صلة الأرحام حقوق وواجبات الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
مقدمة:
- يُجمِل الخطيب فيها أهمية
طرح هذا الموضوع لا سيما في زمان غلبت فيه النظرة المادية عند التعامل مع أرحام
الإنسان، مما ينذر بخطر شديد؛ فإن ذلك من علامات فساد الأرض والناس، قال الله
-تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:22-23).
عناصر الخطبة:
1- معنى الرحم:
- تعريف
الرحم: هم قرابة الإنسان من أمه
وأبيه، وهذا على المعنى العام سواء نزلوا أو علوا (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ) (الأحزاب:6).
- أولوا الأرحام
درجات: قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ
-ثَلاَثًا- إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ
بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ) (رواه
أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-
للرجل الذي سأله: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ:
(أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ
ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) (رواه
مسلم).
2- وجوب صلة الأرحام:
- أمر الله
-تعالى- بصلة الرحم في مواضع كثيرة من القرآن، منها: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) (النساء:36)، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)
(النحل:90)، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1).
- تعظيم شأن
الرحم يدل على فضل الصلة ووجوبها؛ قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (قَالَ اللَّهُ أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ
الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ
قَطَعَهَا بَتَتُّهُ) (رواه
أبو داود، وصححه الألباني)، وفي رواية: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي
وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ) (رواه
مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-
حين قدم المدينة وخطب في الناس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ
أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ وَصَلُّوا
بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ)
(رواه
الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
- إقامة أمر
الله -تعالى- وطاعته بوصلها، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ . وَالَّذِينَ صَبَرُوا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:21-22).
- سبب دخول
الجنة؛ عن أبي أيوب -رضي الله عنه-
أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَعْبُدُ اللَّهَ
وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ
الرَّحِمَ) (رواه
البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له).
- علامة على
الإيمان، قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) (رواه
البخاري).
- بر الوالدين
بعد موتهما كذلك، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ
الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
(رواه
مسلم).
- ثوابها
معجل، قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ أَعْجَلَ
ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْي
وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) (رواه
البيهقي، وصححه الألباني).
- تقي نوائب
الدهر، قالت خديجة -رضي الله عنها-
للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،
وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ
الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى
نَوَائِبِ الْحَقِّ" (متفق
عليه).
- سبب في زيادة
الرزق وبركة العمر، قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ
يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (متفق
عليه).
4- حقوق الرحم:
- زيارتهم وتفقد
أموالهم وإنزالهم منازلهم، وعيادة مريضهم، وغير ذلك من وجوه البر لهم؛ قال الله
-تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ... )
(البقرة:215)، وقال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ
صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ)
(رواه
أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
- صورة مشرفة:
عن
أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ
بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ
بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ:
فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ
-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي
إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا
عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ:
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (بَخْ،
ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي
أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ). فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ:
أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي
عَمِّهِ (متفق
عليه).
- كثرة وصال
الأرحام رفعة لمنزلتك بخلاف ما يعتقده كثير من الناس، قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ
رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ
رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ...
) (رواه
أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ
الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) (رواه
البخاري).
- نصحهم ودعوتهم
إلى الله -تعالى- فهم أولى الناس بذلك؛ قال الله -تعالى- لسيد الدعاة: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214).
- الصبر على
أذاهم، قال رجل للنبي -صلى الله عليه
وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي،
وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ
عَلَيَّ. فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ
فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ
عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) (رواه
مسلم).
5- الترهيب من قطع الرحم:
- قطع الرحم سبب
في قطع الله العبد، ففي الصحيحين عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ
قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ:
نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ
قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكَ لَكِ) (متفق
عليه).
- قطع الرحم من
أسباب الطرد من رحمة الله -تعالى-، فقد ذكر النبي -صلى الله عليه
وسلم- الحديث السابق ثم قال: (اقْرَءُوا -إِنْ شِئْتُمْ-:
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى
أَبْصَارَهُمْ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا).
- قطع الرحم سبب
الحرمان من الجنة، قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ)
(متفق
عليه).
نسأل الله العفو والعافية.