أثر الغيبة في الصوم
عن
الحسن بن وهب الجُمَحي قاضي مكة قال: ( وقعت في رجل من أهل مكة ، حتى قلت:
" إنه مُخَنَّث " ، فصليت الظهر ؛ فعرض في قلبي شيء ، فسألت عطاء بن أبي
رباح ، فقال:
"يعيد وضُوءه ، وصلاته ، وصومه" .
وعن
الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: أن رجلاً أتى إلى ابن أبي زكريا ،
فقال: " يا أبا يحيي ! أشعرت أن فلاناً دخل على فلانة ؟ " قال: " حلال طيب "
، قال: " إنه دخل معه برجل " ، فقال ابن أبي زكريا: " إنا لله ! فقد وقع
في نفسك لأخيك هذا ؟! حرج عليك بالله أن تكلمني بمثل هذا " ، فلما دنا من
باب المسجد قال: " والله لا تدخل حتى ترجع ، فتوضأ مما قلت " .
وعن أبي صالح أنه أنشد بيت شعر فيه هجاء ، فدعا بماء فتمضمض .
وعن رجاء بن أبي سلمة قال:قلت لمجاهد:(يا أبا الحجاج ؛ الغيبة تنقض الوضوء ؟ )،
قال:نعم ، وتفطر الصائم .
وعن
أبي المتوكل الناجي قال:(كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا ، جلسوا في
المسجد ، قالوا:"نطهرصيامنا" ) .
وعن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر –رضي الله عنه- : "إذا صمت فتحفظ ما استطعت"
فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل ، فلم يخرج إلا إلى صلاة .
وعن
مجاهد قال: (( ما أصاب الصائم شوى([1]) ، إلا الغيبة والكذب )) ، وعنه
قال: (( من أحب أن يسلم له صومه ؛ فليتجنب الغيبة والكذب )) .
وعن حفصة بنت سيرين قالت: "الصيام جُنَّة ، ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة".
وعن ميمون بن مهران: " إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب " .
وعن عَبيدة السلماني قال: " اتقوا المُفْطِرَيْن : الغيبة ، والكذب " .
وعن أبي العالية قال: " الصائم في عبادة ما لم يغتب ، وإن كان نائماً على فراشه " .
وقال الشاعر في هذا المعنى:-
واعلمْ بأنك لا تكونُ تصومهُ حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه.
وقال آخر:
إذا لـم يكن في السمـع مني تَصَوُّنٌ وفي بصـري غَضٌ ، وفي منطقي صَمْتُ.
فحظي إذاً من صومي الجوعُ والظمأ وإن قلتُ: " إني صمتُ يوماً " فما صُمْتُ.
وقال الإمام ابن حزم –رحمه الله- :
(
ويُبطل الصومَ أيضاً تعمدُ كلِّ معصية – أي معصية كانت – لا تحاش شيئاً –
إذا فعلها عامداً ذاكراً لصومه كمباشرة من لا يحل له ... ) إلى أن قال: (
أو كذب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو تعمد ترك صلاة ، أو ظلم ، أو غير ذلك من
كل ما حرم على المرء فعله ) ([2]) .
وقد استدل بقوله :"والصيام
جُنَّة ، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرقث ولا يصخب "([3])الحديث .
وبقوله :"من لم يدع قول الزور والعمل بهِ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ([4]) .
وبما
رُوي أنه أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس ، فقال لهما: " قيئا "
فقاءتا قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً ، ثم قال: " ها ، إن هاتين صامتا عن
الحلال ، وأفطرتا على الحرام"([5]) .
وقال الإمام النووي
–رحمه الله تعالى-: ( ... فلو اغتاب في صومه عصى ، ولم يبطل صومه عندنا ،
وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والعلماء كافة إلا الأوزاعي ،
فقال:يبطل الصوم بالغيبة ، ويجب قضاؤه )6
وقد استدل الإمام الأوزاعي –رحمه الله- بقوله : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع " ([7]) الحديث ،
وبأدلة
ابن حزم ، وقال النووي:"وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث ... بأن المراد أن
كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الرديء ،
لا أن الصوم يبطل به "([8]) اهـ .
([1])
" الشوى – بالقصر – الهين من الأمر ، قال في (اللسان
وفي حديث مجاهد:
(( : كل ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب ، فهي له كالمقتل )) ، قال
يحيي بن سعيد: الشوى هو الشيء اليسير الهين ، قال: وهذا وجهه ، وإياه أراد
مجاهد ، ولكن الأصل في الشوى الأطراف ، وأراد أن الشوى ليس بمقتل ، وأن كل
شيء أصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له ؛ إلا الغيبة والكذب ؛
فإنهما يبطلان الصوم ، فهما كامقتل له ::: أفاده العلامة أحمد محمد شاكر
–رحمه الله- في حاشية " المحلى " (6/179) .
([2]) " المحلى " (6/177) .
([3]) رواه البخاري ( 1904) ، ومسلم ( 1151) .
([4]) رواه البخاري (1903) .
([5]) رواه الإمام أحمد (5/431) من رواية عبيد ، والطيالسي من حديث أنس ، وأشار في ( الترغيب ) إلى ضعفه (3/507) .
([6]) " المجموع" (6/398) .
([7]) رواه من حديث أبي هريرة ابن ماجه (1/539) .
([8]) " المجموع " (6/399) .