معاني الرحمة والحب والإيثار والإحسان:
حمداً لله تعالى مشفوعاً بالتوحيد والتقديس0
حمداً لله الذي خَصّ نبيَّه محمّداً وأهلَ بيته عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم بالاجتباءِ والاصطفاء، والتطهيرِ والتكريم، وأمرَ بالصلاةِ عليه وعليهم كما أمرَ بالصلاةِ على إبراهيم وآلِ إبراهيم، وجعل معرفتَهم براءةً من النار، ومحبّتَهم جوازاً على الصراط، وولايتَهم أمْناً مِن العذابِ الأليم.
والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ النبيِّ الأُمّيِّ الذي هو على خُلُقٍ عظيم، وبالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
وعلى ذريّتهِ وأهل بيته وعترته , الذين بذِكْرهم تُستدفَعُ نوازلُ البلاء والضرر، ويُستعاذُ من سوء القضاء وشرّ القَدَر، ويُستنزل بهم في المُحول نَوافعُ المطر، ويُستقضى بهم على غلَبات اليأس وجوامعِ الوَطَر, جَمالُ ذي الأرضِ كانوا في الحياةِ , وهُم بـعـد المـمـاتِ جـمالُ الكُتْـبِ والـسِّيَـرِ
لقد دعم الإسلام هذه المعاني النظرية والمراسيم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية في النفوس من حب الخير للناس جميعا والترغيب في الإيثار ولو مع الحاجة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) ، والإحسان في كل شيء حتى في القتل (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195) , (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف:30) , (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ) (النحل:90).
وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلبا ، وتبتلع الجحيم امرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره من كثير من مثله في أحاديث النبي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حتى استغرب أصحابه وقالوا: وإن لنا في البهائم لأجرا يا رسول الله؟ قال: (نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري ، ولا شك أن هذه المشاعر هي التي تفيض على صاحبها أفضل معاني الإنسانية وتوجهه إلى تقدير قيمه الأخوة العالمية.
شيوع هذه الإنسانية عمليا في المجتمع الإسلامي:
وإن التاريخ ليحدثنا أن المجتمع الإسلامي سعد بتحقيق هذه المعاني في كل عصر من العصور التي ازدهرت فيها دعوة الإسلام وطبقها المؤمنون فيها تطبيقا صحيحا ، ففي عهد النبوة كان سلمان الفارسي إلى جانب صهيب الرومي إلى جوار بلال الحبشي ومعهم في نسق واحد أبو بكر القرشي تضمهم جميعا أخوة الإسلام (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103) ، ولم تعرف التعصبات الجنسية إلا يوم ضعف شعور المسلمين بسلطان التوجيه الإسلامي الصحيح واجتاحتهم شياطين التقليد فانحرفوا عن هذا الصراط المستقيم.
ولقد بشر زعماء العالم إبان محنتهم في الحروب الماضية بهذه الإنسانية العالمية وهتفوا بالعالم الواحد السعيد الذي تسوده الطمأنينة والعدالة والحرية والوئام .
فهل وصلوا إلى شيء من ذلك؟ .. أو حاولوا أن يصلوا إليه فيما قرروا من مؤتمرات وعقدوا من اجتماعات؟
هل استطاعت هيئة الأم المتحدة أن تسوي في الحقوق بين أبناء الوطن الواحد في أفريقيا الجنوبية ، أو أن تحمل الأمريكان على ترك التفاضل بالألوان؟
لا شيء من هذا ، ولن يكون إلا إذا تطهرت النفوس بماء الوحي العذب الطهور ، وسقيت من معين الإيمان ، وأخلصت للإسلام دين الأخوة والوحدة والإنسانية والسلام
(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ , وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)