فتي الإسلام فتى الإسلام
أعرف أنك تشتكي دائماً من الأب والأم والمدرسين والمصلين في المسجد000
تشتكي أنهم يعاملونك على أنك مازلت صغيراً لم تكبر بعد000
للأسف فإن الناس تنظر لمن كان في سن العاشرة من عمره أنه صغير، ويعامل معاملة الصغير
وكذلك من كان في الثانية عشر من عمره يُعامل على أنه صغير
حتى الفتى ابن الستة عشر عاماً يعامل على أنه صغير
وربما يعامل من هو أكبر من ذلك على أنه صغير فمثلاً جدك يعامل والدك على أنه صغير، جدتك تعامل والدتك علي أنها صغيرة 000
ولكني أقولها لك صريحة "أنت لست صغيراً"
وأظنك سوف تجري الآن لتنادي علي كل من حولك, الأب, الأم, الأقارب، أنا لست صغيراً000 أنا لست صغيراً000
ولكن 00!
أقول لك مهلاً يا حبيبي فأنت قد تكون صغير السن ولكنك كبير القدر
والذي أريد أن أتفق معك عليه، هو أنك مادمت تفهم ما يقال لك فأنت لست صغيراً مهما كان سنك
وإذا فهمت واستطعت أن تتعرف على أوامـر ربـك فقد شابهت الرجال في مبدأ الفهم وبقي أن تحاول أن تكون مثل الصالحين منهم في تطبيق كل ما تتعلمه وأن لا تقدم على فعل شيء تعرف أنه يغضب ربك
أخي الفتى الإسلام الحبيب: إذا هممت بفعل شيء فاسأل نفسك هل هذا يرضي الله أم لا؟
فإن كان يرضيه فافعل وإلا فاحذر وارجع!
وإذا فعلت هذا أصبحت كبيراً، بل تصبح أكبر كثير من الكبار الذين يعصون الله تبارك وتعالى
كان سيدنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه يقول: " فإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً"
فليس الشأن أن تكون كبير السن صغيراً عند ربك بمعصيتك إياه!
ولكن الشأن أن تكون عظيماً كبيراً عند ربك بطاعته وتقواه، فكم من صغير السن عظيم القدر عالي الهمة
استمع يا حبيبي إلي قول الله تبارك وتعالي
(إ ِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات 13
ليس كبر أو صغر السن , ليست القوة , ليس استعراض العضلات , ليست الفتونة , أو ما يسمى اليوم بالروشنة , ليس بأحدث التسريحات أو ارتداء أرقي الموديلات حتي وإن كانت لا تناسب فتي الإسلام
ولكن بالتقوى , أَتْقَاكُمْ (إ ِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والتقوى هنا ليست مقصورة علي سن بعينه كبيراً أو صغيرا أو ذكر أو أنثى بعضكم من بعض
واعلم أن المرء بقلبه ولسانه، فإذا رزق الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام
واعلم أن وجود الأدب والحياء عندك لا يعني الضعف والخوف!
بل إذا صاحبت تلك الشجاعة الأدبية وتعودت عليها كانت صفة فيك فتقوى شخصيتك، ويتفتق ذهنك، وينضج عقلك
وهكذا كان أبناء السلف الصالح رضي الله عنهم
فعن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال يا غلام أتأذن أن أعطيه الأشياخ فقال ما كنت لأوثر بفضل منك أحدا يا رسول الله فأعطاه إياه) متفق عليه
فلم يعنفه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم, أو يزجره، ولا أحد من الحاضرين فعل شيئاً من ذلك
وربما فعل بعضنا ذلك فليفرق بين سوء الأدب والشجاعة الأدبية.
وهذا سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وابن عمته السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها
وأحد العشرة المبشرين بالجنة
وأحد الستة أهل الشورى
وأول من سل سيفه في سبيل الله
أسلم وهو حدث له ست عشرة سنة
وقال عروة: "أسلم الزبير ابن ثمان سنين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف؟!، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا زبير؟ فأخبره، وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك
إنه الفداء الحق, والولاء الحق, للرسول الحق صلى الله عليه وسلم
أخي الحبيب فتى الإسلام: إنك حين تقلب صفحات التاريخ, تاريخ سلفك الصالح وتقرأ السير , سوف تدهشك النماذج الرائعة من فتيان هذه الأمة الخالدة , الأمة التي تنتمي أنت إليها , الأمة التي تتشرف بها الآن وتتشرف بك مستقبلاً
فهذا سيدنا عمرو بن سلمة رضي الله عنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين أو ثمان!
فانظر حفظك الله, إلى هذا الطفل وهو يسأل رسول الله سيدنا صلى الله عليه وسلم عام الفتح ويتلقى القرآن والعلم ويحفظ ما تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يستقر في صدره إلى أن أسلم قومه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم أحفظهم، فكان الحافظ القارئ هو ذاك الطفل الصغير الذي صار إماما للناس بما جمع من القرآن فالقرآن يرفع الله به أقواماً ويضع به آخرين وكان سيدنا عمرو رضي الله عنه ممن رفعه الله تعالى بالقرآن
الله أكبر.. ما هذه الأعمار المباركة في هذا الجيل المبارك؟!
وإليك بطلاً آخر وإن شئت فقل فتى آخر، هاجر مع أهل بيته وأقاربه وله عشر سنين وحفظ القرآن ولزم الاشتغال من صغره في طلب العلم حتى صار إمام الحنابلة بجامع دمشق وكان عابداً زاهداً ورعاً ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمعوا كلامه إنه إمام الأئمة ومفتي الأمة يومها خصه الله بالعقل الوافر، فطنت بذكره الأمصار، وضنت بمثله العصور، وله مؤلفات غزيرة وقد صنف كتابه "المغني" في عشر مجلدات و"الكافي" في أربعة وغيرها من الكتب
أظنك عرفت هذا العالم البحر الذي حفظ القرآن وعمره عشر سنين ورحل وتحمل المشقة في طلب العلم فألبسه الله لباس النور والوقار وصار من أذكياء العالم بما ناله من بركة القرآن والعلم, إنه العلامة "ابن قدامة المقدسي" رحمه الله
أخي الفتى الحبيب: إن صفحات تاريخنا السلفي لا تحمل في طياتها سيرة الرجال فحسب، بل وفضليات النساء كذلك فهذه السيدة سلمى بنت محمد بن الجزري - أم الخير- شرعت في حفظ القرآن سنة 813 هجرياً وحفظت مقدمة التجويد ومقدمة النحو ثم حفظت الألفية وعرضت القرآن على والدها حفظاً بالقراءات العشر وأكملته قراءة صحيحة مجودة مشتملة على جميع وجوه القراءات
فانظر حفظك الله إلى تلك الأعمار المبكرة المباركة كيف صاروا علماء عصرهم وفقهاء أمصارهم؟! وقد كانوا فيما يرى الناس صغاراً.
أخي الفتى الحبيب
* لحظة من فضلك *
لعلك أدركت أن الكبير لا يكون كبيراً إذا تلطخ بالمعاصي والآثام ولذا فإن التزامك لا يكمل حتى تتخلق بأخلاق الحبيب سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وتقتدي به وتجعله مثلك الأعلى وقدوتك وقائدك ودليلك إلى مرضاة الله والجنة
وتحب آله بيته الأطهار وأصحابه الكرام الأبرار
وتذكر دوماً أمر ربك لك ببر الوالدين
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا)(الإسراء: 23)
وتذكر دوما أمر نبيك -صلى الله عليه وسلم-: ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
وإذا كان الشيطان قد يصور لكثير من الفتيان أن إثبات رجولتهم تكون بتقليد الكبار في الأمور التي يعصون الله فيها كالتدخين وتناول المخدرات والمسكرات، ومعاكسة الفتيات واقتناء الصور الساقطة وسماع الأغاني والموسيقى الهابطة, ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الساقطة والتي تثير الغرائز فيظن الفتى أنه لا يكون رجلاً إلا إذا شرب السيجارة واصطحب البنات وهاتفهم وراسلهم وعاكسهم وأستمع وشاهد وفعل كذا000 وكذا000
ويظن أنه قد صار رجلاً أو قل صار بطلاً , أوقع البنات في حبه، وفي الحقيقة هو يفقد رجولته كلما خاض في هذه المعاصي ويبعد عن معنى الرجولة الحقيقية ، بل ويصبح صغيراً حقيراً عند ربه وعند الناس، فالناس لا يحبون أخلاق من يشرب الدخان أو يصطحب البنات أو يفعل كذا000 وكذا000
أخي الحبيب00 فتى الإسلام:
كن ملتزماً بإسلامك 000 معتزاً بإيمانك 000 واعمل بالطاعة وأقبل على المطيعين لطاعتهم، واجتنب المعصية وابغض العصاة لمعصيتهم، واحذر رفقاء السوء فإنهم سبب كل ضياع وكن واحداً من هؤلاء الذين قال الله عنهم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً) الأحزاب 23
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور 36
أخي الفتى الحبيب:
من أنت؟ ما همك؟ ما هدفك؟ ما شعارك؟
ليكن همك أن تكون عند الله كبيرا
ليكن هدفك أن يرضى ربك عنك
ليكن إيمانك (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه) النحل 53
ليكن شعارك (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) طه 84
وأخيراً حبيبي سلام الله عليك ورحمته وبركاته