بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الفرائض شرط أساسي لسلامة الإنسان وسعادته :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس الشمائل النبوية، وتحدثنا في درس سابق عن أن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية، ومعرفة سنته العملية أي سيرته فرض عين على كل مسلم، انطلاقاً من أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، وتوضيحاً لذلك الوضوء فرض لأن الصلاة فرض ولا تتم إلا به، وحينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
[ سورة الحشر الآية : 7 ]
كيف نأتمر بما آتانا وكيف ننتهي عما عنه نهانا إن لم نعرف ما الذي آتانا وما الذي عنه نهانا؟ إذاً هناك في حياتنا فرائض، هناك واجبات، هناك سنن مؤكدة، هناك سنن غير مؤكدة، هناك مستحبات، هناك مباحات، هناك مكروهات كراهة تنزيهية، هناك مكروهات كراهة تحريمية، هناك حرام، أي الفرائض شرط أساسي لسلامتك وسعادتك، والمحرمات تحرمك السلامة والسعادة، دقق فرائض، واجبات، سنن مؤكدة، سنن غير مؤكدة، مستحبات، مباحات، مكروهات كراهة تنزيهية، مكروهات كراهة تحريمية، ما من حركة، ولا سكنة، ولا نشاط في ليل أو نهار، في أي مكان، في أي زمان، إلا ويغطى بأحد هذه الأحكام الشرعية، ولكن الكمال الذي أراده الله لنا، مكارم الأخلاق التي بها نصل إلى الجنة، حيث ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذا الكمال لا يمكن أن يعيش في الكتب فقط، لا بدّ من أن نراه في إنسان متحرك، كيف أن الكون قرآن صامت، وكيف أن القرآن كون ناطق، إلا أن النبي عليه الصلاة و السلام قرآن يمشي، هذه الفضائل، هذه القيم، هذه المكارم، العطاء، الكرم، الشجاعة، الحلم، الصبر، هذه الفضائل، لا قيمة لها إطلاقاً إذا بقيت في الكتب.
أدب الحياة و أدب الكتب :
لذلك قالوا: والشيء بالشيء يذكر، هناك أدب الحياة، وهناك أدب الكتب، أدب الكتب ينبع من الكتب ويصب في الكتب، لكن أدب الحياة ينبع من الحياة، ويصب في الحياة، فلذلك الفضائل التي ينبغي أن نتحلى بها، مكارم الأخلاق التي ينبغي أن ندخرها حينما نلقى الله عز وجل، الكمال الذي يليق بالإنسان، هذه القيم التي جاء بها الأنبياء لا قيمة لها إطلاقاً إذا بقيت في الكتب، لابدّ أن تكون ممثلة في بشر يتحركون أمامنا، فلذلك تعد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم على شقين، مهمة التبليغ؛ والتبليغ سهل أي إنسان آتاه الله طلاقة لسان، آتاه الله علماً، آتاه الله فكراً ثاقباً يبلغ، فإذا صحّ أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى هي التبليغ لكن المهمة الكبرى هي القدوة، أن يكون قدوة لنا.
ذلك أن كل إنسان هناك شخصية يكونها، وهناك شخصية يتمنى أن يكونها، وهناك شخصية يكره أن يكونها، المؤمن الصادق الشخصية التي يتمنى أن يقتفي أثرها، أن يسير على منهجها، أن يتبعها، هي شخصية النبي عليه الصلاة والسلام والدليل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾
[ سورة الأحزاب الآية : 21]
لكن في الآية ملمح دقيق إذا كنت ترجو الله، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، إذا كنت ترجو الله واليوم الآخر ينبغي أن تكون شخصية النبي عليه الصلاة والسلام هي القدوة والمثل.
معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم :
لذلك بناء على هذه المقدمة لا بدّ أن تعرف جوانب هذه الشخصية، لا بدّ من أن تعرف شمائلها، لا بدّ من أن تعرف كمالها، لا بدّ من أن تعرف خصائصها، لذلك الله عز وجل يقول في محكم كتابه:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
[ سورة المؤمنون الآية :69]
يقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
[ سورة سبأ الآية : 46]
إذاً معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، لأن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، وما دام هذا الأمر يقتضي الوجوب من لوازم تنفيذ هذا الأمر أن تعرف جوانب هذه الشخصية الفذة الأولى في العالم، ورد في بعض الأحاديث:
(( سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ))
[ أخرجه مسلم عن ابن عمر ]
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك نقول قبل أن نصلي: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه المقام المحمود"، هذا النبي عليه الصلاة والسلام، هذا القدوة، هذا المثل، هذا المخلوق الأول الذي أقسم الله بحياته، قال تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
[ سورة الحجر ]
إدارة الوقت هو سلوك الأذكياء :
هذا العمر الذي نعيشه، نحن بِضْعَةُ أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بِضْعٌ منه، مرة كنت مديراً في ثانوية، في محافظة جنوبية، أذكر أنه بعد ثلاثين عاماً كان طالباً من طلابي في الصف العاشر، فإذا به يحتل منصباً رفيعاً دعاني إلى هذه البلدة، قلت: يا رب بين الزيارتين ثلاثون عاماً، كيف مضت هذه الأعوام الثلاثون؟ كلمح البصر، لذلك قالوا: الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة، أي الزمن يمضي سريعاً، وأنت بضعة أيام وكلما انقضى يوم من حياتك انقضى بضع منك، مثلاً إنسان يملك سبعين ليرة كلما أنفق ليرة نقص ماله، فأنت لك عند الله عمر ثابت، انظر إلى عقرب الثواني كل حركة تشير إلى ثانية، معنى ذلك أن العمر قد قلّ ثانية، أنا لا أرى أن هناك عمل أليق بالمؤمن، ولا أكمل، من أن يدير وقته، وقت لمعرفة الله، وقت للتفكر في خلق السماوات والأرض، وقت لأداء العبادات، وقت للجلوس مع الأهل، وقت لتعليم الأولاد، وقت لوصل أخوانك الكرام، وقت للعمل، وقت للصلاة، إدارة الوقت هو سلوك الأذكياء، النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة قال:
(( اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))
[ أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس وأحمد عن عمرو بن ميمون ]
النبي عليه الصلاة والسلام كان المخلوق الأول في إدارة الوقت :
أيها الأخوة الكرام، إدارة الوقت شيء رائع، لأن الله عز وجل أقسم بعمر النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه كان المخلوق الأول في إدارة الوقت.
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات ـ مفرق الأحباب ـ مشتت الجماعات ))
[أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي عن سهل بن سعد و البيهقي عن جابر ]
آية أخرى:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
[ سورة المؤمنون الآية :69]
ينبغي أن نعرفه، لذلك قالوا: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، بل مستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه، وقد ورد في صفات النبي عليه الصلاة والسلام أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه، هل أنت كذلك؟ لك هيبة لكن إذا احتك بك الناس أحبوك؟ إذا احتك بك الناس هاموا بك؟ حينما يقول الله عز وجل:
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾
[ سورة الحجرات الآية : 15 ]
هناك أمر إلهي أن تؤمن بهذا الرسول، مرة قال النبي عليه الصلاة والسلام، قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، رجل حول النبي عليه الصلاة والسلام، قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه في المعركة، وينهانا عن قتل عمه! لم يفهم هذا التوجيه، ثم تبين بعد حين أن عمه قد أسلم وهو هناك، وهو عينه في قريش، وكانت إدارة النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى مستوى، فكل قرار تتخذه قريش يكون عند النبي عليه الصلاة والسلام، يقول هذا الرجل الصحابي: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
تواضع النبي عليه الصلاة والسلام ووفاؤه :
مقام النبوة، سيدنا عمر دخل على سيدنا رسول الله، وقد اضطجع على حصير، وأثر الحصير على جنينه الشريف، أو على خده، فبكى عمر، قال : يا عمر ماذا يبكيك؟ قال: رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير، قال: "يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً"، أنا لست ملكاً، إنما هي نبوة وليست ملكاً.
((هون عليك فإني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة))
[ ابن ماجه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ]
تواضعه عجيب، كان النبي عليه الصلاة والسلام في سفر وأرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم: عليّ ذبحها يا رسول الله، فقال الثاني : وعليّ سلخها، وقال الثالث : عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفوني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
والله أيها الأخوة بذكر محمد صلى الله عليه وسلم تتعطر المجالس، كان إذا دعاه أترابه إلى اللعب يقول: أنا لم أخلق لهذا.
وحينما جاءته رسالة الهدى، دعته زوجته لأخذ قسط من الراحة قال: يا خديجة انقضى عهد النوم.
لما فتح مكة ودعاه سادتها ليبيت عندهم، فقال لهم: انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر.
ما هذا الوفاء! معه زوجة شابة في ريعان الشباب، فضجرت من كثرة ذكره لخديجة، خديجة في سن أمه عندما تزوجها كانت في سن الأربعين، هو في الخامسة والعشرين، وعنده فتاة في ريعان الشباب قالت له مرة: ألم يبدلك الله خيراً منها؟ قال: لا والله لا والله لا والله، ما هذا الوفاء؟
عندما فتح مكة، من في مكة؟ مكة التي أخرجته، مكة التي ائتمرت على قتله، مكة التي نكلت بأصحابه، مكة التي حاربته ثلاثة حروب، بدر، وأحد، والخندق، مكة التي تفننت بقتل أصحابه، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء. هذا العفو، يوم دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، صعد المنبر واستقبل الناس باكياً وقال: من كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتدْ منه، ومن كنت شتمتُ له عرضاً فهذا عرضي، ولا يخشى الشحناء، فإنها ليست من شأني، ولا من طبيعتي.
معرفة شمائل النبي فرض عين على كل مسلم لأنه قدوة لنا :
هذا الإنسان العظيم، هذا الذي بلغ سدرة المنتهى، هذا هو المخلوق الأول، هذا سيد الأنبياء والمرسلين، هذا سيد ولد آدم، أيعقل أن لا نعرفه؟ أيعقل أن لا ندرس شمائله، كمالاته، صدقوا ولا أبالغ إن معرفة شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، فرض عين على كل مسلم، لأنه قدوة لنا والدليل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[ سورة الأحزاب الآية : 21]
أدلة على ضرورة معرفة شمائل النبي :
أيها الأخوة، من الأدلة على ضرورة معرفة شمائل النبي قول الله عز وجل:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
[ سورة هود الآية : 120 ]
إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد يقيناً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً وتألقاً بمعرفة سيرة سيد الأنبياء من باب أولى، هناك آية حينما تقرأها لا شك أنه يقشعر بدنك:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
[ سورة الحجرات الآية : 7 ]
هو فينا، هو معنا، سنته بين أيدينا، أحاديثه بين أيدينا، مواقفه بين أيدينا، سيرته بين أيدينا، كمالاته بين أيدينا:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
[ سورة الحجرات الآية : 7 ]
أُميّة النبي الكريم وسام شرف له وأميتنا وصمة عار بحقنا :
أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام أمي، أميته وسام شرف له، لأن الله عز وجل ما أراد من وعائه الثقافي أن يمتلئ من ثقافات الأرض، أراد أن يكون وعاؤه الثقافي خالياً من كل ثقافة أرضية، وأن يمتلئ بوحي السماء، لذلك:
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم الآيات : 3-4]
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾
[ سورة النجم الآيات : 5-6]
لذلك أميته وسام شرف، وأميتنا وصمة عار، لأننا نحن ينطبق علينا الحديث الشريف:
(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم ))
[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ]
الله تعالى شرّف الإنسان و كرّمه وأحسن إليه حينما سمح له أن يعبده :
شيء آخر، أنا أقول لكم دائماً: لو أن طفلاً عقب العيد زاره أحد أقربائه، فهذا الطفل ممتلئ فرحاً، بمبلغ من المال حصّله في أثناء العيد، قال لهذا القريب الزائر: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ؟ نقدره بحسب القائل، طفل صغير، في الصف الخامس، أبوه مهندس، دخله وسط، له بعض الأقارب، فإذا قال الطفل: معي مبلغ عظيم أي حوالي خمسمئة ليرة، دقق إذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، نقدره بمئتي مليار دولار، نفس الكلمة قالها طفل فقدرناها بخمسمئة ليرة، وقالها مسؤول كبير بالبنتاغون فقدرناها بمئتي مليار دولار، فإذا قال ملك الملوك :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء الآية : 113 ]
والله أيها الأخوة سافرت شرقاً وغرباً، أناس في اليابان يعبدون ذكر الرجل، وفي الهند يعبدون الجرذان، وفي مكان يعبدون الشمس، وفي مكان يعبدون القمر، وفي مكان يعبدون الحجر، وفي مكان يعبدون النار، وفي مكان يعبدون موج البحر، الله عز وجل شرّفنا، وكرّمنا، وأحسن إلينا، حينما سمح لنا أن نعبده، نحن نعبد الواحد الديان، نعبد خالق السماوات والأرض، نعبد من بيده ملكوت كل شيء، الآن هل من الممكن أن نضغط الدين كله بكلمات؟ قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) ﴾
[ سورة الكهف الآية : 110 ]
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
الآن دقق:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف الآية : 110 ]
أردت أن تقيم علاقة مع الله، أردت أن تحكم الصلة بينك وبين الله،
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
أوضح مثل مجند غر أقل رتبة في الجيش، وأعلى رتبة عماد أركان حرب، بينهما عشرات الرتب، سبعة ، وسبعتان، عريف أول، و ثمانية، وثمانيتان، ونجمة، ونجمتان، وتاج ونجمتان، ثم عماد، هذا المجند الغر الذي التحق منذ التطوع بإمكانه أن يدخل على العماد من دون إذنٍ؟ إلا بحالة واحدة، إن رأى ابن هذا العماد يسبح فكاد يغرق، فألقى بنفسه وأنقذه، يدخل بلا إذن، وهذا العماد أركان حرب يقابله فوراً، ويحترمه، ويضعه جانبه، ويضيفه، أليس كذلك؟
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
اعمل عملاً صالحاً مع هرة، مع حيوان، مع صغير، مع يتيم، مع جائع، مع مضطهد، مع مظلوم، والله الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ضمن البيت هناك طرق إلى الله سالكة، وأنت في الطريق هناك طرق إلى الله، وأنت في المسجد، وأنت في العمل.
لذلك أيها الأخوة هذا هو الدرس الثاني التمهيدي من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، وسوف إن شاء الله نقف ملياً عند هذه الشمائل، فلعل الله عز وجل يرفعنا بها.
الإعجاز العلمي :
القمح :
والآن ننتقل إلى القسم الثاني من الدرس وهي الفقرة العلمية، أحياناً أقرأ هذه الآية، فأحس أن لها أبعاداً كثيرة، هذه الآية:
﴿ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾
[ سورة النساء الآية : 119]
كيف؟ الله عز وجل خلق القمح، نحن ننزع قشره ونأكل نشاءً ليس غير، أحياناً أقف معكم قليلاً عند المواد الخطيرة، والنافعة، والمفيدة، التي تنطوي عليها قشرة هذه الحبة، قال: هذه الحبة جعلها الله غذاء كاملاً، فيها غلافٌ خارجيّ يزن تسعاً في المئةِ من مجموع وزنِها، يُسمَّى عند الناس النُخالة، وفيها قشرةٌ رقيقةٌ تنطوِي على مادةٍ آزوتيةٍ لا تزيدُ عن ثلاثةٍ في المئة من وزنِها، وفيها الرُّشَيْمُ الكائنُ الحيُّ الذي ينبتُ إذا توافرت له شروط الإنبات، ووزنُه لا يزيدُ على أربعٍ في المئة من وزنِ حبَّةِ القمحِ.
إذا جمعنا تسعة وثلاثة وأربعة أي ستة عشر، بقي أربعاً وثمانين في المئة نَشاءٌ خالصٌ، لكنها بيضاء ، أما الخبز مع قشره أسمر اللون، كل الخير، كل الفوائد، كل الفيتامينات، كل المعادن، كل المواد الثمينة في قشرة القمحة، ننزعها ونطعمها للدواب ونأكل النشاء الخالص هذه الحضارة.
ماذا نفعل نحن؟ ننزعُ عن القمحةِ غلافَها، وغشاءَها، ولا يبقى لنا إلا النّشاءُ الخالصُ، أمّا هذا الغلافُ الذي يسمِّيه الناس نُخالةً، ففيه ستةُ فيتامينات، فيتامين ب1، ب2 ب6...، و في هذا الغلافِ مادةٌ فسفوريةٌ هي غذاءٌ للدماغِ نطعمها نحن للدواب، وفي هذا الغلافِ حديدٌ يَهَبُ الدمَ قوةً وحيويةً، ويُعِينُ على اكتسابِ الأوكسجين مِنَ الرئتين، وفي هذا الغلافِ الكالسيوم الذي يبني العظامَ، ويقوِّي الأسنانَ، وفي هذا الغلافِ السيلكون الذي يقوِّي الشعرَ ويزيدُه قوةً ولمعاناً، وفي هذا الغلافِ اليود الذي ينشط عملَ الغدّةِ الدَرَقِيَّةِ، ويُضفِي على آكلِه السكينةَ والهدوءَ، اليود له مفعول المسكن، وفيه البوتاسيوم، والصوديوم، والمغنيزيوم، تدخلُ هذه المعادنُ كلُّها في قشرة القمح الذي نطعمها للدواب.
أيها الأخوة، أما نحن نأكل النشاء الصافي الذي كما وَصَفَه بعضُ الأطباءِ غراءٌ جيدٌ للمعدةِ، ائت بلب الخبز الأبيض اضغطه ثم ضعه في كأس ماء لا ينحل أبداً، لأنه غراء.
فوائد قشرة القمح :
لكن الإبداع الإلهي في خلق هذه القشرة بما فيها من فوائد هو من أجل أن نأكلَ القمحَ بقشرِه، حتى نستفيدَ مِن هذه الموادِ التي أودَعَهَا اللهُ في قشرةِ القمحِ ، والله أعلم كل الأدوية التي تعالج الإمساك والإمساك ينتج عنه خمسين مرضاً، كل الأدوية التي تعالج الإمساك هذه الأدوية موجودة في قشرة القمح، لا يوجد إنسان يأكل خبز مع نخالته معه إمساك، أي أكبر مادة فعالة في تنظيم الأمعاء النخالة، لذلك جميع الأدوية التي تعين على الهضم مأخوذة من قشر القمح.
إذا غُلِيَتْ هذه القشورُ بالماءِ الساخنِ كانتْ مهدئةً للسعالِ والزكامِ، وإذا شُرِبَ هذا المغليُّ كان قابضاً للأمعاءِ، وكان دواءً لتقرُّحاتِ المعدةِ وللزحار، وهو غذاء للجلدِ ووقاية له من أمراضِه، وعلى رأس هذه الأمراض الأكزيما .
وقاية للجلد من الأمراض، قابض للأمعاء، دواء لتقرحات المعدة، وللزحار، مهدئ للسعال والزكام، لذلك حين نأكل كما أراد الله لنا أن نأكل، وحين نطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام في الأكل، نضمن لأنفسنا الصحةَ والبُعدَ عن الأمراض .
(( سئل الصحابي الجليل سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ : " هَلْ رَأَيْتَ النَّقِيَّ ـ الطحين المنخول ـ قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّقِيَّ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ : فَهَلْ كَانَ لَهُمْ مَنَاخِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا رَأَيْتُ مُنْخُلاً حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ : فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ " ))
[ ابن ماجه عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ]
وورد في الأثر أن أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله نخل الدقيق.
والحمد لله رب العالمين