أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين و الآخرين وقيوم السماوات والأرضيين الذي لا عز ولا غنى إلا في الافتقار إليه .أشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله عليه وعلى أله وصحابته الكرام الطيبين الطاهرين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ."
أما بعد : (فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
وبعد...
أيُّها الساعي لكُحْل المُقَلِ
***
غافلاً عمَّا به من كَحَلِ
اسْمعْ وعِ لا تَغْفلنْ
***
وسَببًا لا تُهْمِلَنْ
وأخْلِصْ اتْبَع تَنْجُون
***
مَع الدَّليل تَجْرِيَنْ
واثْبُت ودفعًا للثَّمن
***
ميِّز برفقٍ أَجِبنْ
وحقِ ذي حقٍ أَعْطِين
***
وفاضلَ الأَمر اقْصِدنْ
وخَيْر خَيْرين اتَّبَعن
***
وشَر شَرَّين ادْفَعَنْ
وكنْ ذكيًا واتَّزِن
***
بِكثْرةٍ لا تَعْجبنْ
وبعد هذا البحر فاقْصدْ
***
وقناةً خَلِيِنْ
أما بعد
فهذا بيانُ إختلاف الحد/الجزاء لإختلاف الجريمة /العمل من كلام شيخنا الإمام بن القيم رحمه الله و طيب ثراه
قال الإمام بن القيم رحمه الله وطيب ثراه
قال الإمام ابن القيم رحمه الله وطيب ثراه
الجزاء من جنس العمل:
وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضررا وأشدها فسادا للعالم وهي الكفر الأصلي والطاريء والقتل وزني المحصن
وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث وهذه هي الثلاث التي أجاب عنها النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له: "يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل الله ندا وهو خلقك قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بجليلة جارك" فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُون} الآية.
اختلاف الحد لإختلاف الجريمة:
ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطعا لطرف
ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد
ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدة من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها
ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة جعلت عقوبتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور بحسب المصلحة في كل زمان ومكان وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع واختلفت عليه أقوال الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين وكثير من النصوص ورأى عمر قد زاد في حد الخمر على أربعين والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين وعزر بأمور لم يعزر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأنفذ على الناس أشياء عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيظن ذلك تعارضا وتناقضا وإنما أتى من قصور علمه وفهمه وبالله التوفيق. (راجع أعلام الموقعين 2/ 128)
وقال رحمه الله وطيب ثراه
فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته: أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال، كالقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزَّجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الرَّدع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الرَّدع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس،
وإنما شَرَعَ لهم في ذلك ما هو مُوجَبُ أسمائه وصفاته؛ من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعَدْله، لتزولَ النوائبُ، وتنقطعَ الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنعَ كلُّ إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه.
ومعلوم أن لهذه الجنايات الأربع مراتب متباينة في القلة والكثرة، ودرجاتٍ متفاوتة في شدة الضرر وخفته، كتفاوت سائر المعاصي في الكبر والصغر وما بين ذلك.
ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا يصلُح إلحاقها في العقوبة بعقوبة مرتكب الفاحشة، ولا الخَدْشة بالعود بالضربة بالسيف، ولا الشتم الخفيف بالقذف بالزنا والقَدْح في الأنساب، ولا سرقة اللقمة والفَلْس بسرقة المال الخطير العظيم.
فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بُدٌّ من تفاوت مراتب العقوبات،
وكان من المعلوم أن الناس لو وُكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقَدْراً لذهبت بهم الآراءُ كُلَّ مذهب، وتشعبت بهم الطرقُ كلَّ مَشْعَب، ولعَظُمَ الاختلاف واشتد الخَطبُ، فكفاهم أرحمُ الراحمين وأحكم الحاكمين مُؤنة ذلك، وأزال عنهم كُلفَتَه، وتولى بحكمته وعلمه ورحمته تقديره نوعاً وقدراً، ورتَّبَ على كل جناية ما يناسبها من العقوبة ويليق بها من النَّكال، ثم بلغ من سَعَة رحمته وجوده أن جعل تلك العقوبات كفاراتٍ لأهلها وطُهرةً تزيل عنهم المؤاخذة بالجنايات إذا قَدِمُوا عليه، ولا سيما إذا كان منهم بعدها التوبة النَّصُوح والإنابة، فرحمهم بهذه العقوبات أنواعاً من الرحمة في الدنيا والآخرة، وجعل هذه العقوبات دائرة على
ستــــــة أصـــــــول:
قَتْل،
وقَطْع،
وجَلْد، ونفي،
وتغريم مال،
وتعزير.
فأما القتل فجعله عقوبة أعظم الجنايات، كالجناية على الأنفس، فكانت عقوبته من جنسه، وكالجناية على الدٍّين بالطعن فيه والارتداد عنه، وهذه الجناية أولى بالقتل وكف عدوان الجاني عليه من كل عقوبة، إذ بقاؤه بين أظْهُرِ عباده مَفسدةٌ لهم، ولا خير يُرجى في بقائه ولا مصلحة، فإذا حُبِسَ شره وأُمسك لسانُه وكُفَّ أذاه والتزم الذل والصَّغار وجرَيَان أحكام الله ورسوله عليه وأداء الجزية لم يكن في بقائه بين أظْهُرِ المسلمين ضرر عليهم، والدنيا بلاغ ومتاع إلى حين.
وجَعَلَهُ أيضاً عقوبة الجناية على الفروج المحرمة لما فيها من المفاسد العظيمة واختلاط الأنساب والفساد العام
.
وأما القَطْع فجعله عقوبة مِثله عَدْلاً وعقوبةَ السارق، فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته بالجَلْد، ولم تبلغ جنايته حَدَّ العقوبة بالقتل، فكان أليقُ العقوبات به إبَانَةَ العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذِ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشدَّ من ضرر السارق وعدوانه أعظم ضَمَّ إلى قطع يده قطع رجله، ليَكُفَّ عدوانَه وشرَّ يده التي بطش بها ورجله التي سعى بها، وشَرَعَ أن يكون ذلك من خلاف لئلا يُفَوِّتَ عليه منفعة الشِّق بكماله، فكَفَّ ضرره وعدوانه ورَحِمه بأن أبقى له يداً من شِق ورجلاً من شِق.
وأما الجَلْد فجعله عقوبة الجناية على الأعراض وعلى العقول وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغاً يُوجبُ القتل ولا إبانَةَ طَرَفٍ، إلا الجناية على الأبضاع فإن مفسدتها قد انتهضت سبباً لأشنع القتلات، ولكن عارَضَها في البكر شِدَّةُ الداعـي وعدم المُعَـوِّضِ، فانتهـضَ ذلك المعارضُ سـبباً لإسقاط القتل ...