في الطريق، أو راكب مركبة، أو في دائرة حكوميَّة، أو أنْ تقابل
إنسانًا، لك معاملة عنده، لست مضطرًا أن تقول له: يا رب ـ أمام الناس ـ يا
رب، لا لست مضَّطرًا..
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)﴾
( سورة مريم )
بإمكانك أن تدعو الله الدعاء الذي يرضاه،
ويريده، وشفتاك لا تتحرَّكان، سألك شخصٌ سؤالاً، فقل في سرِّك: يا رب
ألهمني الصواب لا تفضحني، تريد أن تقابل إنسانًا، يا رب ارزقني هيبة،
وألهمني الكلام السديد الرشيد، أحياناً الإنسان يتكلَّم كلمة يظل شهرًا
متمزِّقًا من أجلها، ما فيها ذكاء أبداً، فيها حُمق، كلمة واحدة، أحياناً
كلمة تخرب مشروعًا عمره خمس سنوات.
رجل دخل بيته، من كلمة إلى كلمة طلَّق زوجته
ثلاثًا، يتسكع على أبواب المُفتين، يتحكَّمون فيه، يقول له: طلقت منكَ
فاذهب اذهب، والثاني في وجه ضعيف، والثالث، لو أنك حين دخلت إلى البيت،
ودعوت بدعاء النبي لما حدث معك هذا، كلٌّ يلومه ويصرفه.
فهذا الدرس ملخَّص كتاب الأذكار للنووي.
درس اليوم ملخص كتاب، ولكن الذي أرجوه من الله
عزَّ وجل هو أن يأخذ أحدكم الدعاء مأخذاً جدياً، فأنت طالب عندك امتحان،
تاجر عندك صفقة لا تُباع، مزارع عندك آفة زراعية، ما من إنسان إلاّ وله
مشكلة، وربنا عزَّ وجل حاضر ناظر..
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
( سورة غافر: من آية " 60 " )
ما أمرك أن تدعوه إلا ليستجيب لك، الأمر عجيب،
فالإنسان معه سلاح يجعله أقوى إنسان على الأرض، لكنك تجد تفكيره أرضيًا،
النبي ماذا كان يفعل ؟ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى))
( أبو داود)
فيا إخواننا الكرام ؛ درس اليوم ؛ استيقظت،
توضأت، خرجت من بيتك، دخلت للمسجد، خرجت من المسجد، دخلت البيت مرة ثانية،
دخلت السوق، خرجت من السوق، عُدت مريضًا، دعاك إنسان، الدعاء لا بد منه في
كل الأحوال، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد يدعو، فعَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ
وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ
اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ اللَّهُمَّ لَا
يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ
مِنْكَ الْجَدُّ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ))
( أبو داود)
أحياناً ينام الإنسان نومًا هنيئًا، فيرى
منامًا مريحًا، وأحياناً عند منتصف الليل تبرز مشكلة، يحتاج إلى مستشفى
وإلى إسعاف، خط الهاتف مقطوع، والطبيب مسافر، وهذا في إجازة، وهذا لم يجده،
والمناوب لم يأتِ، وتحتاج إلى "سيروم" فوراً، وتحتاج إلى أدوية فوراً، وكل
ذلك بالليل، وإنسان آخر ينام ليلاً هنيئًا مطمئنًا، يرى منامًا مريحًا، ثم
يستيقظ لصلاة الفجر، فعند النوم يحتاج المرءُ إلى دعاء.
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ
وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ
اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ))
إذا أراد الشخص أن ينام وعليه دَين فلا يستطيع أنْ ينام الليل..
(( الدَين همٌ في الليل وذلٌ في النهار))
أو قد يكون ذا إثم، خائف أن يتوفَّاه الله على حالةٍ لا ترضي..فليدْعُ:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ
وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ
اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ اللَّهُمَّ لَا
يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ
مِنْكَ الْجَدُّ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ))
( أبو داود)
أي ليس ثمّة ذكاء مع الله أبداً، بل لا ينفع مع لله إلاّ صدقُ التوكُّل،
(( إنَّ اللهَ تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه))
( من الجامع الصغير: عن " ابن عبَّاس " )
ماذا يجدي مع الله ؟ الاستقامة، والاستقامة
يقابلها التوفيق، أنا كلَّما رأيت تاجرًا، أو إنسانًا مُقْدِمًا على تأسيس
مشروع، شركة، معملٍ صغيٍر، مزرعة، أقول له: أولاً ليكن في علمك اليقيني أن
النجاح في الأعمال ليس بالذكاء، ولا بالخبرات ؛ ولكن بالتوفيق، والتوفيق
بالاستقامة..
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾
( سورة هود: من آية " 88 " )
قال العلماء: " لا يمكن على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة أن يُحَقَّق شيء إلا بتوفيق الله ".
وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن ينام وضع يده اليمنى على خدِّه الأيمن، واستلقى على شقه الأيمن وقال:
(( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك))
"ثلاث مرات ". وكان إذا أوى إلى فراشه، طبعاً تناول طعام العشاء..
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ))
(رواه مسلم عن أنس)
معك مفتاح بيت، لا يهم ؛ بعيد أم قريب، صغير أم
كبير، مِلك أم أجرة، معك مفتاح بيت، وعندك مأوى، تدخل بيتك، وتستلقي على
الفراش، وتستريح.
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ))
فأنا أحب من إخواننا الكرام - من أي أخ - يبدأ
بشكر ما عنده، لا ينبغي أن تتطلَّع إلى ما ينقصك، انظر إلى ما عندك، وكذلك
هناك دعاء تتمة لما سبق:
(( إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا))
( من صحيح البخاري: عن " أبي هريرة " )
هناك كثير من الحالات رجل نام ولم يستيقظ، هو
نائم وزوجته بجانبه، بحركة عفويَّة لامست يدها يده، فوجدتها مثل الثلج،
انتفضت من الفراش فوجدت زوجها ميتًا، هناك حالات كثيرة ينام ولا يُفيق من
النوم، فالمسلم عند النوم يدعو قائلاً:
(( إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا))
( من صحيح البخاري: عن " أبي هريرة " )
هذا قبل أن ينام، الآن استيقظ، فيدعو بدعاء كما علَّمنا عليه الصلاة والسلام، إذْ كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ:
(( الحمد لله الذي ردَّ إليَّ روحي - أفاق، أولاً - وعافاني في بدني - ثانياً - وأذن لي بذكره ))
-في المسجد لصلاة الفجر -.
أحياهُ يوماً جديداً، وعافاه من كل مرض، وسمح له أن يذكر ربَّه.
كان إذا استيقظ من نومه يقول:
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ))
(البخاري عن حذيفة)
وكان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ من منامه يتلو قوله تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة آل عمران )
الآن دخل الخلاء، فهل تظن أن القضيَّة سهلة،
وأن جهاز الهضم سليم ؟ والله سمعت عن امرأةٍ تشكو همَّها لصديقتها، قالت:
أُصبتُ بمرضٍ خبيث بالمستقيم فاستؤصل، ثم صارت الفتحة من طرف البطن،
وأستعمل كيسًا ثمنه ثلاثمئة ليرة، البراز يخرج بلا إرادة منها إلى الكيس
مباشرة، فتشعر بحركة، صار الكيس ثقيلاً، أيْ صار فيه براز، أحياناً تتولّد
غازات تثقب هذا الكيس، فيمتلئ البيت رائحةً لا تحتمل، وإن لم يُثقب يجب أن
يبدَّل، ثلاثمئة ليرة ثمنه، لكن الواحد منا، والحمد لله يدخل إلى الخلاء
ويقضي الحاجة من دون أكياس، وبإرادته.
وإذا دخل الخلاء يدعو فَعَنْ أَنَسٍ يَقُولُ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ))
(متفق عليه)
هناك شخص ما أصابه سرطان بالمستقيم، لكن أصابه
شلل بالمستقيم، فاستأجر عاملاً بعشرة آلاف ليرة بالشهر ليسحب له القذر
بيده، وما مِن طريقة أخرى، فإذا دخل الواحد منا الخلاء وقضى حاجته بيسر،
وبنفسه، من دون مساعدة، من دون مصاريف، من دون أكياس، فمعنى هذا أنّ هذه
نعمة كبيرة فليحمد الله عليها.
لا تنسوا إخواننا الكرام هذا الدعاء، فإنْ
يدعو به إنسان فهو يعرف نعمة الله عليه، ويقدرها، ويشكرها، أنا أرجِّح - في
الأعم الأغلب - أنّ الله يحفظه في عافية ما دام حياً، يعرف نعمة إخراج
الفضلات من دون مساعدة، وإنّ سرطان المستقيم مرض خطير، كذلك الشلل خطير،
وهناك أمراض تنكِّد حياة الإنسان بها.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا خرج من الخلاء يدعو فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ غُفْرَانَكَ))
(أبو داود)
حدَّثني أخ كريم قال لي: إنه صار معه التهاب
بروستات، فغدّة البروستات التهبت وتضخَّمت فأغلقت مجرى البول، قال لي: ذقت
آلامًا أقسم بالله منذ أن ولدت ـ عمره سبعين سنة ـ حتى هذا التاريخ ما أشعر
أن هناك ألمًا بهذا المستوى، فعندما حُبِس البول أخذوه في حالة إسعاف،
وميَّلوه بالميل، وفتحوا المجرى، أحد الخلفاء وأظنه هارون الرشيد سأله
وزيره: " بكم تشتري هذه الكأس إذا مُنعتَها ؟ "، قال: " بنصف ملكي ". قال: " فإذا مُنع إخراجه ؟ "، قال: " بنصف ملكي الآخر "، فقال له: " إذًا اتَّقِ اللهَ، فكل هذا الملك يعدل كأس ماء ".
أنا أريد أن ألفت النظر إلى أن أحدكم إذا كان
في صحةٍ جيّدة فليحمد الله كثيرًا، مرَّة حدثني شخصٌ عنده مزرعة، وأسعار
التفاح تدنَّت، وكسر موسم التفاح عنده وهو غضبان، فهوَّنتُ عليه، وقلت:
ولكن هناك أُناس ما عندهم مزارع، وعليهم أن يغيِّروا الشريان التاجي،
وآخرون يجب أن يغيروا دسام القلب، وتكاليف العملية باهضة الثمن، وهناك أناس
يجب أن يغسلوا الكلية في الأسبوع مرَّتين، وتستغرق كل مرة ست ساعات،
وبالدور في المستشفى.
قال لي أخ كريم: يغسل كليتيه كل أسبوع مرتين
فحَّره الطبيب وبقسوة: إياك أن تشرب الماء طيلة هذا الأسبوع، لأن الآلة
معطَّلة، يبقى طيلة هذا الأسبوع بلا ماء، أنت تشرب كأسًا أو اثنتين، أو
ثلاثا، والجو حار، والحمد لله، تشرب الماء، ويخرج الماء، وتأكل الطعام
ويخرج الطعام، من دون مساعدة، من دون نفقات، من دون عمليات، من دون
مستشفيات، من دون تصوير، من دون تخطيط، من دون إيكو، من دون مرنان،
فالمرنان بثمانية آلاف، وبألفٍ الإيكو، هكذا علَّمنا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي))
(ابن ماجه)
آخر دعاء إذا خرج من الخلاء يقول:
(( الحمد لله الذي أذاقني لذَّته))
أكلت فاصولياء وليس سيرومًا، أكلت صحن فول، وليس أقراص دواء.
(( أذاقني لذَّته وأبقى فيَّ قوته وأذهب عني أذاه))
هذا دعاء الخلاء، المعنى كُن مع الله دائماً، نامَ مع الله، استيقظَ مع الله، دخل الخلاء مع الله.
الآن خرج من بيته... عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
(( مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ
فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ
أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ
عَلَيَّ))
(أبو داود)
صفَّ سيارته، ودخل إلى البيت ونام، سُرقت
السيارة في الليل، وفي اليوم التالي عنده أعمال كثيفة، طبعاً تألَّم أشد
الألم، لكن عنده أعمال كثيفة، أرجأ إخبار المخفر للظهر، هذه السيارة
المسروقة ضُبطت صباحاً بتهريب، بُحث عن صاحبها، أودع السجن، إلى الآن صار
له أربع سنوات، ويقول: أنا لا علاقة لي، كانت مسروقة، لماذا لم تخبرنا أنها
مسروقة ؟ بها تمت عملية تهريب كبيرة، صاحب السيارة أوقفها قرب منزله، ودخل
إلى البيت لينام، وجاء مَن سرقها، وهرَّب بها مواد ممنوعة، وضبطت.
فأحياناً الإنسان يتورَّط، أحياناً يتيه،
أحياناً يقول لك: هذا يوم شؤم، أحياناً بكلمة ينزلق ويهوي، وبكلمة قد يفقد
حريته عشر سنوات، بسبب كلمة واحدة تكلَّمها، فإذا الواحد خرج من بيته..
(( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ
أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ
أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ))
فمَن خرج من بيته، ودعا بهذا الدعاء، فهو في
ذمة الله، فهو في حفظ الله، فهو في ظل الله، فهو في رعاية الله، فهو في
ضمانة الله، هذا دعاء الخروج من البيت.
والآن دخل المسجد، أنت تدخل بيتًا من بيوت
الله، أنت في هذا البيت ضيف الله، فهل من المعقول المضيف لا يضيفك ؟! الشخص
يجلس في بيته على مقعد وثير، مثلاً على ديوان مريح، أولاده حوله، زوجته
أمامه، إن طلب الشاي، أو طلب مشروبًا ؛ ليمونًا مثلاً.. إلخ، فكل شيء
يأتيه، لكنه يترك بيته، وزوجته، وأولاده، والمقعد المريح، والجلسة المريحة،
ويذهب إلى المسجد ويجلس على ركبتيه في بيت الله، معنى هذا أنه ضيف الله..
(( إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عُمارها، فطوبى لعبدٍ تطهَّر في بيته ثم زارني، وحُق على المزور أن يكرم الزائر))
فكان إذا كان دخل المسجد يدعو، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَتَى حَاجَتَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ
ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ
وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ فَصَلَّى
فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَتَّقِيهِ
فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ
بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ
عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا
نَامَ نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:
(( اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي
بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ
يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا
وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا))
(متفق عليه)
ولدخول المسجد دعاء، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ))
(مسلم)
في المسجد رحمة، وتجلٍّ، وسرور، وانشراح، يقول لك: أنا من أسعد الناس، سيدنا حنظلة قال لرسول الله:
(( نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين))
فأنت لا تأتي إلى الشيخ، بل تأتي إلى بيت الله، وفي بيوت الله تتنزل الرحمات.
(( اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ))
هذا مختصر، خرج من المسجد وقد سمع درسًا، أو
حكمًا شرعيًا، أو درسًا في الأدب الإسلامي، أو سمعت عن عمل صالح، سمعت
شيئًا عن الصحابة، ثم خرجت..
(( اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ))
أي يا رب الذي سمعته فها أنذا أطبقه، سمعت عن
الصدقة تصدق، سمعت عن غض البصر غض بصرك، سمعت عن الصدق كن صادقًا، أنت في
مكانين، في بيت الله أو خارج بيت الله، خارج بيت الله، فالدعاء أن يلهمك أن
تنال من فضل الله ما تنال، أنت في بيت الله فالدعاء أن يرحمك.
قد يكون الإنسان في ضيافة صارخة، كأنْ يُدعى
إلى وليمة، أو يدعى إلى حفلات يقال له: تجد عشرين نوعَ لحوماتٍ، أحياناً
يقيمون في بعض السفارات حفلات، ويقدِّمون عشرين أو ثلاثين نوعًا من اللحم،
وأربعين أو خمسين نوعًا من أنواع الخضار، ومن الحلويات خمسين نوعًا أو
نحوها، ماذا سيأكل الواحد ؟ يأكل لقمتين، أحياناً يقدَّم لك شيك بورقة
صغيرة عشرة آلاف، أو مليون، هذه ورقة ليست ظاهرة بل صغيرة، الطاولات
أحياناً مئتا متر ظاهرة وواسعة، أما هذا الشيك الذي بمليون، أو خمسة ملايين
فليس له وزن أساساً، وزنه لا شيء، موقَّع جاهز، فكانت الضيافة والعطاء
كبيران، لكن في بيوت الله الضيافة ليس صارخة، والروعة أنّ الله يتجلَّى على
قلبك وأنت في المسجد، فتشعر بمشاعر لا توصف، يستنير قلبك، يستنير عقلك،
تتخذ قرارًا حكيمًا، تخرج من المسجد وأمامك نور، الله عزَّ وجل قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾
( سورة الأنفال: من آية " 29 " )
هذه آية ثانية..
﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد: من آية " 28 " )
أساساً كل أعمالك يا أخي مبنيَّة على رؤية ؛
إما أنها صحيحة أو غير صحيحة، المؤمن رؤيته صحيحة، وغير المؤمن رؤيته فيها
خطأ، منحرفة، لذلك يدفع الثمن باهظاً.
وعَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
(( كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى
مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي
وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ
وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي
أَبْوَابَ فَضْلِكَ))
(الترمذي، وأحمد)
هناك معنى ثانٍ دقيق، وهو إنْ غلط رجل غلطة، فإذا كانت الغلطة أمامه فهو محجوب عن الله عزَّ وجل..
(( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ))
فعسى أن يغفر الله له، ويفتح أمامه أبوابه.
وإذا خرج من المسجد:
(( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك))
هذا دعاء المسجد.
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلَّم إذا أصبح
وإذا أمسى، ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ:
(( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ
بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بِكَ
أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ
النُّشُورُ))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَالَ:
(( أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ))
(مسلم)
وإذا أصبح كان يقول عليه الصلاة والسلام:
((أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله))
وكان إذا أصبح يقول:
(( اللهمَّ اجعل أول هذا النهار صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً يا أرحم الراحمين))
وكان عليه الصلاة والسلام إذا أصبح يدعو، فقد روى أَبُو دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ أَصْبَحْنَا
وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ
وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا
بَعْدَهُ ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ))
إذا ذهب أخ من إخواننا إلى العمرة أو إلى
الحج، لا يشعر أنّه في وقتٍ من الأوقات بأمس الحاجة إلى دعاءٍ يحفظه كما
هو في هذا الوقت، لأن الحج كله دعاء ؛ فإذا دخلت إلى بيت الله الحرام، في
أثناء الطواف ماذا ينبغي أن تقول ؟ أدعية، ففي أثناء السعي، في مِنى، في
عرفات، في مزدلفة، أثناء الرَجم، في طواف الإفاضة، عند زيارة رسول الله،
العمرة والحج كلها أدعية.
فالإنسان بالرخاء إذا كان معه كتاب أدعية صغير
في جيبه، قالوا: إذا أردت أن تحفظ فاقرأ، الدعاء مرَّتين تحفظه، أو ثلاثًا
أربعًا يُحفظ معك، استخدمه يُثبَّت، المفروض أنْ تكون ذخيرة الإنسان
بالدعاء كثيرة، أحياناً يزاول الرياضة، يمشي، يتمشَّى، اجعل هذا الطريق كله
دعاءً، أحياناً يركب سيارة عامة، والطريق طويل، اجعل هذه الجلسة دعاءً
كلَّها.
وكان عليه الصلاة والسلام يدعو حين يمسي وحين يصبح بهذه الدعوات:
(( اللهمَّ إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة))
عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ
الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ
وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي وَاحْفَظْنِي مِنْ
بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ
فَوْقِي وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي))
قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي الْخَسْفَ.
(أبو داود)
ـ هذه محفوظة ـ ".
أحياناً العوام يقولون كلمات لطيفة: " في
إنسان عليه خيمة "، ما هذه الخيمة ؟ ستر الله عزَّ وجل، أحياناً الإنسان
يُفضَح لأتفه الأسباب، وهي فضيحة مفتعلة غير صحيحة، فالإنسان إذا رجا الله
عزَّ وجل أن يسبل عليه ستره فلن يخيِّبه.
هذا الدعاء أتأثر به كثيراً:
(( اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي))
هناك أشياء مخيفة ومرعِبة، وأخبار مؤلمة
قاسية، ترتعد لها الفرائص، الإنسان قد ينهار، طائرة أصابها عطبٌ خطير في
الجو، دخلت في غيمة مكهربة فأُتلفت مقدِّمتها وبعض أجهزتها، واضطرب الركاب،
وعلا صياحهم، بعضهم أصابه ذعرٌ شديد، بعضهم أصابه خوفٌ قاتل، بعضهم بدأ
يندُب حظَّه وينادي بويله، ويذكر أولاده، فحدَثني مضيفٌ يعمل في الطائرة في
أثناء هذه الحادثة، فقال لي: طلب الطيار من بعض المضيفين أن يهدِّئوا
الركاب، لا أحد يستمع إليه، فقال له: اذهب إلى أحد الرُّكاب المتماسكين
فبلِّغه أن يهدِّئ من روع الركاب، قال لي: نظرت في الطائرة من أولها إلى
آخرها فما وجدت إلا الصياح، والعويل، والبكاء، والنَدب، لكن فوجئت بواحد
متماسك، هذا سنكلفه بأن يقف ويهدئ من روع الناس، قال: ذهبت إليه فإذا هو
مغمى عليه، هذا الوحيد الهادئ مغمى عليه، ونجت هذه الطائرة بفضل الله في
مطار باريس، وكل من رآها بعد أن جثمت على أرض المطار قال: مستحيل أن تنجو،
لكنها نجتْ، فالإنسان أحياناً يخاف خوفاً لا حدود له، قال:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ
كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾
( سورة الحج )
حدثَ زلزال في مصر فقرأت في مقالة ؛ امرأةٌ
حينما شعرت بالزلزال أمسكت بابنتها الصغيرة وخرجت بها إلى الطريق، في
الطريق نظرت فإذا هي تحمل كيسًا فيه حذاء، بدلاً من أن تأخذ ابنتها أخذت
حذاءها، وتركتْها على السرير وخرجت..
﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾
لذلك:
(( اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي))
أحياناً الإنسان قصته كلها تصير بين الناس، يكون هناك خلاف داخلي فيصير قصة، وينتشر.
والإمام أحمد في المسند عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ
إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ:
(( اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي اللَّهُمَّ
عَافِنِي فِي سَمْعِي اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ تُعِيدُهَا ثَلَاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي
وَتَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ تُعِيدُهَا حِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي قَالَ
نَعَمْ يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِنَّ فَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ))
(أبو داود وأحمد)
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجلِ
* * *
فقير على كافر فهذا بلاء دونه كل بلاء، فقير
على مؤمن راضٍ ومتجمِّل، موعود بالجنة، وكافر على غنى شيء ينسي شيئًا، أما
كفر وإفلاس، فما أقبح الكفر والإفلاس بالرجلِ.
أعَنْ َبِي بَكْرَةَ قَالََ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ
أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي
شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى
صَاحِبِهِ))
(أبو داود وأحمد)
مرَّة سمعت أثرًا أن: " عبدي كن لي كما أريد ولا تُعلمني بما يصلحك "،. أي لا تكلِّف خاطرك وتذكر حاجتك، أنا أعرف حاجتك كلها.." كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ".
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ
بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ))
(الترمذي)
أي بيتي، وعملي، وصحتي، وأولادي، ومستقبل
أولادي، وتزويج بناتي، وتزويج أولادي، ورضا والديَّ عليَّ، وكل علاقاتي
الاجتماعية، طمَّاع،
(( وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ))
فاطلب من الكريم المعطاء الذي لا يبخل.
قيل: إنّ إنسانًا كريمًا جاءته سائلة فأعطاها الشيء الكثير، فقال له من إلى جانبه: " لقد كان يرضيها القليل وهي لا تعرفك "، فقال: " إذا كان يرضيها القليل فأنا لا أرضى لها إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي"، إذا كان العبد هكذا حاله فكيف حال الله ؟! عبد من عباد الله الكُرماء أعطى عطاءً كبيراً لمن يطلب قليلاً، قال: " كان يكفيها القليل وهي لا تعرفك "، قال: " إن كان يرضيها القليل فأنا لا أرضى لها إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي ".
فإذا طلب الإنسان من الله فلا يطلب شيئًا
قليلًا، كمن دخل على ملك، فقال له الملك: اطلُب حاجتك، قال: أريد قلم رصاص
فقط، فقالوا: اطلب سيارة مرة واحدة، لأن الملك لا يعطي قلم رصاص، فأقل شيء
يعطيه سيارة، هذا ملك من ملوك الأرض فكيف بملك الملوك ؟ إذا طلب الإنسان
منه العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فهو يقدر على الإجابة، فهل
دعاء القنوت قليل ؟
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي
فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا
أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى
عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ))
( من سنن الترمذي: عن " الحسن بن علي " )
كرامتك على الله غالية..
اجعل لربك كل عزِّ ك... يستقر ويثبت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزَّك ميتُ
* * *
(( استر عورتي، وآمن روعتي، يا رب أسبل عليَّ سترك، ولا تخفني))
الخوف صعب.
وكان صلى الله عليه وسلَّم إذا أهمَّه الأمر، رفع رأسه إلى السماء وقال:
(( سبحان الله العظيم))
وإذا اجتهد في الدعاء يقول:
(( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ))
(الترمذي عن أنس)
وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أمراً دعا،
فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ:
(( اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي))
(الترمذي)
لو دخل شخصٌ على صديقه الذي يبيع ألماسًا،
فقال له: أعطني هذا الخاتم، فأعطاه إياه، ثم تبيَّن أنه ألماس تقليد، لكن
إذا قال له: أنت اختر لي، فسيختار له أثمن شيء عنده، هذا أيضاً من توجيهات
النبي..
(( اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي))
(الترمذي)
فالله اختار لك هذه الزوجة، معنى ذلك هذه
لصالح آخرتك، اختار لك هذا البيت، هذه الوظيفة، عمل شريف فيه دعوة إلى
الله، تدريس والدخل قليل، فالله اختار لك هذه لصالح آخرتك.
فهل مِن أحد لم يشترِ قميصًا يستره بمناسبة
العيد ؟ أو بنطالاً، أو حذاء، لا يخطر في بال الإنسان أنّ للجديد دعاء، كان
عليه الصلاة والسلام إذا استجدَّ ثوباً، أو قميصاً، أو عمامةً، أو رداءً
دعا بدعاء، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً أَوْ
قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ
كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ))
(الترمذي)
فهذا دعاؤه عند ارتداء الجديد، أحياناً تجد
إنسانًا - والله هذا المنظر ما كنا نراه - ينقب بالحاوية، ما الذي سيجده ؟
خسة، غير صالحةذبلانة، ليمونة نصف عصرة، معنى ذلك هو في أمس الحاجة إلى هذا
الذي لفظه الناس، ألقوه في الحاوية، فإذا كان الله عزَّ وجل كرَّمك عن
هذا، وأمدَّك بثمن الطعام والشراب، فهذه نعمةٌ كبرى، وكذلك إنْ كساك ثوبًا
جديدًا.
كان إذا رأى المطر دعا أيضا، فعَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا
رَأَى الْمَطَرَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا))
(البخاري)
بمصر نزلت أمطار منذ حين، وجرت سيول، تدمَّرت
قرى بأكملها، ودخل الماءُ البيوتَ، وبلغ ارتفاع مترين أو ثلاثة، المحاصيل
أُتلفت كلها، هذا مطر، هل تريدون مطرًا ؟ كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى
المطر كان يقول:
(( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا))
فبإذن الله يكون نافعًا لا مدمِّرًا، والله رحيم بالعباد.
وكذلك إذا رأى الهلال، فَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ))
دعاء لرؤية الهلال.
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:
(( اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا
الشَّهْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْقَدَرِ وَمِنْ سُوءِ الْحَشْرِ))
(أحمد)
وعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:
(( هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ
هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ
بِشَهْرِ كَذَا))
(أبو داود)
وكان إذا قدمت ليلة الجمعة دعا، فعَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ
وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقُولُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ
غَرَّاءُ وَيَوْمُهَا أَزْهَرُ))
(أحمد)
ثبت بالأحاديث الشريفة أن هناك أيامَ فضيلة
مستثناة، لها ميزة خاصة، منها يوم الجمعة، وفيه ساعةٌ إذا أصابها الإنسان،
فأيّ سؤالٍ سأل الله فيها استجاب الله له، لكن الساعة غير محددة، معنى هذا
أنك كن مستعدًا طوال الوقت.
وكان صلى الله عليه وسلَّم إذا عصفت الريح -
أي اشتدَّت وهاجت - دعا، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ
مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا
وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ قَالَتْ وَإِذَا
تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ
وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي
وَجْهِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ
كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ
أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا))
في أمريكا تهبُّ أعاصير إذا توجَّهت نحو مدينة
لا تبقي منها ولا تذر، قرأت مرَّة مقالة في مجلة المختار عن إعصار داهَمَ
ولاية في أمريكا، يقول كاتب المقالة: بيته لم يبقَ له أثر، وجد محرِّك
سيارته على بُعْد خمسة كيلو مترات ـ المحرِّك فقط ـ لا تبقي ولا تذر،
ثمانمئة ميل في الساعة تدمِّر كل شيء، نحن أحياناً تصل الرياح إلى مئة
وثمانين كيلومترا، أو مئتين، يقول لك: ثمانية بيوت تهدَّمت، جُدُر انهارت،
أشجار اقتُلِعت، مرَّة رياح سرعتها مئة وثمانون كيلو مترًا أتلفت مئة
وثلاثين بيتًا بلاستيكيًا، اقتلعتها من أصلها مع محصولها، لذلك كل شيء له
درجة مقبولة، درجة نافعة، أو درجة مدمِّرة.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا تضور من الليل ـ تقلَّب ـ قال:
(( لا إله إلا الله الواحد القهَّار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفَّار))
الآن دخل السوق، له محل تجاري، عنده مكتب، فإذا دخل السوق قال:
(( بسم الله اللهمَّ إني أسألك من خير هذه السوق وخير
ما فيها، وأعوذ بك من شرِّها وشر ما فيها، اللهمَّ إني أعوذ بك أن أصيب
فيها يميناً فاجرة، أو صفقةً خاسرة))
اشترى صفقة من دون بيان ـ أي غير نظامية ـ
أعجبته، وضعها بالمستودع، اختصم مع موظَّف عنده فطرده، هذا الموظَّف بلَّغ
الجمارك أن هناك بضاعة مهرَّبة، فعندما داهموا المحل وصادروا البضاعة،
وألزموه بدفع مبلغ فلكي، اغتلىا الحقد في قلبه، فأمسك بالمسدس وأطلق النار
على هذا الموظَّف فأرداه قتيلاً، فحُكِم عليه ثلاثين سنة، هذه تجارة مثلاً،
فليدعُ مَن يدخل السوق، ووقعت هذه الحادثة من خلال صفقة، وأدت إلى جريمة
انتهت إلى سجن ثلاثين سنة، وهذا الشيء حدث في السوق.
إذا كان للرجل محل تجاري فالمطبات كثيرة، هناك
مطبات، و توريطات، ومزالق، يكون واقفًا فصار في العناية المشددة، قال لي:
دخل علي موظف صرت أرجف هكذا، أخذوه فوراً على العناية المشددة، فهذا لم يكن
يرى الله، والله أقوى من كل قوي، أنت كن مع الله مستقيمًا، فالله يحميك.
فإذا دخل السوق قال:
(( اللهمَّ إني أسألك من خير هذه السوق وخير ما فيها،
وأعوذ بك من شرِّها وشر ما فيها، اللهمَّ إني أعوذ بك أن أصيب فيها يميناً
فاجرة، أو صفقةً خاسرة))
وكان عليه الصلاة والسلام إذا أُتي بباكورة الثمرة وضعها على عينيه، ثم على شفتيه وقال:
(( اللهمَّ كما أريتنا أوله فأرنا آخره))
ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان ـ ولا يأكلها ـ يعطيها لأصغر طفل لأن الطفل يحب الفاكهة، يؤثر الطفل على نفسه.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ
أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا قُرِّبَ لَهُ طَعَامٌ قَالَ:
(( بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ
قَالَ اللَّهُمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ
وَهَدَيْتَ وَاجْتَبَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ))
أي ألم تأكل أكلة تحبها، وأعجبتك وشبعت منها ؟
فكم من أكلة تحبها طبخوها لك مثلما تحب، وأكلت، وارتحت، وغسَّلت، وذهبت
إلى الفراش واستلقيت، فهذه أليست نعمة ؟ طعامٌ تحبه أكلته، أفلا تشكر الله
وتحمده ؟.
وكان يدعو أيضاً إذا فرغ من طعامه، ففي المسند
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ سَلَامَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَتْ
لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ
وَأَشْبَعْتَ وَأَرْوَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ غَيْرَ مَكْفُورٍ وَلَا
مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْكَ))
فأيُّ إنسان يدعو بهذه الأدعية، فهل يفقره الله ؟ يحرمه الطعام ؟ أبداً..
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
( سورة إبراهيم: من آية " 7 " )
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
( سورة الرعد: من آية " 11 " )
وبالشكر تدوم النعم.
وفي سنن أبي داود عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ - لأن هناك طعامًا غير مستساغ، وإنّ الله
فقد جعل لك الطعام مستساغًا ـ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًاه))
الطريق مفتوح وسالك، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ
زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ))
(أبو داود)
وعَنِ ابْن عُمَرَ قَالَ:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ
وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ))
(أبو داود)
تجد في أول يوم من رمضان في الصيف شخصًا
طويلاً عريضًا، فهيمًا، معه دكتوراه، يحتل أعلى منصب، عند العصر تجده
ذائبًا على كأس ماء، وكل خواطره كأس تمر هندي، عرقسوس، ليمون، أين علمه ؟
أين شهادته العُليا ؟ أين مكانته الرفيعة ؟ أين منصبه الحساس ؟ على كأس ماء
ذَبُل، فكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ))
إنّ الله عزَّ وجل بالصيام يريك ضعفك، يريك عبوديَّتك له.
إذا دعي الإنسان إلى طعام، إلى وليمة، دعا
بهذا الدعاء الشريف، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ
وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
(( أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ))
(أبو داود)
إذا دُعي إلى عقد قِران فالدعاء المأثور عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ:
(( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ))
(الترمذي)[center:ae2b