زواج سيدنا موسى عليه السلام وما فيه من دروس وعبر بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
خرج نبي الله سيدنا موسى - عليه السلام - من مصر خائفاً يترقب، خوفاً كانت له أسبابه
قال الله تعالي: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ )القصص: 23
فالمرأتان ذكرتا السبب الذي لأجله خرجتا، فلابد من السقيا، والأب كبير السن لا يقوي على ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فقد تباعدتا عن مكان السقاة، وذلك لأن المرأة لا ينبغي أن تكون كثيرة الخروج ، وإذا احتاجت للخروج لا بد من التأدب بالآداب الشرعية، والتباعد عن مواطن التهم والريبة والشكوك، والنصوص في حقها تأمرها بالصيانة والتحفظ والتحجب والتستر
قال تعالى: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) الأحزاب: 33
وقال تعالى: (وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )الأحزاب: 53
وقال تعالى: ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )الأحزاب: 32
وقال تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )النور:31
وقال تعالي مخاطباً نبيه والأمة في شخصه الكريم صلي الله عليه وسلم :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )الأحزاب: 59
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " فحدد بذلك مكانها , فإذا احتاجت للخروج فعليها أن تأخذ حواف الطريق , وتغض بصرها , وترتدي زيها الشرعي بحيث يضرب من الرأس حتى القدم , ويكون فضفاضا غير ضيق لا يصف حجم العظام ولا يشف ما تحته من البدن ولا يكون ثوب شهرة ولا زينة ولا يشابه مثل الرجال ولا مثل الكافرات, والمرأة لا تختلط بالرجال حتى في أماكن العبادة , فهي تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال , وخير صفوف الرجال أولها, وخير صفوف النساء أخرها وذلك في الصلاة، فالمباعدة بين الرجال والنساء من جملة المطالب الشرعية التي ينبغي أن نحافظ عليها في دور العلم ووسائل المواصلات .... وهي لمصلحة الرجال والنساء , إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء , وثبت الخبر أن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء ولا شك أن بليه هذه الأمة بالمرأة المتهتكة المتبرجة غاية في الخطر , لذا يحرص أعداء الإسلام على استدراجها إلى حتفها لتكون فتنة لنفسها وفتنة لغيرها وبزعم المطالبة بحريتها وبحقها في أن تكون رئيسة وقاضية.
ورفعت من أجل ذلك الشعارات مثل مشاركة المرأة للرجل في جميع ميادين الحياة , والمرأة نصف المجتمع , وإنصاف المرأة ....
وتنادى بعض هؤلاء بأنه لابد وأن نجعل المرأة رسولا لمبادئنا التحررية ونخلصها من قيود الدين , لقد أراد هؤلاء للمرأة أن تكون سلعة رخيصة معروضة على الملأ وأن تكون أداة لتحلل الأمة وانسلاخها من دينها بمثل هذه الشعارات البراقة المعسولة وإلا فهل ضاعت المرأة مع شرع ربها , حتى يحفظ حقها غيره !!
سبحانه وما كان ربك نسيا , فهو سبحانه البر الرحيم بالمرأة وبخلقه وبعباده , وليس الذكر كالأنثى , فالمرأة تحمل وترضع وتحيض وتنفس , وهي نصف المجتمع وتلد النصف الأخر , فلها دورها ومكانها ومكانتها المناسبة في الحياة , والحرية الحقيقية للرجل والمرأة في إقامة واجب العبودية والاستقامة على كتاب الله وعلي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلا حاجه لنا في التشبه بالحريات المدمرة ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)المائدة
إن جمال المرأة في حيائها لا في إبتذالها، والحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستحي فافعل ما شئت "
أهمية التضرع والدعاء
ويحكي لنا القرآن ما كان من نبي الله سيدنا موسي - عليه السلام: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)[القصص: 24 : 25
مروءة وشهامة من نبي الله سيدنا موسي، عليه السلام , وما ضاع العبد ولا خاب بطاعة الله، فقد تمت المصلحة، وقضي الأمر، دون مخالفة، سقي لهما نبي الله موسي، ثم أرجع حاجته لله ( تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير)القصص
استشعر فقره، واشتكي حاله لخالقه ومولاه وهو الغني الحميد، الذي يجبر الكسير ويرحم الكبير ويقيل العثرات ويكشف الكربات ويقضي الحاجات، والإنسان لا يحتاج فقط لمطعم وملبس ومشرب ومسكن، فقد ابتلي بشهوة وغريزة يحتاج إلى تصريفها في الحلال، الرجل بحاجة لزوجه يسكن إليها لتعينه على نوائب الحق، والمرأة بحاجة لزوج تأنس به ليكون عوناً لها على طاعة الله، وحوائجنا جميعاً عنده سبحانه ففي الحديث القدسي: "يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر00000إلخ"
وسواء امتلك العبد معونة الزواج أو افتقدها فعليه أن يصنع صنيع نبي الله سيدنا موسي، عليه السلام , ويظهر فقره وضعفه إلى الله
فمن الثلاثة الذين يعينهم الله، الناكح يبتغي العفاف، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه , يقول " عجباً لمن لم يلتمس الغني في النكاح والله يقول ( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور : 32
وانظروا لقيمة الدعاء في جلب الخيرات وتحقيق المطلوبات فما كاد نبي الله سيدنا موسي عليه السلام , يفرغ من قوله : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ0 القصص24
{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(25سورة القصص
{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء } أي مشي الحرائر
كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال : كانت مستترة بكم درعها
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال : قال عمر رضي الله عنه : جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ليست بسلفع من النساء دلاجة ولاجة خراجة هذا إسناد صحيح
قال الجوهري : السلفع من الرجال الجسور ومن النساء الجارية السليطة ومن النوق الشديدة
{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}وهذا تأدب في العبارة لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة بل قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا يعني ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا
عرض سيدنا شعيب على نبي الله سيدنا موسي، عليه السلام الزواج بابنته
قص نبي الله موسي على سيدنا شعيب عليهما السلام والد الفتاتين، ما كان منه بمصر فقال: (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول : طب نفسا وقر عينا فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا0
فقالت إحدى الفتاتين: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )القصص 26
أي لرعية هذه الغنم
قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد : لما قالت ذلك قال لها أبوها : وما علمك بذلك ؟ قالت له : إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي : كوني من ورائي فإذا اختلفت علي الطريق فاقذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه
وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة
أبو بكر حين تفرس في عمر
وصاحب يوسف حين قال أكرمي مثواه
وصاحبة موسى حين قالت { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }
وقال:( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[القصص:27-28 ] أي طلب إليه هذا الشيخ الكبير أن يزوجه إحدى ابنتيه هاتين علي أن ترعى غنمي ثماني سنين فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك وإلا ففي الثمان كفاية أي لا أشاقك ولا أؤذيك ولا أماريك
وقوله تعالى إخبارا عن نبيه سيدنا موسى عليه السلام { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }القصص 28
يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين فإن أتممت عشرا فمن عندي فأنا متى فعلت أقلهما فقد برئت من العهد وخرجت من الشرط ولهذا قال { أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ } أي فلا حرج علي مع أن الكامل وإن كان مباحا لكنه فاضل من جهة أخرى بدليل من خارج كما قال تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ } (203) سورة البقرة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه وكان كثير الصيام وسأله عن الصوم في السفر فقال : [ إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ] مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر هذا وقد دل الدليل على أن نبي الله سيدنا موسى عليه السلام إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما
قد روي من حديث ابن عباس مرفوعا قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن محمد الطوسي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ سألت جبريل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأكملهما ] ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة : حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب وكان من أسناني أو أصغر مني فذكره وفي إسناده قلب و إبراهيم هذا ليس بمعروف ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن أعين عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي فذكره ثم قال : لا نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إلا من هذا الوجه
ثم قال ابن أبي حاتم : قرىء على يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن يوسف بن تيرح [ أن رسول الله سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : لا علم لي فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال جبريل : لا علم لي فسأل جبريل ملكا فوقه فقال : لا علم لي فسأل ذلك الملك ربه عز وجل عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد صلى الله عليه وسلم فقال الرب عز وجل : قضى أبرهما وأبقاهما أو قال أزكاهما ] وهذا مرسل وقد جاء مرسلا من وجه آخر وقال سنيد حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد : [ إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أي الأجلين قضى موسى ؟ فقال : سوف أسأل إسرافيل فسأله فقال : سوف أسأل الرب عز وجل فسأله فقال : أبرهما وأوفاهما ]
( طريق أخرى مرسلة أيضا ) قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع حدثنا أبي حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : [ أوفاهما وأتمهما ] فهذه طرق متعاضدة
ثم قد روي هذا مرفوعا من رواية أبي ذر رضي الله عنه قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا عويذ بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ ـ قال ـ [ أوفاهما وأبرهما ـ قال ـ وإن سئلت : أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما ] ثم قال البزار : لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عوبذ بن أبي عمران وهو ضعيف
ثم قد روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر بزيادة غريبة جدا فقال أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا يحيى بن بكير حدثنا ابن لهيعة حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : [ أبرهما وأوفاهما ]
سنة الصالحين
عرض ابنته على من يتوسم فيه الصلاح وهو سنة الصالحين، وقد عرض عمر ابنته على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - ولا بد من التدقيق في من يقع عليه اختيارنا
ولما سئل الحسن : من أزوج ابنتي ؟ قال : زوجها التقي النقي، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها , والكفاءة في الرجل معتبرة للصلاح والحرص على طاعة الله، وقد أدخل جمهور العلماء النسب والحرفة والغني والسلامة من العيوب
إن قوامة الرجل على المرأة ليس معناها التسلط والقهر، بقدر ما هي قوامة شفقة ورحمة وقيام على مصلحة المرأة
لقد وقع اختيار الفتاة على القوي الأمين، وهو أحد أولي العزم من الرسل، واستن شعيب بسنة الصالحين، فمثل نبي الله موسي عليه السلام , لا يفرط فيه حتى وإن كان فقيراً، فكان العرض، الذي لاقي قبولاً وارتياحاً من نبي الله موسي، عليه السلام , فلا كبر ولا عجب ولا غرور، كما يفعل بعض من لا تقوي عنده، إذا تم عرض الابن عليه، وشأن المرأة أن تكون مطلوبة، فلا بد من المحافظة على هذا الأمر أثناء العرض أو التوفيق في الزواج، والمرأة لا تستكره على الزواج ممن لا تحب، وفي ذات الوقت لا تستقل هي في النظر، إذ لا بد من موافقة الولي، ففي الحديث " لا نكاح إلا بولي "، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، وهذا هو قول جماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وبل لو زوج الأبعد في وجود الأقرب لم يصح تزويجه، إلا إذا عضلها ومنعها الأقرب من زواج الكفؤ، والمرأة لا تزوج نفسها، فالزانية هي التي تزوج نفسها، بل المرأة لا تزوج المرأة وإنما يزوجها الولي، وفي ذلك محافظة على حقوقها وماء وجهها
ومن هنا تدرك خطأ وخطر الزواج العرفي، التي تزوج المرأة فيه نفسها دون الرجوع للأولياء، وفي قصة نبي الله موسي عليه السلام رد بليغ على دعاة الحب والعشق والغرام قبل الزواج واعتبار ذلك مسألة لا يتم الزواج بدونها، وقد يترتب على ذلك معاشرة كمعاشرة الأزواج، وفضائح تزكم الأنوف قبل الخطوبة وبعدها !!!
والكثرة من هؤلاء لم تتزوج وفق الهدي النبوي، وإنما جرياناً مع الأفلام وقصص العشق ووفق الحياة الغربية التعيسة
أجري عميد أحد المعاهد الاجتماعية إحصائية على 1500 حالة زواج مبنية على الحب فوجدها فاشلة، ولا يتعجب من ذلك، ففساد الانتهاء من فساد الابتداء، والعبد إذا فسدت بدايته فسدت نهايته، وإذا فسدت نهايته فربما هلك إلا أن يتوب إلى الله والعلاقات الغرامية التي تحدث تقوم في الغالب على الغش والتكلف والتجمل والتزين بالباطل بل والكذب، ثم مع الوقوف على أرضية الواقع بعد الزواج تنتهي خياليات العشاق، حيث تنهمك الزوجة في الطبخ والكنس والاعتناء بالأولاد وقد تهمل نفسها وزينتها لزوجها، ويصبح المنزل بالنسبة للرجل عبارة عن فندق للأكل والنوم !!!! نعم لم ير للمتحابين مثل النكاح، ولكن لا بد من إعمال الضوابط الشرعية، فإن لم يتم الزواج فلا يصح التجني على الأطلال والهيام على الوجه والإنشاد في قلب الحارة التي تسكنها المحبوبة فهذا ضيع أصحاب القلوب الفارغة من محبة الله وذكره
ولكي يكون الزواج مباركاً فلا بد من بدايات صحيحة فالمرأة تنكح لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك
" كما جاء في الحديث الشريف وإذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "كما قال صلي الله عليه وسلم
فما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق وينظر الرجل للمرأة إذا أراد خطبتها، وهي تنظر إليه لأنه أحرى أن يؤدم بينهما - أي يتم الوفاق - وتطلب من وليها، والخطوبة علاقة أجنبي بأجنبية، أي أنها مجرد وعد بالزواج، فإذا تم القبول عادت الحرمة كما كانت فلا يحق له النظر -إلا إذا كان لم يتحقق منها أول مرة - ولا يخلو بها ولا تخضع معه بالقول ولا تظهر زينتها له ...... ثم العقد بعد ذلك زواج إلا انه يفترق على البناء ( الدخول ) فالمعقود عليها لها طلقة واحدة - إذا وقعت تحتاج لمهر جديد وعقد جديد - أما المدخول بها فلها ثلاث 0.
والمعقود عليها لها نصف المهر أما المدخول بها فلها المهر كاملاً، والمعقود عليها لا عدة عليها - أما المدخول بها فعليها العدة .
والدخول بالمرأة كحق في مقابله النفقة والسكنة
وهاأنت تري كيف تم زواج نبي الله سيدنا موسي عليه السلام من ابنة شعيب، حيث آجر نفسه لإعفاف نفسه، وحسن الاختيار من الطرفين، وحدث التراضي بينهما وتم تحديد المهر، وانتفت المشقة والمغالاة والحرج، ووثقا الأمر من الله , والله على ما نقول وكيل
ونحن نحتاج في زواجنا لشهادة وإعلان، إذ قد يخون الأمين، أو قد يموت ويأتي من بعده من لا يعرفون للأمانة طعماً، وتوثيق العقود اليوم - عند المأذون - هو لضمان وإثبات الحقوق ليس أكثر وإلا فالعقد يصح بدونه شرعاً- وقد ورد في الخبر إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج
وأحياناً يطلب الإنسان حقاً في الوقت الذي لا يؤدي الواجب عليه كمن يطلب الدخول بالمرأة بعد العقد في الوقت الذي لا ينفق عليها ولا يسكنها ويخل بالميعاد الذي اتفق عليه مع وليها في الدخول والبناء، ثم قد يموت عنها أو يطلقها ويتكتم أمر البناء، وقد تحمل منه ولا يجد مسكناً لها، ويتم إعلان البناء بعد أربعة أشهر مثلاً من الحمل ويفاجأ الناس بالوضع والولادة بعد خمسة أشهر مما يترتب عليه أذى ومضرة وعدم قدرة على رفع الرأس في وجوه المدعوين والخلق ويصيرون فتنة لكل مفتون فلا بد من مراعاة للضوابط والآداب الشرعية ومراعاة العرف الذي لا يصطدم بالشرع
الوفاء بشروط الزواج
طوي عنا القرآن ما حدث بعد الاتفاق بين موسي عليه السلام وشعيب وانتقلت بنا الآيات إلى هذا المشهد ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون ) القصص :29
فقد وفي عليه السلام لأبيها بما قطعه على نفسه والمسلمون عند شروطهم وبني بامرأته وتلمس من خلال العرض مدي شفقته وحرصه على أهله وقد في الحديث الشريف : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله "
إن الزواج من أعظم الآيات ومن ثماره حصول المودة والرحمة ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) الروم : 21
وهذا هو الزواج المبارك المبني على السنن وعلى تعظيم شعائر الله حتى وإن افتقد العلاقة والمحبة قبل الزواج فبإذن الله تتحقق الخيرات والبركات ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) مريم : 96
أي مودة يقذفها لهم سبحانه في القلوب ويبقي النظر في عواقب الأمور وتقدير المصالح التي تنجم من وراء الزواج وحتى إن لم تكن المحبة كهذه التي تحصل في القصص الغرامية
أتي رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول له إني أريد أن أطلق امرأتي قال له عمر ولما ؟ قال له لأني لا أحبها فقال عمر : وهل كل البيوت بنيت على الحب ؟ فأين الرعاية والتذمم
ليس من المعاشرة بالمعروف كثرة التلويح بالطلاق، فالطلاق أحياناً يجب وأحياناً يستحب وقد يحرم أو يكره ولا يكون مباحاً مستوي الطرفين وورد في خبر ضعيف أبغض الحلال إلى الله الطلاق وقد يستنفذ الرجل الطلقات الثلاث فتبين منه زوجته بينونته الكبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فلابد من تقوي الله في هذا الميثاق الغليظ والبعض لا يجد وسيلة لتأديب امرأته إلا تهديدها بالزواج عليها بأخرى حتى أصبح التعدد أمراً مخيفاً من جراء سوء السلوك والتصرف إن لنا في رسول لله صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو خير الأزواج لنسائه صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ما مست يده امرأةً ولا خادماً ولا دابة إلا أن تنتهك محارم الله، كان في خدمة أهله يسابق أم المؤمنين السيدة عائشة ويعدل بين نسائه رضي الله عنهن في النفقة والسكني والمبيت
إننا نحتاج لبيوت تؤسس على تقوي الله وعلى معاني الإيمان في الغضب والرضا والعسر واليسر، فهنا ينشأ ويترعرع الأبناء فتتواصل معاني الهداية
وفي هذا القدر الكفاية
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين0