موقف الإسلام من التعصب
انطلقت الدعوة الإسلامية في مجتمع كان يسوده التعصب الأعمى للقبيلة ، وتجمع أفراده مشاعر الولاء للأهل والأقارب تحت شعار((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))، وقد عبر الشاعر الجاهلي عن هذا التعصب الأعمى بقوله :
وما أنا إلا إن غوت غويت وإن ترشد غزيه أرشد
وتمثلت مظاهر هذه العصبية في الغزو والثأر، والتعصب للعشيرة والعادات التقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد.
وقد استطاعت الدعوة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام، إخراج الناس من حماة هذه العصبية ومساوئها إلى سماحة الإسلام ورحمته، حيث حلت رابطة العقيدة والإيمان محل رابطة العصبية الضيقة ، وأصبح الإيمان والعمل الصالح أساس التفاضل بين الناس.
أولاً: التعصب
يقوم التعصب على تحيز الشخص إلى طائفة أو مذهب أو قوم أو فكر، فيدفعه ذلك إلى الاعتقاد بأن ما يحمله أو ينتمي إليه هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وما عداه هو الباطل المرفوض.
ثانياً: موقف الإسلام من التعصب
حذر الإسلام من التعصب الأعمى، لما له من أثار سيئة مدمرة كإثارة الفتن، وغرس مشاعر الحقد والكراهية، وسفك الدماء بين الناس، ومنع الآخرين من ممارسة حقوقهم المشروعة، كحق التعبير عن الرأي.
وقد أرسى الإسلام، من خلال مبادئه الإنسانية السامية، أحكاماً وقواعد للتعامل بين الناس والتعارف بينهم، تقوم على العدل في المساواة في الحقوق والواجبات. وأكد الإسلام أن أصل الإنسان واحد، وأن الناس متساوون في الحقوق العامة، قال الرسول(صلى الله عليه وسلم)))يا أيها الناس ألا ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا عجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى))
رواه أحمد في مسند الأنصار،حديث رقم22391.
إن ولاء المسلم لعقيدته ، لا يتعارض مع مشاعره الفطرية في الميل إلى الأهل والعشيرة والوطن وغير ذلك
ويدل على ذلك قول الرسول(صلى الله عليه وسلم)نظر إلى مكة مودعاً حينما أخرجه قومه منها قائلاً:
((والله أنك لخير أرض الله إلى الله ولولا أني أُخرجت منك ما خرجتُ)).
رواه الترمذي في كتاب المناقب، حديث رقم 2860.
وعندما سئل (صلى الله عليه وسلم))) أَمِنَ العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا ولكن العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم))
رواه ابن ماجه في كتاب الفتن، حديث رقم3939.
وليس من التعصب المذموم أن ينتصر المسلم للحق ويعمل على رفع الظلم عن إخوانه المسلمين ، ويعمل على تحقيق الخير والمنفعة لهم ، بل هو من الأمور الواجبة على المسلم.
ثالثاً: صور التعصب:
تتعد صور التعصب حسب منشئها النفسي أو المعرفي ، فقد ينشأ التعصب في مجتمع إذا وجد بيئة مناسبة له ، من حالات نفسية كالغضب والحقد ، أو دوافع فكرية تؤثر في العمل والسلوك ، قائمة على الجهل و سوء الفهم أو سوء الظن ، ومن صور التعصب :
1- التعصب للقوم :
كان لتقسيم الاستعمار للعالم الإسلامي إلى دول قطرية ، بفصلها عن بعضها البعض حدود مصطنعة ، أثار سلبية على وحدته ، وهذا لا ينسجم مع دعوة الإسلام إلى واحدة الأمة الإسلامية وتوحيد الصف والتعاون والتكافل والتضامن فيما بينهم ، إن التعصب القومي يعني الانتماء الأعمى لدولة من الدول القطرية التي أقيمت على أساس قومي ، والتميز ضد الدول والشعوب الأخرى ، وبصورة تؤدي إلى الاحتكاك بين هذه الدول ، بسب النظرة الفوقية ، والنزاع على المصالح دون مراعاة للعدل في توزيع الثروات ، والذي أدى تاريخياً إلى نشوب حروب مدمرة.
2- التعصب للرأي:
ويقصد به أن يتعصب الإنسان لأيه ، ويتمسك به ، ويعتقد أنه صحيح لا يحتمل الخطأ . بينما يرى رأي غيره خطأ لا يحتمل الصحة ، وبالتالي فإنه يرفض أراء الآخرين ويعاديها ، حتى ولو كانت صحيحة دون نظر أو تمحيص ، وهذا يعني إلغاء الأخر وعدم الاعتراف بحقوقه وحريته في إبداء الرأي.
وأمثال هؤلاء يرفضون الحوار والنقاش ويميلون في الجدل العقيم والجمود.
وقد نهى الإسلام عن هذا السلوك ، وشرع الشورى التي تحمي الإنسان من التعصب للرأي ، وعدم تقبل رأي الآخرين ، أو الدخول معهم في حوار هادف بناء للتوصل إلى أفضل الآراء وأقوامها.
ولقد ضرب لنا الرسول(صلى الله عليه وسلم) مثالاً رائعاً في الشورى ، فالبرغم من تأييده بالوحي ، كان يستشير أصحابه ومن حوله ويأخذ برأيهم إذا كان في ذلك الحق.
ومن صور التعصب لرأي ما نراه من تعصب لدى الأفراد والجماعات لحزب أو مذهب أو فكرة مما يدفع إلى النظر إلى الآخرين بازدراء واحتقار وجفاء ، ويصل الأمر أحياناً إلى الخصوم والعداء.
وسيرة السلف الصالح من هذه الأمة ، تدل على رفضهم لمبدأ التعصب للرأي أو المذهب ، حيث كانوا يتقبلون أراء الآخرين ، حتى ولو كانت مخالفة لأرائهم.
ومن أمثلة ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله((رأيي صحيح يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب))
لأن دعوة الإسلام تقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، قال تعالى:{وَلاَ تُجَدِلُواٌ أهلَ الِكتَبِ إلَّى بالتي هِي َ أَحسَنُ}العنكبوت:46.
فإذا كان هذا الأمر الرباني مطلوباً مع غير المسلمين ، فمن باب أولى الالتزام به مع المسلمين ، إذ أن الخلاف في الرأي لا يفسد الود ، ولا يجوز أن يكون سبباً للتعصب والتفرقة والعداء.
رابعاً: أثار التعصب:
حارب الإسلام التعصب بجميع أشكاله وصوره ، لما له من أثار سلبية على الفرد و المجتمع ، ومن أبرز هذه الآثار:
1- يدفع التعصب بصاحبه إلى سلوكيات غير مقبولة تتنافى مع الفضيلة ، فقد يظلم ويستبد ، استخفافاً بالآخرين وبآرائهم ، وقد يكذب انتصاراً لرأيه وفكره ومذهبه.
2- يؤدي التعصب الفكري إلى التطرف والغلو والتشدد ، كالتطرف الديني أو الفكري أو المذهبي.
3- يؤدي التعصب إلى التميز على أساس العرق أو الجنس أو اللون ، مما يؤدي إلى حرمان الآخرين من حقوقهم وكرامتهم الإنسانية التي أقرها الإسلام ، ومنحها لجميع البشر على السواء.
4- التعصب يعمل على تمزق الأمة الإسلامية وفرقتها واختلافها ، مم يؤدي إلى انتشار العداوة و البغضاء بين أفراد المجتمع ، ويشغلهم ذلك عن البحث في القضايا المهمة والأساسية التي تضمن عزة المسلمين وكرامتهم.
أبو القسام المقدسي