المؤمن
الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،
عدد ما ذ كره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذ كره الغافلون
المؤمــــن
آمن به أي وثق به وصدقه , والمضارع يؤمن , والمص
إيمان . وآمن بشيء أي اعتقده حقيقة .. والإيمان التصدي
.. وأمن بكسر الميم أي اطمأن ولم يخف . والإيمان وصف
يوصف به الإنسان .. يقال آمن فلان أو فلان مؤمن ..
والإيمان بمعناه الشرعي يعني أن يؤمن الإنسان بكل ما
دعانا الله عز وجل للإيمان به . وآمن بالله أي اعتقده حقيقة
.. فآمن بوجوده وبصفاته التي وصف بها نفسه في كتابه
وعلى لسان نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وقد دعانا الله إلى الإيمان بملائكته .. أي بوجوده
وبصفاتهم التي بينها لنا .. ودعانا إلى الإيمان بالكتب
السماوية التي أنزلها .. والإيمان بالرسل الذين أرسله
بكتبه عز وجل وفي ذلك يقول جل وعلا :
( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ
وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) إن الآية
السابقة أوضحت أن حصر ما ينبغي أن يؤمن به الإنسان
ليس بالأمر اليسير .. ذلك لأن الإنسان مكلف أن يؤمن
ما أنزله الله عز وجل على رسوله محمد عليه أفضل الصلاة
وأتم التسليم .. أي مطالب أن يؤمن بالقرآن الكريم كلا
وتفصيلا .. فيؤمن بأنه كتاب من عند الله عز وجل ويؤمن
بصحة ما جاء فيه .. وأن يؤمن بما جاء وأن يؤمن بما جا
في السنة النبوية الشريفة هذا عن معنى الإيمان حين يتعل
بالإنسان .
فما المقصود بالمؤمن حين يكون اسما ووصف
للحق تبارك وتعالى ؟
المؤمن كوصف من أوصاف الله ع
وجل له معان متعددة .. منها أنه تبارك وتعالى مؤمن بك
ما دعانا إلى الإيمان به .. فهو مؤمن أنه موجود .. ومؤم
بأنه موصوف بصفات الكمال المطلق , ومؤمن بأنه واح
أحد , ومؤمن أنه لا إله سواه , حيث قال جل وعلا : ( شَهِ
اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ
إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة آل عمرآن وسمي أيضا
بهذا الاسم لأنه يؤمن عباده من كل خوف .. كما ق
سبحانه : ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ*إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَا
وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوع
وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) سورة قريش وقال سبحانه أيضا :
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّه
فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
سورة النور وقال عز وجل : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل
هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) فاستجا
الله عز وجل لدعوة أبي الأنبياء كما أخبرنا في كتابه العزيز
فقال : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُد
لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِ
وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَر
فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) سورة آل عمرآن وهو لا يؤمن
عباده من مخاوف الدنيا فحسب , بل يؤمنهم من عذاب
جهنم , ويبعثهم يوم القيامة من الفزع آمنين , وذلك
بدعوته عز وجل لهم للإيمان به والالتزام بطاعته . ولقد
كرر سبحانه الدعوة إلى الإيمان في كتابه العزيز فقال جل
وعلا : (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى
يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ
وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِه
وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) سورة آل عمرآن وقا
عز من قائل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِ
رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) سورة النساء
سبحانه : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وإذا استجاب الإنسان لهذه الدعوة
إلى الإيمان والدعوة إلى النجاة يكون جزاؤه الأمن يوم
الفزع الأكبر . كما قال عز وجل : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَه
خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) سورة النمل وق
سبحانه : ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ
أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ
بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَا
بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) وينعم عليه بنعمة
الأمن الدائم في جنات الخلد . كما قال تعالى : (يَدْعُونَ فِيه
بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ* لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَ
وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) سورة الدخان ويقول الإمام الغزالي
: إن حظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه
بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في رفع الهلاك عن نفسه
في دينه ودنياه , كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه
وأحق العباد باسم المؤمن من كان سببا لأمن الناس م
عذاب الله بالهداية إلى طريق الله والإرشاد إلى سبيل النجاة
. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهبنا إيمانا صادقا كإيمانه عز
وجل بوجوده وبوحدانية وكمال صفاته .. وندعوه أن يهبنا
الأمن في الدنيا , ويبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين فهو
عز وجل كما وصف نفسه قائلا : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة الحشر