السماوات _1_ السماوات الغازية
السماوات
قلنا فيما سبق أنّ كلّ لفظة (سماء) تأتي في القرآن على الإفراد يريد بِها
الفضاء ، وأقول إنّ الفضاء ليس فارغاً من شيء بل فيه طبقات غازيّة وأثيريّة
وأجرام مادّية ، فكلّ لفظة (سماوات) تأتي في القرآن على الجمع يريد بِها
إحدى هذه الثلاث ، وسنشرح كلاً منها عل التفصيل بعون الله تعالى .
السماوات الغازيّة
http://science.nasa.gov/headlines/im...00/Layers.jpeg
إعلم أنّ الأرض كانت شَمساً في بدء تكوينها وهي جرم ملتهب تنبعث منها
غازات تملأ فضاءها ، ولَمّا انتهت حياتها برد وجهُها فاستحالت أرضاً ، ثمّ
انفجرت فصارت تسع قطع وأخذت تدور حول شمسٍ جديدة. وليس المراد هما البحث عن
الأرض بل البحث عن السماوات الغازيّة وسنشرح فيما بعد عن تكوين الأرض على
التفصيل ، فإذا عرفتَ أنّ الأرضَ كانت ملتهبة علمتَ أنّ كلّ جرمٍ ملتهب
يخرج منه سنان ودخان أي غازات ، ولا تزال الغازات تنبعث من الأرض حتّى
يومِنا هذا وأكثر خروجِها يكونُ من البراكين وآبار النفط ، وتخرج أيضاً من
الينابيع مع المياه المعدنيّة ، وإليك ما جاء في بعض الصحف عن الغازات :
" الغاز الطبيعي : يُقدَّر الغاز المنبعث من مدينة (فندلي) بولاية
(أوهايو) من أمريكا في كلّ بوم ستّون مليون من الأقدام المكعّبة ، ومن
غيرها من المدن المجاورة أربعون مليون ، وأكثر هذا الغاز يستخدم في الأعمال
النافعة بدل الوقود ، وحالَما شاع أمر الغاز الطبيعي أخذ الناس يتفلسفون
في أصله وما يؤول إليه استخراجه من الأرض ، فقال بعضهم : إنّ الأرض مجوّفة
وجوفها مملوء بِهذا الغاز وهو علّة تعليقها في الجو، فاستخراجه منها شديد
الخطر لأنّها إذا فرغت منه تصدّعت وتحطّمت ووقعت من مكانِها في السماء ."
انتهى .
[ المعلّق –
الإنتاج العالمي الكلّي للغاز الطبيعي :
"بلغ الإنتاج العالمي الكلّي سنة 2000 ( 3 ,2422) بليون متر مكعّب . وبلغ
نمو الإنتاج 4.3% بزيادة ملموسة عن المعدّلات السنوية للسنوات 1990-2000 "
http://r0.unctad.org/infocomm/anglai...htm#production
وظلّ الإنتاج العالمي الكلّي ينمو بزيادةٍ مضطردة سنةً بعد أخرى ؛ ففي سنة 2006 بلغ 2779.8 بليون متر مكعّب ."
http://www.bp.com/liveassets/bp_inte...ction_2007.pdf
"ويتوقّع أن يزداد الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي في السنوات القادمة
نتيجة الاستكشافات الجديدة والمشاريع التوسعية توقعاً للحاجات المستقبلية
المتنامية ."
" ويتوقّع ازدياد استهلاك الغاز الطبيعي في عموم العالم من 100 تريليون قدم مكعب في 2004 إلى 163 تريليون قدم مكعب في 2030 ."
http://www.eia.doe.gov/oiaf/ieo/nat_gas.html
انتهى ]
فالسماوات الغازيّة منشؤها من الأرض وهي تملأ فضاءها وكذلك الكواكب
السيّارة كلٌّ منها له سبع طبقات غازيّة ، قال الله تعالى في سورة الطلاق
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} والمعنى : الله الذي خلق سبع طبقات
أثيريّة في قديم الزمان ثمّ خلق الأرض وخلق من الأرض سبع طبقات غازيّة .
والطبقات الغازيّة هي الزرقة التي نراها في السماء ، وأمّا الطبقات
الأثيريّة فلا نراها لأنّ الأثير لا تراه المخلوقات المادّية ولكن تراه
المخلوقات الروحانية .
فمنشأ السماوات الغازيّة من الأرض وذلك لَمّا كانت شمساً ملتهبة وكان خروج
الغازات منها على هيئة دخان إلاّ أنّه خليط من سبعة غازات ، ومن المعلوم
أنّ الغازات منها الثقيل والخفيف فأخذت تنفصل بعضها عن البعض ، لأنّ الثقيل
ينزل إلى أسفل والخفيف يرتفع إلى أعلى فصارت سبع طبقات ، فالطبقة الأولى
هي غاز الأوزون وتبعد عنّا بمسافة 25 ميلاً [راجع كتاب (الكيمياء من خلال
أنبوبة اختبار) تأليف هارن ، الفصل الثالث صحيفة 30 ] ثمّ تليها طبقات من
غازات أخرى كثاني أوكسيد الكبريت والهيدروجين والهليوم وغير ذلك من الغازات
الخفيفة ، وهذا على التقدير ولا يمكننا معرفة تلك الغازات على الصحة حيث
أنّنا على الأرض والغازات في السماء .
والدليل على أنّ السماء غازيّة قوله تعالى في سورة السجدة أو فصلت {ثُمَّ
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ
اِئْتِيَا طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء
أَمْرَهَا إلخ } فقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} يعني سماء
الأرض {وَهِيَ دُخَانٌ} يعني الدخان الذي خرج من الأرض وهو خليطٌ من سبعة
غازات {فَقَالَ لَهَا} أي للسماء {وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا} إلى قوّة
الجاذبية {طَوْعًا أَوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
فَقَضَاهُنَّ} أي فصلهنّ وجعلهنّ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} يعني فصل ذلك الدخان
وجزّأه حتّى صار منه سبع طبقات {فِي يَوْمَيْنِ} أي في مدّة ألفَي سنة من
سنيّ الدنيا ؛ لأنّ اليوم الواحد من أيّام الآخرة مقابل ألف سنة من سنيِّنا
كقوله تعالى في سورة الحج {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ
مِّمَّا تَعُدُّونَ}.
وقال تعالى في سورة البقرة {هُو الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
وَهُو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي سوّاهنّ سبع طبقات غازيّة بعد أن كانت
طبقة واحدة من دخان .
فالسماوات الغازيّة يأتي ذكرها في القرآن على ثلاثة أنواع :
1. فتارةً يأتي ذكرها مع الأرض إلاّ أنّه لا يجمع بينهما واو عطف بل كلمة
أخرى تفصل بينهما كقوله تعالى في سورة مريم {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}
فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة لأنّه فصل بين كلمة "السماوات"
وبين كلمة "الأرض" بثلاث كلمات وهي قوله {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ}
ثمّ ذكر الأرض ، وقال أيضاً في سورة لقمان {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ
عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ
..إلخ } فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة لأنّه فصل بين ذكر
"السماوات" وذِكر "الأرض" بخمس كلمات وهنّ قوله {بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي} ثمّ ذكرَ "الأرض" . وقال تعالى في سورة لقمان
أيضاً {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً ..إلخ} فإنّه تعالى فصل بيت ذكر "السماوات" وذِكر "الأرض"
بكلمتين وهما قوله {وَمَا فِي} .
2. وأمّا القسم الثاني فإنّه يأتي ذكرها بعد ذكر الأرض ، كقوله تعالى في
سورة طـه {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} ،
فالسماوات يريد بِها الطبقات الغازيّة حيث جاء ذكرها بعد ذكر "الأرض" ،
وقال تعالى في سورة فاطر{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ
لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ .. إلخ} فالسماوات هنا يريد بِها الطبقات
الغازيّة لأنّه جاء ذكرها بعد ذكر "الأرض" ، وقال تعالى في سورة الزمر
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فهكذا كلّ ذكرٍ للسماوات في القرآن يأتي
بعد ذكر الأرض فإنّه تعالى يريد به الطبقات الغازيّة .
3. وأمّا القسم الثالث فإنّه يأتي ذكرها وحدها بلا ذكرٍ للأرض معها ،
ومثال ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ
سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} فالطرائق يريد
بِها الطبقات الغازيّة ومن سكنَها وهم الجنّ . وعلى هذا النهج يأتي ذكر
السماوات الغازيّة في القرآن . هذا إذا كان على الجمع بلفظة "سماوات" ،
وأمّا إذا جاء ذكرها على الإفراد بلفظة "سماء" فإنّه تعالى يريد بِها
الطبقات الغازيّة أو الفضاء سواءً أكانت مقرونة بذكر الأرض أو غير مقرونة ،
ولا فرق أيضاً أن يأتي ذكر "السماء" قبل ذكر "الأرض" أو بعدها ، ففي
الحالتين يريد بِها الطبقات الغازيّة ولكن بشرط أن يكون على الإفراد ،
ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ..إلخ } فالسماء هنا يريد بِها الطبقات الغازيّة ،
وقال تعالى في سورة يونس {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ
.. إلخ } ، وقال تعالى في سورة غافر{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء .. إلخ } فالسماء هنا يريد بِها
الطبقات الغازيّة .
س 1 :
ولربّ سائلٍ يسأل فيقول : إذا كانت الغازات تنفصل عن بعضها البعض وتكون
طبقات ، فإنّ الهواء خليط من عدّة غازات وأهَمّها الأوكسجين والنتروجين
فكيف لا تنفصل هذه الغازات على مرّ السنين وتكون طبقات ؟
ج :
وللجواب على ذلك نقول : إنّ ذلك ناتج عن الرياح المحرّكة لَها ، ولولا
الرياح وتحريكها لتلك الغازات لأخذت تنفصل عن بعضِها وأصبحت طبقات ،
فالطبقات الغازيّة التي سبق الكلام عنها تكون فوق طبقة الأوكسجين أي فوق
الهواء ولا توجد هناك رياح لتحريك تلك الغازات وخلط بعضِها ببعض ، ومثال
ذلك المياه : فالجاري منها يكون عكراً والراكد منها يكون صافياً . قال الله
تعالى في سورة البقرة {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ
بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فبيّن سبحانه
أنّ السحاب يكون بين السماء والأرض ، فالسماء موقعها من السحاب فصاعداً ،
وأمّا الهواء فموقعه من السحاب فنازلاً ، فالرياح تابعة للأرض وليس للسماء .
منقول من كتاب الكون والقران للمرحوم محمد علي حسن