இ السلف الصالح இ بسم الله الرحمن الرحيم ..
أما بعــــــــد ..
( يعقوب بن سفيان الفسوي )
صاحب كتاب ( التاريخ والمعرفة ) الإمام العلم الذي تغرب عن وطنه نحو
ثلاثين سنة ..
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية :
( وقد روى ابن عساكر عنه أنه قال : كنتُ أكتب في الليل على ضوء السراج في زمن الرحلة
فبينا أنا ذات ليلة إذ وقع شئ على بصري فلم أبصر معه السراج فجعلت أبكي على ما فاتني من ذهاب
بصري وما يفوتني بسبب ذلك من كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنا فيه من الغربة
ثم غلبتني عيني فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : مالك ؟
فشكوت إليه ما أنا فيه من الغربة وما فاتني من كتابة السنة ..
فقال :ادن مني .. فدنوت منه فوضع يده على عيني وجعل كأنه يقرأ شيئا من القرآن ثم استيقظتُ فأبصرتُ وجلستُ أسبح الله )
(11 / 60 )
قلتُ :
في القصة فوائد :
(1)
لا تحزن يا مؤمن إن أصابك كربٌ وألمّت بك المصيبة فأنت
بين تكفير لسيئة أو رفعة درجة .. واعلم أن في باطن البلاء من الهدايا
الثمينة والعطايا الجزيلة وأعظمها أن تذوق حلاوة التضرع
والتذلل لله تعالى ورُبّ مصيبة جرّت إلى قربة بسبب دعاء العبد
لله تعالى ..
(2)
لمّا غاب هذا العالم الرباني عن وطنه نحو الثلاثين عاما وتكبدّه تلك المعاناة والمشاق في سبيل حفظ الحديث وحراسة السنة
أعلى الله قدرهم وصانهم وسارت الركبان بأسماءهم وجرت الرياح
بعبق أفعالهم وأقوالهم ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ..
وليتأمل طالب العلم في هذا العصر حاله مقارنة بحالهم وليلزم طريقهم ويتبع سننهم وليحمد الله على رغد النعم التي الآن يعيش
في بحبوحتها من وسائل عصرية معينة على طلب العلم لله تعالى ..
(3)
انظر إلى همّ هذا الرجل رحمه الله حين فقد بصره .. فلم
يُفكر في زوجة وذريّة ومصالح دنيوية أو معيشية .. ما كان همّه إلا التحسر
على فوات كتابة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ..
وطوبى لعبد أن ينظر الله تعالى إلى قلبه فلا يرى إلا ما يُحب من قصد الله تعالى والدار الآخرة ونصرة دينه وحفظه وصيانته ..
وهكذا يعيش العظماء ..