هذه
الفكرة احيانا تأتي في ذهن البعض ، وربما في ذهن بعض الملتزمين ، تضعف
نفسه أمام شهوة ، فيقول : أعملها ، ثم أتوب من فوري ، وأعتذر إلى ربي لأني
ضعيف ، وربنا سيغفر لي فهو غفور رحيم ، وأنا أصلا لا اعمل كثيرًا من
الذنوب ......الخ !
في موقع الإسلام سؤال وجواب سُئلوا عن هذا الأمر ، فأجابوا إجابة رائعة :
السلام عليكم إذا قال شخص بأنه سيشرب الخمر ويزني ويفعل المحرمات ثم يتوب ، فهل يمكن أن تُقبل توبته ؟ جزاكم الله خيراً
الجواب
الحمد لله
أولاً :
لم يتنبه هذا القائل – هداه الله – أنه قد عصى الله تعالى بقوله هذا حتى ولو لم يفعل المعاصي التي صرَّح أنه سيفعلها .
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسَها ما لم تعمل أو تتكلم " . رواه البخاري ( 4968 ) ومسلم ( 127 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"فقد
أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ; ففرق بين حديث النفس وبين
الكلام ، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به ، والمراد حتى ينطق به
اللسان باتفاق العلماء" انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 7 / 133 ) .
ب. عن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ... إنما
الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً : فهو يتقي فيه ربَّه
ويصِل فيه رحِمه ويعلم لله فيه حقّاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه
الله علماً ولم يرزقه مالاً : فهو صادق النيَّة يقول : لو أن لي مالاً
لعملتُ بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبدٌ رزقه الله مالاً ولم
يرزقه علماً : فهو يخبط في ماله بغير علمٍ لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه
رحمه ولا يعلم لله فيه حقّاً : فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله
مالاً ولا علماً : فهو يقول لو أن لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان فهو بنيته
فوزرهما سواء " .
رواه الترمذي ( 2325 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ( 4228 ) .
ولم ينتبه هذا القائل –
أيضاً – أنه قد لا يتمكن من التوبة بسبب غلبة الشهوة عليه واستحلاله
للمعصية والمداومة عليها ، وقد لا يتمكن منها بسبب حلول أجله وقبض روحه ،
ثم ليستمع إلى قول الله عز وجل : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الأنعام/110
قال ابن القيم رحمه الله :
"
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفِقْهِ: أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أَنْ
تَخْذُلَهُ ذُنُوبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْخَاتِمَةِ الْحُسْنَى.
وَقَدْ
ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ لَمَّا
احْتُضِرَ جَعَلَ يُغْمَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَفِيقُ وَيَقْرَأُ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 110] .
فَمِنْ هَذَا خَافَ السَّلَفُ مِنَ الذُّنُوبِ، أَنْ تَكُونَ حِجَابًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَاتِمَةِ الْحُسْنَى
" . انتهى من "الجواب الكافي" لابن القيم (167) .
ثانياً :
وعلى هذا القائل أن يستغفر
ربه ويتوب إليه من قوله هذا ، ومن عزمه السيء على المعاصي ، وإصراره
عليها ؛ فقد أوجب الله سبحانه وتعالى التوبةَ على عباده فقال : {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [ التحريم / 8 ] .
وأخبر الله تعالى أنه يقبل التوبة من عباده ، وأنه يعفو عنهم ، بل يبدل سيئاتهم حسنات ، قال الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى / 25 ] ، وقال : {
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً } [ الفرقان / 70 ] .
والتوبة النصوح عند أهل العلم هي ما تحقق فيها الشوط التالية :
أ. الإخلاص في التوبة .
ب. الإقلاع عن ذنبه .
ت. الندم على ذنبه .
ث. العزم على عدم رجوعه إلى الذنب .
ج. التوبة في الوقت ، فلا يقبل الله التوبة عند الغرغرة قبل قبض الروح ، ولا بعد طلوع الشمس من مغربها .
ح. إرجاع الحقوق إلى أهلها إن كانت معصيته تتعلق بحقوق الآدميين .
ثالثاً :
ونبشِّر الأخ القائل لهذه
العبارة أنه إذا لم يفعل ما نواه وصرَّح به ، وترك ذلك خوفاً من الله
وتعظيماً لحرماته : فإن الله تعالى يكتب له حسنة في صحيفته ، بدلا من
السيئة التي كان قد هم بفعلها :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله : "
إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، فإن عملها
فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن
يعمل حسنةً فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها له بعشر
أمثالها إلى سبع مائة ضعف " .
رواه البخاري ( 7062 ) – واللفظ له - ومسلم ( 129 ) .
(منقول للأمانة)