تدخل الأهل فى الزواج: نعمة أم نقمة؟ تبدأ الحياة بين الحبيبين وردية رومانسية. هى تعتقد أنه فارسها المنتظر، وهو يعتبرها سندريللا العصر الحديث. هى تراه قادما على فرسه الأبيض ليختطفها إلى عش الزوجية، وهو يراها أميرة من الأحلام جاءت لتحول حياته إلى نعيم دائم. ولكن رياح الحياة الزوجية تأتى أحيانا بما لا تشتهى السفن. تبدأ المشاكل، وبدلا من أن تنتهى نهاية عادية، يتدخل الأهل، لتنتهى المسألة بكارثة .
لا تخلو الحياة بين أى زوجين من مشاكل طبيعية. وفى العادة، يتغلب الزوجان على تلك المشاكل التى تنشأ بينهما نتيجة اختلاف التقاليد، والطبائع. لكن فى بعض الأحيان لا يتمتع الزوجان بالحكمة الكافية لحصر مشاكل حياتهما الزوجية داخل جدران شقتهما الخاصة. وأحيانا تكون الأمور بينهما قد وصلت إلى حد لم يستطع هو، ولا هى السكوت عنه. وهنا يتم اللجوء إلى الأهل.
هى تشتكى منه، وهو يشتكى منها. وأحيانا يكون الأهل من الحكماء، يتدخلون لفض الخلاف، وإنهاء المشكلة. ولكن، فى أحيان أخرى يصب الأهل الزيت على النار. أمها تحرضها على الطلاق، "خليه يطلقك وأنا أجوزك سيد سيده. إنتى ألف من يتمناكى". وعلى الجانب الآخر أمه تطلب منه أن يرميها "طلقها وأنا أجوزك ست ستها. ألف واحدة تتمنى تراب رجليك".
استطلعت بعض الآراء، واستمعت إلى (ن. ن)، التى تقول: "ضاعت أحلامى بداية من أول يوم من أيام الزوجية. كنت سعيدة جدا به فى فترة الخطوبة. وكنت أتمنى أن تستمر حياتنا على نفس الشكل الذى سارت عليه الأمور أثناء فترة الخطوبة. لم أكن أتخيل أن حبى له سينقلب كرها. ولكن للأسف تدخلات والدته المستمرة أدت إلى انهيار سريع فى علاقتنا. كان يمكن أن تنتهى خلافاتنا لولا أنه كان كما يقولون "ابن أمه". كانت والدته تتصرف معى كأننى عدوتها التى اختطفت ابنها من حضنها. وبدأت تتدخل فى تفاصيل حياتى. وتحول زوجى من رجل صارم، إلى مجرد ألعوبة فى يدها، تحركه على هواها. كانت لا تترك لى فرصة للاستمتاع بحياتى، تتدخل حتى فى شكل ملابسى، ولا تنام حتى تطمئن على نوع الطبيخ الذى أعددناه، وشكل الملابس التى لبسها، ووصل الأمر إلى حد أنها بدأت تتدخل بتعليقات سخيفة تمس الحياة الزوجية الخاصة بينى وبين زوجى. وعرفت أنه كان يحكى لها تفاصيل ما يحدث بيننا. فى البداية تحملت تلك التعليقات. ولكن الأمور زادت سوءا يوما بعد يوم. وحاولت أن أقنع زوجى بضرورة ألا يتدخل أى كائن فى حياتنا، لكنه لم يكن يستطيع أن يصمد أمام دموع والدته، فكان يقف دائما فى صفها، ويدافع عن مواقفها. وعندما يئست من الإصلاح قررت أن أطلب من أسرتى التدخل لوضع حد لهذا الأمر. وحاولوا إقناعى، لكننى كنت قد وصلت إلى اقتناع أن حاله لن ينصلح. وأن الموضوع لا بد أن ينتهى بيننا. والحمد لله أننى لم أنجب منه. وهكذا تم الطلاق بإصرار من جانبى".
قصة أخرى ترويها (ح. م) التى تقول: لقد كانت تجربتى قاسية جدا. كنت أريد أن أشعر مع زوجى بالحنان. وتخيلته رجلا ينقذنى من المعاناة التى عشتها فى بيت أهلى. عشت معه فترة خطوبة سنتان. ولكنه بعد الزواج بدأ يهملنى بشكل كبير. وبدأ يطلب منى أن نقضى معظم الوقت فى بيت أهله. وتقريبا تحولت حياتنا إلى إقامة دائمة فى بيتهم. وهناك تحولت إلى شبه خادمة. مطلوب منى أن أقوم بخدمة والده ووالدته وإخوته. وفى نفس الوقت أتحمل انتهاكهم لخصوصية حياتى الزوجية. أصبحت أشعر أننى لست زوجة له بقدر ما أنا خادمة فى بيت أهله. وطلبت منه أن نعود إلى شقتنا الخاصة، وأن نستقل بحياتنا، وأن أبتعد عن أسباب المشاكل، وعن التعليقات التى أسمعها، والنظرات التى تلاحقنى، وتتهمنى بالتقصير لو لم أقم بأداء الواجبات المنزلية بالشكل الذى يعجب والدته. وهى كانت تتدخل فى كل صغير وكبيرة، وأصبحت تراقب كل تصرفاتى و تحركاتى، ولم أكن أجد الوقت لأستمتع حتى بمشاهدة التليفزيون. وهكذا، نفذ صبرى، وقررت أن أضعه أمام اختيار بين أن نستقل بحياتنا الزوجية أو أن ننفصل عن بعضنا البعض. وكانت النتيجة أنه قرر أن ننفصل.
على الجانب الآخر، تبرز يحكى (أ.س) قصته بالقول إن حياته مع زوجته استمرت بتوفيق من الله لعدة أسباب. فقد اتفق هو وزوجته على عدم نقل أى مشاكل بينهم إلى بيت أهلها أو بيت أهله. "ومع أن الحياة الزوجية تنتابها منغصات من حين لآخر، إلا أننى استطعت أنا وزوجتى التغلب على تلك المشاكل. ونحن الآن متزوجان منذ سبع سنوات. لقد حدث فى بعض الأحيان أن واجهتنا مشاكل وخلافات وصلت إلى درجة أن زوجتى طلبت منى الطلاق. وفى أحيان أخرى تركت منزل الزوجية إلى بيت أبيها. ولكن الحمد لله فقد كان والدها حكيما، ووالدتها طيبة إلى درجة أنهما كانا يقنعانها بالعودة إلى منزل الزوجية، والعمل على حل خلافاتها معى بنفسها. وفى نفس الوقت كان والدها يعتبرنى بمثابة ابن له، وكان يتدخل بتهدئة الأمور، وتهدئتى، وإقناعى بأن دورى كزوج يحتم على أن أتحمل تصرفات زوجتى، وأن ابدى لها قدرا من التفاهم، حتى تسير الأمور بشكل طبيعى. والحمد لله أننا استطعنا أن نتغلب على معظم الصعوبات التى تواجهنا بفضل استمرار التفاهم من جانب الأهل. كما أن وجود الأطفال فى حياتنا كان أحد الأسباب التى جعلتنى وزوجتى حريصين على تجنيبهم أى آثار سلبية حتى لا ندمر حياتهم كما نشاهد فى بعض الحالات التى انفصل فيها الزوجان، وكانت النتيجة أن الأطفال هم الذين يتحملون، ويعانون من الآثار السلبية".
وتتفق (م.أ. ربة منزل) مع هذا الرأى، وتقول: "لا بد من التضحية فى الحياة الزوجية. ولا بد أن يحاول كل طرف تقبل الطرف الآخر بسلبياته ومحاسنه. والحياة لا تخلو من المتاعب فى كل الأحوال. ولكن الزوج والزوجة العاقلين هما اللذان يستطيعان التغلب على تلك المتاعب، ومواصلة الحياة. ولم يحدث والحمد لله أى تدخل فى حياتنا الزوجية سواء من جانب أهلى أو أهل زوجى. ونحن حريصان على أن لا تمتد مشاكلنا إلى خارج جدران منزلنا. وأعتقد أن أخلاق زوجى كانت السبب فى ذلك فقد أجبر أهلى بحبه لى على احترامه، ومعاملته أحسن معاملة. وهم دائما ما يشكرون فى أخلاقه، ويمتدحون خصاله، ويتمنون لى وله التوفيق بسبب حالة الحب والحنان التى يغمرنى بها زوجى".
وترى (أمنية.ط) أن: "الخاسر الأول عند تدخل الأهل هما الزوجان. اللذان يتولد لديهما شعور بالإحباط، ويضيع الحب. ولذلك لا بد من أن يراعى الأهل مشاعر الأبناء، وأن يساعداهما على تجاوز المشاكل التى تنشأ بينهما. وأن لا يكون تدخلهما انحيازا لطرف ضد طرف. فهذا الانحياز يخلق الكره، ويخلق مناخا لمزيد من المشاكل. ولذلك يجب على الأهل أن يتقبلوا الخلافات الأسرية - فى حدود المعقول- وأن يسعوا لإصلاح ذات البين بالكلمة الطيبة".
لا بد أن يدرك الأهل أن زواج ابنتهم أو زواج ابنهم لا يعنى أن دورهم فى الحياة قد انتهى. أو أن الزوجة قد انفردت بقلب وعقل زوجها أو العكس.
وبالتالى لا داعى للتدخل المتكرر فى حياة الأبناء، حتى لا تتولد المشاكل، ثم تتفاقم، حتى يحدث ابغض الحلال إلى الله. وعلى الزوجان أن يدركا أنهما هما المسئولان عن أى انهيارات تتعرض لها الحياة الأسرية. فكلمة حب صغيرة يمكن أن يكون لها مفعول السحر على الزوجة، ولمسة حنان من الزوجة يمكن أن تنسى الزوج كل مشاكله، وتحوله إلى حبيب مستعد للتضحية بحياته من أجل حبيبته. كما أن حديث الزوج عن زوجته باحترام أمام أهله، أو حديث الزوجة بحب عن زوجها أمام أهلها يؤدى إلى انتقال عدوى هذا الحب إلى الأهل. وهكذا يمكن بلمسات صغيرة، وقليل من الدبلوماسية كسب ود ورضا الأهل، وتحويلهم إلى مشجعين للزواج. و يحل الحب محل التصادم، ويعيش الزوجان فى سعادة وهناء.