أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
كان علي بن سودون البشبغاوي الجركسي المصري من أعلام الفكاهة والهزْل، وهو من مواليد القرن التاسع الهجري، وعمل إمامًا لأحد مساجد القاهرة، ولكن غلبت عليه موهبتُه في المزاح والمرح حتى اشتُهر بها، وانتقل إلى الشام يعرض إبداعاته، واتخذ من خيال الظل وسيلةً للعيش، وقد ترك ديوانه الشهير (نزهة النفوس ومضحك العبوس) وفيه إبداعاته الشعرية والزجلية والنثرية.
ومما أوغَل فيه وتفنَّن شعرُه الهزليُّ الذي ينظمه في شكل حِكَم ومواعظ، تحمل خلاصة تجربته في الحياة؛ فإذا بنا نفاجأ بالبديهيات التي يعرفها حتى الطفل الصغير، ككون الأرضِ أرضًا والسماءِ سماءً، وما يقال بأن للرجال لحًى، وأن الناس ظهورهم من الخلف، وأن الموز يباع بقشره.. إلخ.
ومن أشهر ما قاله على هذا المنوال قصيدته التي نختار منها الأبيات التالية:
إذا الفتى في الناس بالعقل قد سما تيقن أن الأرض من فوقها السما
وأن السما من تحتها الأرض لم تزل وبينهما أشيا إذا ظهرت تُرَى
وإني سأبدي بعض ما قد علمته ليُعْلمَ أني من ذوي العلم والحجَى
فمن ذاك أن الناس من نسل آدم ومنهم أبو سودون أيضًا ولو قضى
وأن أبي زوجٌ لأمي، وأنني أنا ابنهما، والناس هم يعرفون ذا
ولكن أولادي أنا لهمُ أب وأمهم لي زوجة يا أولي النُّهَى
ومن قد رأى شيئًا بعينيه يقظةً فذاك لهذا الشيء يقظان قد رأى
وقد يضحك الإنسان أوقات فرحه ويبكي زمان الحزن مهما قد ابتلى
وكم عجب عندي بمصر وغيرها فمصر بها نيلٌ على الطين قد جرى
بها الفجر قبل الشمس يظهر دايما بها الظهر قبل العصر قيلاً بلا مِرا
بها النجم حال الغيم يخفى ضياؤه بها الشمس حال الصحو يبدو لها ضيا
وفي حلب ماء إذا ما شربته وقيل: تُرَى ماذا شربت؟ تقول: ما
وفي الشام أقوام إذا ما رأيتهم ترى ظهر كل منهم وهْوَ ورا
وتسخن فيها النار في الصيف دائمًا ويبرد فيها الماء في زمن الشتا
وفي الصين صيني إذا ما طرقته يطنُّ كصينيٍّ طرقت سوا سوا
وفيها رجالٌ هم خلافُ نسائهم لأنهم يبدو بأوجههم لحًى
ومن قد مشَى وسط النهار بطرقها تراه وسط النهار وقد مشى
وعشاق إقليم الصعيد به رأوا ثمارًا كأثمار العراق لها نوى
بها باسقات النخل وهي حوامل بأثمارها قالوا يحرِّكها الهوا
وشاهدت في دمياط قِطْرًا مكررا وموزًا عليه قد تقشَّر وارتمى
بها الموز عند البيع يوزن قشره ويأكله البطران ثَمًّ إذا عرا
وعندي علومٌ بعد هذا كثيرة تدل على أنِّي من الناس يا فتى
يقصر عنها الفيل مع طول باعه ويضعف عنها الطور مع شدة القوى
وما علمتني ذاك أمي ولا أبي ولا امرأة قد زوجاني ولا حما