أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
إذا كان أمر التاريخ بهذه المنزلة، وأن الأمم لا يمكن تنهض بغير تاريخ، وأن تقوم بغير ذاكرة ـ فإن التاريخ الإسلامي أشد خطورة في حياة المسلمين من التاريخ في حياة أية أمة، وتشويهُه، وطمسُه، وتمزيقُه بالنسبة للمسلمين أسوأ وأفظع منه بالنسبة لأية أمة أخرى.
ذلك أن التاريخَ الإسلامي هو الإسلامُ مطبقاً، منفّذاً على أرض الواقع، منزّلاً على حياة الناس اليومية، فهو في حقيقة الأمر حركة الأمة ـ التي رباها محمد صلى الله عليه وسلم ـ بالإسلام، وحركة الإسلام بالأمة.
فالإسلام الذي هو رسالة الله الخاتمة له نوعان من الوجود: فمن حيث هو رسالة السماء إلى الأرض موجود في الوحيين (القرآن الكريم والسنة المطهرة)، فما بين دفّتي المصحف الشريف، وما تحويه دوواين السنة الصحيحة هو الوجود الأول للرسالة الأخيرة من السماء إلى الأرض، رسالة الله إلى خلقه. والوجود الآخر للإسلام هو استجابة أهل الأرض لرسالة السماء، أو استجابة خلق الله لرسالة الله. هذه الاستجابة هي التي تمثلت في إيمان المؤمنين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعتهم له، (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (النساء:80)، وإجابتهم إياه، والتزامهم بما أمر ونهى، حتى صارت الرسالة واقعاً عملياً تطبيقياً، صُنع على عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حمله من بعده صحبه الأكرمون الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك الجيل المثالي ـ كما سماه العلامة محب الدين الخطيب ـ الذي اختصه الله سبحانه بشرف الصحبة، وأمدّهم بخصائص اختصهم بها، حيث هيأتهم الأقدار لإبلاغ هذه الرسالة الخاتمة، وأعدتهم لحفظها، عنهم جاءنا القرآن الكريم متواتراً، ومنهم وصلتنا السنّة الشريفة المطهرة، وفيهم تجلّى الإسلام مجتمعاً ودولة، سياسة واقتصاداً، ومضى بعدهم التابعون لهم بإحسان على نفس المنهج، وتتابعت الأجيال، جيلاً بعد جيل.
فتاريخ الإسلام، أو التاريخ الإسلامي هو حركة الأمة بالإسلام، وحركة الإسلام بالأمة، كما قلنا آنفاً، فهو الإسلام مطبقاً.
ومن هنا كان تشويه التاريخ الإسلامي معناه القضاء على النموذج، والمثال الذي يمكن أن يقدمه الدعاة، النموذج الذي تتطلع إليه الأجيال، لتهتدي به، ولتنسج على منواله.
فلو كان التاريخ الإسلامي قد انحرف منذ انتهاء عهد عمر، ووقع في متاهات الاستبداد، ومستنقع الفساد، فلأي شيء ندعو الناس؟ ندعوهم لشريعة لا يطيقها البشر، أليس قد عجز عن الالتزام بها الصحابة؟ فما إن (قُتل) عمر ـ الذي كان مهيباً مخوفاً ـ حتى انسلخوا من الإسلام، ورجعوا إلى الجاهلية، لا إلى عصبيتها فقط، بل إلى ظلمها وتجبرها، وكبريائها، وإلى قيانها وغنائها، وخمرها وانحلالها.
وقد صار هذا التاريخ بهذه الصورة الشوهاء سدّاً في وجه الدعوة والدعاة، فحين ينادي الدعاة: الإسلام هو الحل، يسألهم العلمانيون، والشيوعيون، والرأسماليون: أيّ إسلامٍ تريدون؟ إسلام عثمان وبني أمية؟ ويزيد والحجاج... إسلام العباسيين هارون الرشيد ومسرور السيّاف، والخمر والنساء، وأبي نواس؟ أم إسلام المماليك والمجازر اليومية، والخَوْزقة، والتوسط؟ أم إسلام الأتراك، والظلم الغاشم، والظلام الجاهل...؟
ودعاة الإسلام وعلماؤه ـ للأسف ـ لا يجدون ردّاً لهذه التساؤلات ولا دفعاً، إلا أنهم يقولون: نحن ندعو إلى الإسلام المصفَّى، الإسلام الموجود في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، فالإسلام هو الذي يحكم على الناس، وليس العكس.. هذا أقصى ما يملكونه دفعاً لهذه التساؤلات.
ولكن هذه الإجابة تسقط ببديهة العقل حيث يقال لهم: إذا كان الصحابة قد عجزوا عن تطبيق الإسلام، وانقلبوا عليه، فهل أنتم تقدرون على تحقيق ما عجز عنه الصحابة؟؟ ولا يملك الإسلاميون لهذا الاعتراض دفعاً.
ولقد رتب المعاندون على هذا أمراً أخطر وهو:" إن دين الله الأقوام ينبغي أن يظل صلة بين العبد وربه، بغير قسرٍ منكم (الدعاة والإسلاميين) ولا إجبار. ألا تخشون أن تضعوا قرآن الله بين يدي طغاة يستغلونه كما فعل الخلفاء طوال ألف وأربعمائة عام. وإذا كان الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)( الرعد:40)، فمن سمح لكم يا سادة أن تبلغوا، وما أنتم بمبلغين، أو تحاسبوا وما أنتم بمحاسبين" أ.هـ بنصه من مقال بجريدة الأهرام في 12/4/1987م لرئيس اتحاد الكتاب العرب الأستاذ ثروت أباظة (غفر الله لنا وله).
إن الدعاة إلى الرأسمالية، وإلى الشيوعية، وإلى الليبرالية، يجدون مثالاً ونموذجاً مُعجباً ناجحاً موجوداً بين الناس يقدمونه دليلاً على صحة ما يدعون إليه، ولكن الإسلاميين وحدهم هم الذين يدعون إلى منهجٍ غير صالح للتطبيق، لا لعيب في المنهج ـ حاشا لله ـ بل هو أقوم المناهج، وأعظم الشرائع، سبحان من أنزله، ولكن العيب في البشر، فهم أعجز من أن يطيقوا هذا الشرع المثالي.
وهذا كلام بالغ الخطورة، فالله سبحانه أحكم الحاكمين أجلُّ وأعظم من أن يرسل رسالة لعباده يعجزون عن إجابتها، وشريعة لا يطيقون الالتزام بها ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (سورة : 14).
ولو تتبعت المناظرات التي جرت بين عتاة العلمانيين وغلاتهم مع كبار الدعاة والعلماء، وجدتهم يعتمدون وقائع التاريخ المكذوبة وصورته المشوهة، والإسلاميون لا يجدون جواباً، فهم قد أقروا بهذا، ومن أقوالهم وكتبهم يأخذ العلمانيون والملحدون، ما يجبهونهم به.
ويؤكد خطورة التاريخ الإسلامي بصورة أوضح، ما جاء في تلك الخطة المشهورة التي وضعتها لجنة من خبراء التربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، ورجال الأمن، للقضاء على العمل الإسلامي، فكان من الوسائل الوقائية ما يأتي: 1."إعادة النظر في مناهج تدريس التاريخ الإسلامي بحيث يكون التركيز على مفاسد الخلافة الإسلامية، وخاصة العثمانية، وعلى تقدّم الغرب بمجرد إقصائه للدين. 2. تشويه الآباء الروحيين والقياديين للحركة الإسلامية" أ.هـ بنصه وهو غني عن كل تعليق.
ومن المعلوم المقرر أن المبادئ والنظم والتشريعات لا تمتحن الامتحان الصادق، ولا تثبت صحتها إلا بالتطبيق، فكم عقول كبيرة، أعجبت بالشيوعية وانبهرت بها، ولم تدرك خللها ، ولكن عند التطبيق ظهر عجزها وفسادها. وحاشا الإسلام ـ وهو منهاج رب العالمين ـ أن يفشل في التطبيق، ولكنها القراءة الخاطئة المزيفة لتاريخ الإسلام.
ومن هنا جاءت دعوة العلامة الشيخ محب الدين الخطيب إلى تصحيح تاريخ الإسلام، وهو رحمه الله من القلة القليلة من علمائنا الذين تنبهوا لهذا الأمر، ونبهوا إليه، قال رحمه الله "... وشباب الإسلام اليوم معذور إذا لم يحسن التأسي بالجيل المثالي في الإسلام، لأن أخبار أولئك الأخيار قد طرأ عليها من التحريف، والبتر والزيادة، وسوء التأويل من قلوب شحنت بالغل على المؤمنين الأولين، فأنكرت عليهم نعمة الإيمان.
وقد أصبح من الفرض على كل من يستطيع تصحيح تاريخ صدر الإسلام أن يعتبر ذلك من أفضل العبادات، وأن يبادر له، ويجتهد فيه ما استطاع، لكي يكون أمام شباب المسلمين مثال صالح من سلفهم يقتدون به، ويجددون عهده، ويصلحون سيرتهم بصلاح سيرته.
وهذه المعاني تحتاج إلى دراسات علمية عميقة ليتبين لنا سرّ الله في تكوين هذا الجيل على يد حامل أكمل رسالات الله عز وجل" أ.هـ
وإلى أن يتم هذا العمل الكبير نسأل الله سبحانه أن يعين أمتنا على ما نزل بها. ................................................. منقول