الذوق والجمال في شخصية المسلم بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
ونصلي ونسلم ونبارك علي سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله وصحبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشاركتي معكم اليوم عن الذوق والجمال والتي تتزين بهما شخصية المسلم
فصفات الذوق الرفيع والجمال الراقي في بناء المسلم ليست صفات كمالية أو ثانوية ولكنها صفات أساسية مرتبطة بالإيمان حيث أن الله الذي نؤمن به يتحلى بصفات جلال وصفات جمال ، وهذه الصفات حين تنشر ظلالها على حياة المؤمن بها فلابد وأن تكون النتيجة مستوى عالٍ من الذوق والجمال
والمتأمل لمخلوقات الله جميعها يلحظ من أول وهلة صفات الجمال والإبداع الراقي ، فلا يصح بعد ذلك أن يكون المؤمن بمظهره وسلوكه خارقاً لقانون الجمال الرباني بل يكون مؤيداً له ومظهراً إياه
وقد كانوا يعرفون قديماً أن الشخص قد أسلم إذا حسن مظهره وطابت رائحته وعذب حديثه وارتقى ذوقه
فالنظافة من الإيمان , والله جميل يحب الجمال , والحضارة في معناها الصحيح هي نتاج عقول امتلأت بمعاني التوحيد والخلود, ووجدان امتلأت بمشاعر القداسة ، وصدور انشرحت لتلك المعاني والمشاعر فتلقت الجمال الكوني وصاغته فناً خالداً .
وحين يعمل الإنسان لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فإنه يرضى بالأدنى لأنه يعمر حياة قصيرة ومنتهية لا محالة
أما حين يعمل ساعياً لوجه الله تعالي فقد ارتبط بالخلود وعندئذ لن ترضيه لذة عابرة بل سيسعى نحو الأرقى والأدوم
والمساجد بنظافتها وصفوها منابت لمشاعر القداسة حيث روعة الوحدة الكامنة خلف الظاهر المتعدد وحيث تتلاشى ضوضاء النفس وضرورات الجسد فيقوى جوهر الروح التي تجوب في رحاب المقدس وتعود محملة بأشواق العلو وحنين العودة إلى الجمال والصفاء والمحبة ، ويعود الإنسان صاحب هذه الروح فيبدع في عمارة المساجد ما يدعم هذه المعاني ويعززها فنجد العلو في البناء بما يفوق ضرورات استخدام المكان ، وارتفاع المآذن والقباب التي تقوم على قواعد أكثر اتساعاً ثم تلملم أطرافها كلما اتجهت نحو الذروة وكأنها تلتقي قرب السماء عند نقطة واحدة تأكيداً لمعنى التوحيد ومعنى التلاقي والقبلة كامنة في حضن الجدار تنتهي في أعلاها بقبوٍ حانٍ وكأنها تحتضن في رفق كل من قصد المحراب . والايوانات المقوسة أو نصف الدائرية تواصل عملية الحنو على السائرين والقائمين والركع السجود ووحدات الارابيسك (العاشق والمعشوق) في الشبابيك والشرفات والمشربيات توحي بالترابط والتماسك والنظام والتناغم الهادئ البسيط ووحدات الفن الإسلامي البسيط (المربعات – المستطيلات – المثلثات) تتشابك لتكون منظومات غاية في الدقة والنظام والجمال وهذه المنظومات الفنية توحي بالالتزام وتوحي باحترام القوانين الكونية المنضبطة وهى على الرغم من بساطة وحداتها إلا أنها حين تتشابك تشكل تراكيب متعددة توحي بالتراكم والثراء والتعدد في غير ازدحام أو تعقيد أو اشتباك
ونلحظ ثبات هذه القواعد المعمارية والفنية عبر المراحل التاريخية المختلفة على الرغم من تطور المفاهيم والأساليب المعمارية ولا يفسر هذا الثبات إلا أنها انعكاسات للتراكيب المعرفية والمشاعر الدينية يستقبلها الإنسان من المقدس السامي والحاني ويعيد إسقاطها على عمارة دور العبادة ليراها رأى العين فتتعزز مرة أخرى داخل نفسه
والإيمان وعى أعمق والعمل الصالح التزام وإتقان وفى فترات الصعود الحضاري كانت تتسع دوائر الإيمان وتتعمق مستويات الوعي ويتبع ذلك عملا صالحا ومؤيدا بعقيدة الإتقان والإحسان فتظهر التراكيب المعمارية والفنية رحبة شامخة متقنة أما في عصور الاضمحلال فقد كان الإيمان يتسطح والوعي يتقلص ويتكلس والهمم تضعف والطموحات تدنو فتقترب من الحضيض ويظهر العمل مشوهاً عشوائياً قذراً هشاً
وكذلك يصبح الإنسان