التوبة وشروطها قال الله تعالى: }ثم يتوبون من قريب{[النساء: 17]، أي قبل معاينة ملك الموت. وقال تعالى: }وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن{ [النساء:18]، أي لا تقبل التوبة بعد الغرغرة ومشاهدة المحتضر لملك الموت. وقال تعالى: }وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون{ [النور:31].
وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً{[التحريم: 8].
تفيد الآيتان أن التوبة فرض على
المؤمنين, ولها شروط أربعة: الندم في القلب, وترك المعصية في الحال, والعزم
على أن لا يعود إلى مثلها, وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفاً منه لا
من غيره.ويجب الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار الذي يحل عقد الإصرار ويثبت
معناه في الجنان لا التلفظ باللسان فقط فأما من قال بلسانه: أستغفر الله
وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة
بالكبائر.
روي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.هذا
قوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يُرى فيه الإنسان مكباً على الظلم
حريصاً عليه لا يقلع عنه،والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك
استهزاء منه واستخفاف, فهو ممن اتخذ آيات الله هزواً، وفي التنزيل: }ولا تتخذوا آيات الله هزواً{ [البقرة: 231].
والتوبة النصوح هي رد المظالم
واستحلال الخصوم أي الاعتذار منهم وطلب المسامحة وإدمان الطاعات. والذنوب
التي يتاب منها إما حق لله، وإما حق لغيره .فحق الله تعالى يكفي للتوبة منه
الترك،وبعضها الترك مع القضاء ،كالصلاة والصوم ومنها الترك مع الكفارة
كالحنث في الأيمان. وأما حقوق العباد فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها فإن
لم يوجدوا تصدق عنهم وإن كان الذي عليه الحق معسراً فعفو الله مأمول وفضله
مبذول.أما إرضاء الخصوم فيكون برد عليهم ما غصبهم من مال، أو خانهم أو غلهم
أو اغتابهم أو خرق أعراضهم،أو شتمهم،أو سبهم فيرضيهم بما استطاع ويتحللهم
من ذلك أي يطلب منهم أن يسامحوه فإن انقرضوا ولهم عنده مال دفعه إلى الورثة
فإن لم يعرف الورثة تصدق به عنهم واستغفر لهم بعد موتهم.
روي عن علي بن أبي طالب t
أنه رأى رجلاً قد فرغ من صلاته وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك سريعاً
فقال له:يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك تحتاج إلى
توبة, قال يا أمير المؤمنين: وما التوبة؟
قال: اسم يقع على ستة معان:
1- على الماضي من الذنوب: الندامة.
2- وتضييع الفرائض: الإعادة, ورد المظالم إلى أهلها.
3- وإدئاب النفس في الطاعة كما أدأبتها في المعصية.
4- وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية.
5- وأن تزين نفسك في طاعة الله كما زينتها في معصيته.
6- والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وينبغي تغيير حال المعصية بحال
الطاعة، وذلك بتغيير اللباس باستبدال ما عليه من حرام بالحلال, وإن كانت
ثياب كبر وخيلاء استبدلها بأطمار متوسطة, وتغيير المجلس: بترك مجالس اللهو
واللعب واستبدالها بمجالس العلماء والذكر والفقراء والصالحين،وتغيير الطعام
بأكل الحلال وترك ما فيه شبهة فضلاً عن ترك الحرام وتغيير النفقة بترك
الحرام وكسب الحلال وتغيير الزينة بترك التزين في الأثاث والبناء واللباس
والطعام والشراب وتغيير الفراش بالقيام بالليل عوض ما كان يشغله بالبطالة
والغفلة والمعصية كما قال تعالى: }تتجافى جنوبهم عن المضاجع{ [السجدة: 16]. وتغيير الخلق بأن ينقلب خلقه من الشدة إلى اللين ومن الضيق إلى السعة ومن الشكاسة إلى السماحة وتوسيع القلب بالإنفاق ثقة بالقيام
على كل حال وتوسيع الكف بالسخاء والإيثار بالعطاء, وهكذا يبدل كل ما كان
عليه كشرب الخمر بكسر الإناء سقي اللبن والعسل والزنا بكفالة الأرملة
واليتيمة وتجهيزهما ويكون مع ذلك نادماً على ما سلف منه ومتحسراً على ما
ضيع من عمره فإذا كملت التوبة بالخصال التي ذكرنا والشروط التي بينا تقبلها
الله بكرمه كما قال تعالى: }وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى{ [طه: 82]، والأصل في التوبة الأحاديث الآتية:
34- حديث أبي هريرة t
في الرجل الذي قتل مائة نفس ثم سأل: هل له من توبة؟ فقال له العالم: ومن
يحول بينك وبينها انطلق إلى أرض بني فلان فإن بها ناساً صالحين يعبدون
الله, فاعبد الله معهم, ولا تعد إلى أرضك فإنها أرض سوء، أخرجه مسلم وأحمد.
35- قال مغفل لابن مسعود رضي الله عنه: أسمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه؟» فقال: نعم سمعته يقول: «الندم توبة»أخرجه ابن ماجه وأحمد.
36- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه»أخرجه البخاري ومسلم.
37- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.
قال تعالى: }إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{[النساء: 31].
دلت هذه الآية والحديث الذي قبلها على أن الذنوب كبائر وصغائر وأن الصغائركاللمسة
والنظرة نكفر باجتناب الكبائر مع إقامة الفرائض وذلك بوعده الصدق وقوله
الحق, لا أنه يجب عليه ذلك. والكبائر هي الذنوب التي ورد الوعيد على
مرتكبها باللعن أوالغضب أو النار في القرآن والسنة أو في أحدهما،وما عدا الكبائر فالذنوب صغائر ولا بد لتكفير الكبائر من التوبة منها والإقلاع عنها.