بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام واسعة جداً:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس الشمائل النبوية، ولا زلنا في المقدمة.
أيها الأخوة الكرام، موضوع دقيق وهو أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 103 ]
ويقول أيضاً:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 56 ]
الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام واسعة جداً، منها أن تقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، منها أن تقرأ سيرته، منها أن تتأمل في شمائله، منها أن تقف على كمالاته، منها أن ترى منهجه، منها أن تطبق منهجه، أي: أية علاقة برسول الله، علاقة علمية، علاقة اتباع، علاقة طاعة، علاقة حب، علاقة تعظيم، علاقة إكبار، أية علاقة برسول الله تعد هذه العلاقة نوعاً من الاتصال به، وتعد هذه العلاقة نوعاً من الصلاة عليه، وكأن الله عز وجل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾
هذه الصلاة من الله عز وجل وملائكته على النبي تعني أنه أقرب مخلوق إلى الله، لأنه قريب من الله كان نموذج الكمال البشري، لأن الله الذات الكاملة، الذات الكاملة الكمال المطلق، أية جهة اتصلت بالكمال المطلق اشتقت الكمال، أي لا تصدق إنساناً له صلة بالله قاسي القلب، مستحيل، أو إنه يكذب، إنه لا يتصل بالله، إنسان يتصل بأصل الكمال، أصل الجمال، أصل النوال، إنسان يتصل بصاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، إنسان يتصل بالله وله قلب قاس؟! إنسان يتصل بالله ويكذب؟! إنسان يتصل بالله ويخدع؟! إنسان يتصل بالله ويسقط؟! مستحيل.
النبي عليه الصلاة والسلام هو المخلوق الأول رتبة:
النبي عليه الصلاة والسلام يعد المخلوق الأول رتبة:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ﴾
[ سورة الزخرف ]
أول عابد لله، المخلوق الأول لقد أقسم الله بعمره الثمين، إله عظيم يقسم بعمر مخلوق:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
[ سورة الحجر الآية: 72]
إذاً::
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾
هذا الاتصال المحكم المتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله، إذاً هو منبع الكمال:
﴿ِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا صَلُّوا عَلَيْهِ ﴾
أي أنا أتجلى عليه، يا أيها المؤمن اتصل به، نوع من الصلة، إذا وقفت على سيرته هذه صلة، إذا وقفت على كمالاته على منهجه، على رحمته، على عدله، على حرصه على هداية الخلق، هذا كله نوع من الصلة، أي أن تعيش مع النبي عليه الصلاة والسلام، صدقوا ولا أبالغ المؤمن الصادق يعيش مع النبي وأصحابه، طبعاً هو لا يعيش معهم بجسمه، ألف وأربعمئة عام، لكن تصوراته كلها كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يعامل أهله؟ كيف كان يعامل أصحابه؟ كيف كان رحيماً؟ كيف كان أباً كاملاً؟ كيف كان أخاً عزيزاً؟ كيف كان زوجاً صادقاً؟ كيف كان زعيماً مخلصاً؟ كيف كان قائداً شجاعاً؟ كيف كان رئيساً فذاً؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
معرفة رسول الله معرفة شطر الدين:
أيها الأخوة الكرام، بلا مبالغة كلمة الإسلام الأولى: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمعرفة رسول الله معرفة شطر الدين، نصف الدين، معرفة الله على أنه إله واحد كلمة التوحيد وكلمة الرسالة، إذا أردت أن تضغط الإسلام كله بكلمتين، لا إله إلا الله محمد رسول الله، الكلمة الأولى كلمة التوحيد، والدليل:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 25 ]
الآن بعد
﴿ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ ﴾
تلخيص دعوة الأنبياء جميعاً:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 25 ]
توحيد وعبادة، الفكر توحيد والحركة عبادة، المنطلق النظري توحيد، والسلوك العملي عبادة، الإسلام عقيدة وسلوك، منطلقات نظرية، تطبيقات عملية، حركة فكرية، وحركة بالجوارح، شيء تقنع به، وشيء تتحرك إليه، فأول كلمة لا إله إلا الله، الكلمة الثانية هذا الكمال الذي دعينا إليه، هذا الكمال الذي ينبغي أن نكون عليه ممثل في شخص النبي عليه الصلاة والسلام:
خلقت مبرأ من كل عيــب كأنك قد خلقت كما تشاء
***
أحد أسباب سعادة الإنسان أن يعيش مع رسول الله في فكره وتصوراته:
أيها الأخوة، أحد أسباب سعادة الإنسان أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يعيش في فكره، في تصوراته، في مشاعره، في أحاسيسه، أن يقرأ سيرته، أن يقرأ شمائله، لأنه الإنسان الكامل، الإنسان الموصول بالله عز وجل، إذاً،
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾
ورد في بعض الأحاديث:
(( سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ))
[ أخرجه مسلم عن ابن عمر ]
اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، هذا هو المقام المحمود:
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً*وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾
[ سورة الإسراء الآيات: 78-79 ]
سلوا لي المقام المحمود فإنه مقام لا ينبغي إلا لواحد من خلقه، وأرجو أن أكون أنا، إذاً أنت تعيش في سعادة إذا كنت مع رسول الله.
تعطر المجالس بذكر الصالحين:
أيها الأخوة:
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 103 ]
هناك صحابي يجلس في الطريق ويبكي اسمه حنظلة، مرّ به الصّديق، رآه يبكي قال: مالك يا حنظلة تبكي؟ قال: نافق حنظلة، قال له: ولِمَ يا أخي؟ قال حنظلة: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن والجنة كهاتين، فإذا عدنا إلى بيوتنا وعافسنا الأهل ننسى، أي كل واحد منا إذا أتى إلى بيت من بيوت الله، إذا أتى إلى المسجد، واستمع إلى درس علم، هناك حالة في المسجد مريحة.
إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، الآن دقق وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر، أنا لا أبالغ ولا أصدق أن إنساناً يأتي إلى بيت من بيوت الله بنية التقرب إلى الله ولا يشعر براحة نفسية وهو في المسجد، وحُقّ على المزور ـ من المزور؟ هو الله ـ أن يُكْرم الزائر، فلذلك أنت إذا كنت في بيت من بيوت الله تشعر بسعادة، فكيف إذا كنت مع رسول الله؟ لذلك قال له: نافق حنظلة، فسيدنا الصديق قال: أنا كذلك يا حنظلة ـ من أروع ما في الموقف التواضع ـ انطلق بنا إلى رسول الله، فانطلقا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وحدثاه بهذا الحال، فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم".
هذا الكلام دقيق جداً أي لا بدّ من أن يكون لك حال وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم، فلذلك:
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 103 ]
لذلك بأي مجلس إذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا ذكر أصحابه الكرام، تعطر المجلس، بل كما قيل: بذكر الصالحين تتعطر المجالس، والعياذ بالله وبذكر اللؤماء تتعكر المجلس، اجلس في مجلس وتحدث عن إنسان لئيم بخيل، قاسٍ، زوج سيئ، ابن عاق، زوجة متفلتة، تحس بضيق، الكمال مسعد والنقص مشقي، إذاً:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
معرفة شمائل النبي فرض عين على كل مسلم:
أيها الأخوة الكرام، أنا أؤكد لكم أن معرفة شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، ومعرفة سيرة النبي، ومعرفة أحاديث النبي، فرض عين على كل مسلم، بل إني أقول: أيها الأخ الكريم لماذا تصلي؟ الجواب البديهي لأن الصلاة فرض، فإذا أثبت لك أن معرفة شمائل النبي فرض عين على كل مسلم، الدليل ألم يقل الله:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
[ سورة الحشر الآية: 7 ]
هذا الأمر يقتضي التطبيق، كل أمر يقتضي الوجوب فكيف تطبق ما جاء به النبي إن لم تعرف ما الذي جاء به؟ من لوازم تطبيق هذا الأمر أن تعرف ما الذي جاء به، وما الذي عنه نهى، وكيف كان في سيرته، في بيته، مع أصحابه، في سلمه، في حربه، فلذلك أحد أكبر المواد الدينية في التعليم الإسلامي أن نعرف شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.
أقوال النبي وأفعاله وإقراره تشريع و كلّ هذا بين أيدينا:
أيها الأخوة، إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 7 ]
هل تعرفون قيمة هذه النعمة؟ هناك أديان تعبد البقر، أديان تعبد الشجر، تعبد الحجر، تعبد الشمس والقمر، تعبد آلهة متعددة، فإذا كرمنا الله عز وجل وكنا أتباع النبي الأول والرسول الأعظم، وكنا أتباع سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 7 ]
هو فينا، سيرته بين أيدينا، شمائله بين أيدينا، أخلاقه بين أيدينا، أنا أعتقد أنه ما من إنسان على وجه الأرض كتبت ونقلت إلينا دقائق حياته، وتفاصيل حياته، وكل ظروفه، في بيته، ومع أصحابه، وفي سلمه، وفي حربه، كما نقلت إلينا أفعال النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً ينبغي ألا يغيب عنكم أن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام تشريع، وأن أفعاله تشريع، وإن إقراره تشريع، بل إنهم قالوا: إن سنة النبي عليه الصلاة والسلام تعني أقواله، وتعني أفعاله، وتعني إقراره.
سماع دروس شمائل النبي خطوة نحو معرفة هذه الشمائل:
لذلك:
﴿ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 179 ]
أخي أنا مؤمن برسول الله، ما معنى أنك مؤمن برسول الله؟ هل قرأت سيرته؟ هل قرأت شمائله؟ هل قرأت أحاديثه؟ كلمات الآن مفرغة من المضمون، تقول أنت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، متى جلست وقرأت سيرته؟ متى جلست وقرأت سنته؟ متى قرأت شمائله؟ إذاً لا أبالغ مجيئكم إلى هذا المسجد لسماع دروس شمائل النبي عليه الصلاة والسلام هو خطوة نحو معرفة هذه الشمائل، بل إن الله عز وجل يعجب:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
[ سورة المؤمنون الآية: 69]
شيء طبيعي أن تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تعرف شمائله، سيرته، أخلاقه، كمالاته:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
[ سورة سبأ الآية: 46 ]
صفات النبي عليه الصلاة والسلام:
أي لمرة واحدة في دروس الشمائل لا بدّ أن نقف وقفة متأنية عن شكل النبي عليه الصلاة والسلام، السبب إنك إذا رأيت في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن صفاته كالصفات التي وردت في سيرة النبي معنى ذلك ومع الأسف الشديد أنك لم ترَ رسول الله، لا تكون قد رأيت رسول الله إلا إذا رأيته على الصفات التي وردت في كتب السيرة، مرة قال لي إنسان: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام، رأيته أسمر اللون، طويلاً جداً، قلت: هذا ليس برسول الله، يجب أن ترى رسول الله على الهيئة والشكل واللون الذي ورد في كتب السيرة، فكان عليه الصلاة والسلام:
(( أحسن الناس وجهاً، وأحسنه خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير))
[ البخاري عن البراء بن مالك]
و كان:
(( كان عليه الصلاة والسلام رجلاً مربوعاً ـ أي متوسط الطول ــ بعيد ما بين المنكبين ـ أي عريض المنكبين ـ عليه حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم))
[ مسلم عن البراء]
لذلك قال حسان بن ثابت:
وأجمل منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرّأً من كل عيــب كأنك قد خلقت كما تشاء
***
(( لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ـ عريض الكفين والقدمين ـ مُشْرَبٌ وَجْهُهُ حُمْرَةً ـ كان لونه أزهر أي أبيض على أزهر ـ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ))
[ أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وصف رائع لشكل النبي عليه الصلاة والسلام:
وروى البيهقي عَنْ أبي معبد الخزاعي:
(( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي، فمروا بخيمة أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة ـ أي جليلة ـ مسنة، جلدة ـ أي قوية ـ تحتبي ـ أي أنها تضم يديها إلى ركبتيها أثناء الجلوس ـ وتجلس بفناء الخيمة، وتطعم وتسقي من يمر بها، فسألوها لحماً أو تمراً، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، قالت: لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى ـ أي ما أحوجناكم بل كنا نضيفكم ـ ولو عندنا ما بعناكم بل كنا نضيفكم، وإن القوم مرملون ـ أي أصابتهم سنة جدباء ـ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر خيمتها ـ أي في جانب خيمتها ـ فقال: « ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ » قالت: شاة خلفها الضعف عن الغنم ـ أي إنها هزيلة ضعيفة ـ قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك ـ أي أضعف ـ فقال: تأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: إن كان بها حلب فاحلبها، وفي رواية: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسحها، وذكر اسم الله، ومسح ضرعها، وذكر اسم الله، وفي رواية مسح ظهرها، ودعا بإناء لها يربض الرهط ـ أي يشبع الجماعة ـ فهذه الشاة الضعيفة الهزيلة المريضة درت فحلب فيها ثجاً ـ أي كمية غزيرة ـ حتى ملأ الوعاء فسقاها ـ بمن بدأ النبي عليه الصلاة والسلام؟ بصاحبة الشاة ـ وسقى أصحابه فشربوا واحداً واحداً حتى إذا شربوا جميعاً شرب صلى الله عليه وسلم، فكان آخر أصحابه شرباً، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ساقي القوم آخرهم شرباً ـ يشرب نصف العصير لوحده ثم يعطي الباقي ـ ساقي القوم آخرهم شرباً، ثم حلب فيها ثانياً عوداً على بدء، وترك عندها هذا الحليب، وقال لها: ارفعي هذا إلى أبي معبد إذا جاءك، فما هذا الفهم! سقاها أولاً وترك لزوجها ثانياً وسقى أصحابه وشرب آخرهم.
ثم ارتحلوا عنها فقال: ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً، فلما رأى اللبن قال: من أين لكم هذا اللبن يا أم معبد ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كذا وكذا وفي رواية كيت وكيت، قال: صفيه يا أم معبد؟ قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، متألق، حسن الخلق، قوي، مليح الوجه، لم تعبه ثجلة ـ أي كبر البطن ـ ولم تزر به صقلة ـ أي صغر الرأس ـ وسيم قسيم ـ أي يجمع من كل حسن قسماً ـ في عينيه دعج ـ والدعج شدة سواد حدقة العين ـ وفي أشفاره وطف ـ أي كثرة شعر الحاجبين والعينين ـ وفي صوته صحل ـ أي بحة محببة ـ أحور ـ أي شدة بياض العين وسوادها ـ أكحل ـ كأن عينيه مكتحلتان ـ أزج ـ أي دقيق طرف الحاجبين ـ أقرن ـ أي حاجباه متصلان ـ في عنقه سطع ـ أي ارتفاع عنقه، وهذه صفة بالإنسان محببة ـ وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، كلامه فصل لا نزر ولا هذر ـ لا كلام قليل جداً إيجاز مخل ولا إطناب ممل ـ كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ـ حبات لؤلؤ ـ أبهى الناس وأجملهم من بعيد وأحسنهم من قريب، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود مشحود، لا عابس ولا مفند ـ ليس عنده كلام ليس له معنى، ولا عنده نقد جارح ـ قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه في أثناء الهجرة، ولو كنت وافقته لالتمست أن أصحبه ولأفعلنه إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، ثم هاجرت مع زوجها على النبي عليه الصلاة والسلام وأسلما))
[البيهقي عَنْ أبي معبد الخزاعي]
هذه صفة النبي عليه الصلاة والسلام، وصف دقيق دقيق، وصف رائع لشكل النبي عليه الصلاة والسلام.
النبي الكريم كان فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر:
أيها الأخوة، يقول بعض أصحابه، ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( كَانَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي جَبْهَتِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
إذا سرنا معه.
وعن أحد أصحاب رسول الله قيل له: صف لنا رسول الله؟ قال: لو رأيته رأيت الشمس طالعةً، بعضهم قال: كان فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
على كلٍّ سيدنا حسان بن ثابت الشاعر النبوي يقول:
أحسن منك لم ترَ قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كـل عيـب كأنك قد خلقت كما تشاء
***
لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي ))
[ الجامع الصغير بسند صحيح عن ابن مسعود ]
إن شاء الله في الدرس القادم نبدأ بتفاصيل شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، الدروس الثلاثة الأولى كانت مقدمة.
الموضوع العلمي:
السواك:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ "))
[ البخاري عن عَائِشَةُ]
ورد في مجلة مشهورة تصدر في بعض البلاد العربية الشقيقة مقال لعالم متخصص في علم الجراثيم والأوبئة من ألمانيا، يقول: قرأت عن السواك الذي يستعمله العرب كفرشاة أسنان في كتاب لرحالة زار البلاد العربية، وعرض الكاتب الأمر بأسلوب ساخر لاذع، اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء الناس الذين ينظفون أسنانهم بأعواد، يقول هذا العالم الألماني: ولكني أخذت هذه المسألة من وجهة نظر أخرى، وفكرت، لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب، والتي أسميتها فرشاة الأسنان العربية، حقيقة علمية؟ وتمنيت لو استطعت إجراء التجارب عليها.
عالم ألماني عنده معلومات تسخر من السواك، أناس متخلفون ينظفون أسنانهم بأعواد لكن هذا العالم قال لعل في هذه الأعواد شيئاً لا نعرفه، قال: ثم سافر زميل لي إلى السودان، وعاد ومعه مجموعة منها، وفوراً بدأت بإجراء تجاربي عليها، سحقتها، وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت لي المفاجأة التي لم أكن أتوقعها، ظهرت على مزارع الجراثيم الآثار نفسها التي يؤثر بها البنسلين، البنسلين مادة فعالة في قتل الجراثيم.
هذا ما قاله العالم الألماني المتخصص في علم الجراثيم والأوبئة، أي حينما جاء بهذا السواك، وجعله مسحوقاً و وضع هذا السواك المسحوق على هذه المزرعة من الجراثيم فماتت كل الجراثيم معنى ذلك مفعول السواك كمفعول البنسلين تماماً هذا كلام العالم الألماني.
فوائد السواك:
لذلك قال ابن القيم: "في السواك عدة منافع، يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصحح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط القراءة، والذكر، والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات، وقال: أصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة".
لذلك أيها الأخوة، هذا العود الذي خلقه الله عز وجل خلقه خصيصاً لتنظيف الأسنان لأنه قاتل للجراثيم، الله عز وجل هناك آيات دالة على عظمته، وأن كل شيء أمر به النبي ليس من عنده، ولا من خبرته، ولا من تجاربه، ولا من اجتهاده، لكنه وحي يوحى.
والحمد لله رب العالمين