{انطَلِقُوا
إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ{30} لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ
اللَّهَبِ{31} إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ{32} كَأَنَّهُ
جِمَالَتٌ صُفْرٌ}
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
{انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ}: هؤلاء في الدنيا كانوا ببعد عن الله عز وجل لاهين ساهين بالدنيا وشهواتها فهذا انشغل بالمال والجمع والمنع وذلك بالجاه والحكم والملك وآخر بالنساء وغيره بالبنين إلى ما هنالك من شهوات الدنيا التي تحجب النفس عن منبع النور وعن الله عز وجل وهي سبب التكذيب، والآن في الآخرة يقال لهم انظروا أعمالكم وبناءكم وتلك مشتهياتكم التي طالما عصيتم الله من أجلها والتي كان هواكم فيها، وكانت سبب خسارتكم جنات ربكم، انظروا إلى خزيكم وعاركم وأعمالكم المنحطة التي عادت عليكم بالأذى والشر وعلى البشرية كلها.
عندها يلبسهم حالٌ فظيع من الخزي والعار والخجل ولا يجدوا للخلاص من سبيل عندها يُقال لهم: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ..}: شيء يحجب عنكم هذه الحالة الجهنمية حالة اللوم والعار والخزي.
{..ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ{30} لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}: كل واحد بحسب درجته: منافق، كافر، مؤمن عاصي، ثلاث شعب للمداواة كلٌ حسب درجته الجهنمية يكون علاجه بالنار ولكن هذه النار: {لَا ظَلِيلٍ..}: لا تُنقذهم ولا تشفيهم بل تحرقهم فتحوِّلهم عن حالهم الأشد حرقاً من النار، إذن النار تجدي ولكنها لا تشفي.
ما في غير ظل الله هو الذي يشفي ويبدلهم بدل ألمهم ومرضهم جنات علية تنسيهم كل شيء مخزي ومؤلم، يغيبون بجنان النعيم عن أحوالهم. أما النار لا يرون فيها سوى الألم والعذاب.
{لَا ظَلِيلٍ..}: كل ما كانوا ينعمون به في الدنيا من أموال وفيرة وجاه عريض لا تقرّبهم من الله بل تحجبهم، هذه النار لا ترجعهم إلى ظل الله الذي فيه الجنّات والنعيم ولا ينعمون بالتجليات الإلۤهية، إذ لا ظلّ إلا ظلّه تعالى وتجلياته العلية السنية هذه التي تجدي وتشفي أما هذا المعرض يلقي بنفسه في النار كالمستجير من الرمضاء.
{..وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}: مهما حاول الخروج منها يعود إليها صاغراً، يرجع لهذا اللهيب، يرجع للنار وحريقها الملهب.
{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}: النفس المجرمة وعللها ولهيبها وحريقها يحيط فيها من كل جانب وبكميات كبيرة كالقصر: يحيط فيهم من كل جانب.
{تَرْمِي بِشَرَرٍ..}: يخرج من صدورهم وهو هذا اللهب من الشرور التي كسبوها في حياتهم الدنيا محيطاً فيهم.
اقتصروا على هذه الحالة أعمالهم تتراءى أمامهم وهم يحترقون فيه.
{كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}: الجمل المريض إذا هاج يصبح مرعب وهؤلاء أيضاً شبَّههم تعالى بالجمل الهائج من جراء أحوالهم المرعبة الفظيعة التي لا تطاق وهو يتخبط بها خبط عشواء، الله تعالى يقول في سورة البقرة (175): {..فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}: ما هذا الشيء الذي جعلهم يصبرون على النار ما أعظم آلامهم النفسية وأمراضهم القلبية التي تجعلهم في هيجان وذعر. حتّى يقبل أن يلقي بنفسه في النار (نار الله الموقدة).