فسير آل عمران ( 2 )
23 – (أَلَمْ تَرَ ) معناه ألم ينته علمك (إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ
نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) أي أعطوا حظّاً من الكتب السماوية وهي التوراة
(يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) في أمر الزاني .
روي عن ابن عبّاس أنّ رجلاً وامرأة من يهود خيبر زنيا وكانا ذوي شرف فيهم
وكان حكمهما في التوراة القتل ، فكره اليهود قتلهما ورجَوا أن يكون عند
رسول الله رخصة في أمرهما ، فرفعوا أمرهما إلى رسول الله فحكم عليهما
بالرجم ، فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو : جرتَ عليهما يا محمّد ،
ليس عليهما حكم القتل ، فقال رسول الله بيني وبينكم التوراة ، قالوا قد
أنصفتنا ، فلمّا جاؤوا بالتوراة وقرؤوا فيها حكم الزاني كان القتل ، فأمر
رسول الله باليهوديّين فرجما ، فغضب اليهود لذلك . فأنزل الله تعالى هذه
الآية . وقوله (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ) عن الداعي (وَهُم
مُّعْرِضُونَ) عن اتّباع الحقّ . أمّا قوله تعالى في سورة النور
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ
جَلْدَةٍ} فهذا حكم الأعزب الذي ليس له زوجة .
24– (ذَلِكَ ) معناه شأنهم ذلك (بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا
النَّارُ) يوم القيامة (إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) وهي سبعة أيام
التي عبدوا فيها العجل (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ
يَفْتَرُونَ) أي غرّهم افتراء علمائهم عليهم بأن يقولوا لهم أنتم شعب الله
المختار ، وأنتم أبناء الله وأحبّاؤه ، وجميع الشعوب عبيد لكم ، فغرّتهم
هذه الكلمات فكفروا وتكبّروا على أنبياء الله وجحدوا آياته .
25 – (فَكَيْفَ ) يكون حالهم (إِذَا جَمَعْنَاهُمْ) وحشرناهم (لِيَوْمٍ) أي
لجزاء يوم (لاَّ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ فيه لمن نظر الأدلّة
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ) أي واستوفت كلّ نفس جزاء عملها
الذي كسبته يداها في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)
فلا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد في سيّئات أحد إلاّ بحق ّ .
27 – (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ) أي تدخل الليل في النهار
(وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) وذلك بواسطة دوران الأرض حول نفسها
فيكون في جهة منها ليل وفي الجهة الأخرى نهار (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ ) يعني تخرج الأحياء من الجمادات ، وذلك كالنبات من الأرض ،
فالنبات حيّ والأرض ميّتة ، وذلك قوله تعالى في سورة ياسين {وَآيَةٌ
لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا
حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} ، والفرخ من البيضة ، فالفرخ حيّ وقشر البيضة
لا حياة فيه ، وآدم من تراب : فآدم حيّ والتراب لا حياة فيه ، وما أشبه
ذلك (وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ) يعني تخرج الجماد من مخلوق حيّ
وذلك كاللؤلؤ من الحيوان الصدفي , والعسل من النحل ، والقز من دودة القز ،
والمسك من الغزال ، والعاج من الفيل ، والصوف من الغنم ، والشعر من المعز
، والوبر من الإبل ، والصدف من حيوان مائي إلى غير ذلك مِمّا يستفاد به
الإنسان (وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي بغير تقتير .
منقول من كتاب
المتشابه من القران للمرحوم محمد علي حسن