القلب الأبيض والقلب الأسود القلب الأبيض ............ والقلب الأسود
ما أروع الإنسان صاحب القلب الأبيض .. الذي لا يكره .... ولا يحقد.... ولا يحمل غلاً
ما أجمل الإنسان صاحب الابتسامة الدائمة .... التي تشرق فتزرع الحب في القلوب ...
إن الإنسان صاحب القلب الأبيض ... إنسان متسامح ... وطيب ... وصاحب نوايا سوية تخدمه ليكون
موفقاً للخير...
إن الكراهية والحقد لا يورثان صاحباهما إلا الهم والغم والنكد ... حتى يحترق الإنسان فلا يطرح إلا
المزيد من الكراهية .....(فالنار نأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ) !!
نعم يظل ذاك القلب الأبيض هو الأكثر تميزاً بين الجميع .... هو ذاك القلب الذي لا يحمل سوى حباً للجميع
دون استثناء ....الذي يبقى عالقاً في ذاكرتنا للأبد...وأينما حل فهو محل ترحيب حب و احترام لأنه
باختصار يحمل ذاك النقاء والصفاء داخل قلبه ....
عكس ذاك الأسود المليء بالحقد والكره ... القلب الذي يكره كل شيء حتى نفسه .... فهو يحقد
ليكره ويكره ليحقد...ويحترق كالحطب الذي تأكله النار وينتهي كالرماد فلا يسعنا سوى أن ننفثه
ليتطاير مودعاً عالمنا للأبد ...دون ذكرى تبقى عالقةً في الأذهان .... لأنه باختصار لا يستحق البقاء
مع أصحاب القلوب البيضاء ..
هل قلوبنا بيضاء ام سوداء؟
نسيان الإساءة ... هل هو دليل على سواد القلب ؟؟
يقولون إن الذي يعجز عن نسيان الإساءة ( قلبه أسود ) وأقول إن عدم النسيان هذا لا يشير دائماً إلى سواد القلب
فبعض الأشخاص يستطيعون رد الإساءة بمثلها في وقتها
وهؤلاء يأخذون حقهم بأيديهم قولاً أو فعلاً
وبعضهم يختزنها في أعماقه لفترة .... يتحين الفرص لكي يرد الإساءة بمثلها
فإذا ما تهيأت له الفرص المناسبة رد الإساءة بمثلها وربما بأكبر منها
والبعض الثالث يتغاضى عن الإساءة و يتناساها متعمداً ، يلقي كل شيء وراء ظهره وينظر إلى الأمام دائماً ،
واثقاً من أن ( التطنيش ) نعمة من الله عز وجل
تريح القلب والأعصاب والنفس عموماً...
أما النوع الأخير فهو كذالك النوع الذي تجرحه الإساءة ، تؤلم مشاعره ،
وتكسر قلبه لكنه لا يرد وقتها ولا يرد بعدها ، كما أنه لا يستطيع تجاهل
آثارها المطبوعة في قلبه
أبد الدهر فالألم يحفر خطوطه في أعماق نفسه ، والإساءة ظل على مدى السنين
والأيام ماثلة أمام عينه ، مستيقظة في عقله وقلبه ، ولكنه لا يقوى على الدعاء
على من أساء أليه ، ولا يشمت به في أثناء تعرضه لأي بلاء ، كما أنه يترفع
عن إلحاق الضرر به لو تهيأت له الفرصة ومع ذلك فهو ينسى ...
لا يستطيع أن يجرد نفسه من مشاعر الأسى والألم والغضب في مواجهة من أساء إليه
يشعر بأنه لا ينتصر لنفسه التي تعرضت للإساءة ظلماً
لذا فهو يعجز عن بذل مشاعر الود أوالحب لمن أساء إليه ....
هذه الحالة لا تعبر عن قلب أسود البتة .. بل أعتقد أن صاحبها على حق ..
ومن الخطأ أن نلون قلبه بالسواد رغماً عنه ، فالشعور بالظلم يولد الشعور بالقهر والقهر قد يدفع الإنسان
إلى القيام بأي عمل غير محمود ، فإذا تمكن الإنسان ...
أي إنسان من مقاومة القيام بذلك العمل غير المحمود فلا اقل من أن يظل شعورة بالظلم
يملأ نفسه رغماً عنه ، فهل نلومه عن ردة فعله التي تعجز فقط عن النسيان لا أكثر
..!!
بالرغم من كل ذلك .. يظل هناك موقف قد تجاوز بعظمته كل المواقف في مواجهة الإساءات ، وهو موقف
التعامل مع الله عز وجل في كل الأمور وجعلها خالصه لوجهه الكريم
مما يعني تلمس الأجر الذي خصصه لمن عفا أو أصلح ، حيث نستطيع بتخيل حجم ذلك الأجر وأبعاده ، أن
ننسى كل الإساءات وأن نسقطها من نفوسنا عامدين متعمدين ،
طمعاً في ثواب أكبر وعفو لا ينقطع بإذن الله
ولنتذكر فمن عفا وأصلح فأجره على الله
الآن وبعد إن قرأتم هذه المقالة للدكتورة ابتسام حلواني
ترى من أي الأنواع أنت ؟
وهل منا من يقدر على نسيان الإساءة ؟
حوار بين القلب الأبيض والقلب الأسود
القلب الأسود : إلى متى أيها المغفل وأنت مغفل وأحمق ؟ .. وإلى متى وأنت
لا تسكن غير أجساد الضعفاء ؟ .. إلى متى وأنت تأتيك السهام بالأذى من
الناس من كل جانب ولا تقابل المثل بالمثل ؟ .. إلى متى تبقى هكذا مثل ريشة
في مهب الريح تخاف اقتحام التجارب بحجة أن ذلك مخالف لتعاليم الدين ؟
القلب الأبيض : مهلاً أخي هداك الله .. لماذا كل هذا الهجوم الشرس علي ؟
.. ولماذا كل هذه الأقوال التي تنبئ عن أشياء في أعماقك تجاهي وتجاه من
أسكنهم ؟ .. فإن كان لديك استعداد للحديث معي , والاستماع لدفاعي فأنا
مستعد .. ولكن بشرط .
القلب الأسود : وأنا أيضاً لي شرط .. سأبدأ به قبلك .. وهو أنه ليس معنى
قبولي للحديث معك , وقبول شرطك هو تنازلي عما أنا عليه , فأنا القوي أبداً
, لأنني سكنت أجساد الذين لا يضيع لهم حق ولو كان صغيراً , فإنهم يأخذونه
أضعاف .. أضعاف , أنا أقوى منك ...
القلب الأبيض : أسأل الله أن يلهمك الرشد والصواب , وشرطي الذي اشترطه
عليك هو أنني سأحدثك عن قول الله تعالى في وفيك , لترى أن كلام الله تعالى
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وصفني ع** ما وصفتني به ,
وكذلك كلام نبيه صلى الله عليه وسلم خير شاهد بأنني لست كما تقول , فهل
تقبل بذلك حكماً بيني وبينك ؟
وإن كنت أقوى مني في تعاملك مع الناس , فأنا أثبت منك في حياتهم .
القلب الأسود : كلام الله للعبادة .. نصلي به , نتلوه لننال الحسنات , أما
الحياة الاجتماعية فهي متطورة بتطور الحضارات , ومتقدمة بتقدم الأمم ,
وأنا وأنت علينا أن لا نقف عن السير مع التقدم , والرقي , والأخذ بكل ما
هو جميل وجديد أياً كـان .
القلب الأبيض : أي حياة تلك التي تراها بعيدة عن كلام الله ؟ .. وأي تقدم
وحضارة تتكلم عنها ؟ .. أهي تلك الحضارات التي تجعل الجار يسفك دم جاره ,
ويغتصب ماله وعرضه , ويشرده وأبناءه ؟ .. كل ذلك يحدث بمرأى من أهل القلوب
السوداء .. ومع ذلك يضحكون لمن فعل , ويصفقون .. هل هذه الحياة هي منبع
سعادتك ؟ .. هل عذاب الآخرين هو سبب ابتسامتك ؟
القلب الأسود : لا تكن أحمق .. فمن يفعل ذلك فعله بقوته .. قوة جسده ,
وقوة عقله .. وطالما أنه يحصل على ما يريد ليحقق لنفسه السعادة فهو حُـرّ
.. والغاية تبرر الوسيلة .
القلب الأبيض : أي حرية تتكلم عنها في حياة لا يعرف أفرادها الرحمة ؟ ..
وأي سعادة تذكرها عند من لا يعرف معنى الأخوة وحقها ؟ .. وهم الذين قال
الله تعالى عنهم : " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في
الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " المائدة 49. فأين القوة والسعادة
.. لمن قال الله تعالى عنهم أن عدم طهارة قلوبهم سبب في شقائهم في الدنيا
, وعذابهم في الآخرة ؟
القلب الأسود : لكن الحياة تفرض على من يعيش فيها أنه لابد من أن يتعامل
مع الألفاظ بما يفرضه الواقع بين الناس , لا ما تفرضه الحقيقة , فالحقيقة
تقول : تواضعوا .. لكن واقع من يريد تحقيق شهواته يعتبر ضعيفاً ..
والحقيقة تقول : فليساعد القوي الضعيف .. لكن النفس ترد من الأعماق كيف
تعطي إنساناً مالك الذي تعبت في الحصول عليه .. الحقيقة تقول : المجتمع يد
واحدة .. لكن أعماق النفس تقول : أنت أولاً وأخيراً .. فبالله عليك .. كيف
أترك ما في أعماقي .. وما هو مزروع في ذاتي .. ويجري مع دمي .. لنصائح
وكلمات ينطق بها الضعفاء أمثالك ؟
القلب الأبيض : سأسألك سؤالاً .. ولأنك ذكي .. كما تقول أرجو أن تجيب عليه بسرعة ..
القلب الأسود : سل , وأنا مستعد
القلب الأبيض : لو وقعت في مشكلة ما .. ولم تجد لها حلاً , من الذي سيقف
معك في حلها ؟ .. هل هم أمثالك .. الذين يتعاملون بما تمليه عليهم شهوات
أنفسهم ؟ .. أم أولئك الذين يخالفون هوى النفس , ويتبعون ما تقوله لهم
الحقائق , وتأمرهم به آيات الكتاب الكريم – الذي شط بك الضلال والشرك حتى
قلت عنه أنه للعبادة فقط – وما أمرهم به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ؟
.. أجـــــب ..
القلب الأسود : يطرق برأسه صامتـــاً ..
القلب الأبيض : ألم تقرأ في التاريخ .. كيف كانت صورة الحياة رائعة .. تلك
التي عاشها سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أصحاب الرسول صلى الله
عليه وسلم .. أليس هم الذين قال الله تعالى عنهم : " والذين جاءوا من
بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان , ربنا ولا
تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا , ربنا إنك رءوف رحيم " الحشر10
القلب الأسود : يزيد في إطراق رأسه .. وما زال صامتــاً .
القلب الأبيض : ألا ترى أنك لو وقعت في مشكلة لن تجد من يمد لك يده إلا
الذين يحققون مبدأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه خادمه أنس بن
مالك رضي الله عنه , أنه قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه ) . رواه البخاري ومسلم .
هل يستطيع أحد في العالم كله زرع السعادة في القلوب , أو رسم الابتسامة
على الشفاه إلا إذا حقق هذا المبدأ .. سواء أعترف به , أم لم يعترف ؟
القلب الأسود : مازال مطرقاً رأسه .. صــامتـاً .. لا يتكلم .
القلب الأبيض: : ألا تعلم أن الصفات التي اعتبرتها ضعفاً هي جواز المرور إلى جنات الخلود