تمثيل الانبياء والرسل
تثار بين الحين والآخر قضية تمثيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والرسل والأنبياء في السينما والدراما، وبخاصة عند حلول شهر رمضان، حيث
تعرض فيه بعض الأعمال الدينية، والموضوع شائك بلا شك، بما يمثله من حجر
عثرة متمثلا في موقف المشايخ والمجامع الفقهية، والتراث الفقهي المعاصر في
تناول المسألة تحريما وتشددا.
كان
أول قرار سياسي بمنع تمثيل شخصيات الأنبياء، في عهد الخلافة العثمانية،
وقصة ذلك: أن بعض النصارى أرادوا أن يمثلوا قصة يوسف عليه السلام في بعض
المدن السورية، فهاج المسلمون لذلك، وحاولوا منعهم بالقوة، ورُفع الأمر إلى
الآستانة، فصدرت إرادة السلطان عبد الحميد بمنع تمثيل تلك القصة وأمثالها.
[1][1
ويكاد
يكون هناك شبه اتفاق بين المجامع الفقهية العلمية على اختلاف توجهاتها،
الرسمية وغير الرسمية على منع ظهور الصحابة، وبخاصة العشرة المبشرين بالجنة
وآل بيت النبوة، فضلا عن التشدد في المنع في تمثيل شخصية الرسل والأنبياء
والملائكة بوجه عام.
وجهة نظر المانعين:
ولعل
خير من تبنى وأصل هذه الأدلة التي تمنع تمثيل شخصية الرسل والصحابة هو
بيان الأزهر الذي وقف به ضد فيلم (الرسالة) للمخرج الراحل مصطفى العقاد،
وبنى قراره بالمنع على هذه الأدلة:
أولًا: يعترف المسلمون جميعًا أن الرسول ـ صلى
الله عليه وسلم ـ أكمل البشر، وخير المَخلوقين، وصُورته المعنوية في أذهان
المسلمين صورة مُستمدة مِن إيمانهم وعقيدتهم، بأنه ـ صلوات الله عليه
وسلامه ـ على الذِّرْوة مِن الخُلق الكريم، ولا يتأتَّى تَمثيلُه في صورة
تنزل بمَكانته الرَّفيعة وبقُدسيته التي فَرَضَتْها الرسالة.
والصحابة
ـ رضوان الله عليهم ـ أثنى عليهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووَصَفهم
بالحميد مِن الصفات، وتمثيلهم نُزولٌ ـ أيضًا ـ بهم عن مَكانتهم الشريفة.
مَن هو ذلك المُمثل الذي يُمثل شخصية أبي بكر، وعثمان،
وعليّ وأبي عبيدة؟ ومَن هو المُمثِّل الذي يَستطيع أن يُمثل سيد الشهداء
حمْزةَ عمَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم؟ إنَّ كل تمثيلٍ لسيد الشهداء
نُزولٌ به عن مَكانته، فمَن يُدانيه حتى يُمثله..؟ هذا أمر.
والأمر
الثاني: هو أن المُمثِّلينَ يَرتبطون في أذهان المُشاهدين بعِدَّةِ مواقفَ
مَثَّلوها مِن قبلُ، بعضها عابث، وبعضها عريقٌ في الإجْرام، وبعضها يُساهم
في مواقف الغَرام بحظٍّ مَوْفور، فكيف نُبيح لأمثال هؤلاء الذين يرتبط
ماضيهم بهذه المَواقف التمثيلية أن يَقتحموا حِصْنَ القداسة؛ فيُمثلوا حمزة
أو يمثلوا أبا بكر؟
ثم
إن هؤلاء المُمثِّلينَ سيُمثِّلون في مُستقبل حياتهم أدوارًا أخرى، أدوار
المُهرِّبين أو اللصوص، أو العُشَّاق، أو المُهرِّجين، ولا يَسمح الأزهر
والصورة هكذا بأن يُمثَّل الصحابةُ على الشاشة. [1][2]
وقفات مع فتاوى المنع والتحريم:
إن
نظرة فاحصة على كل الفتاوى التي صدرت في الموضوع، نجدها فتاوى متأثرة بظرف
معين، ونظرة معينة للتمثيل، وبيئته، والقائمين عليه، وما تمثله هذه
الخلفية عند الناس من صورة معينة، ألقت بظلالها على فكر كل مفت أفتى في هذه
المسألة.