الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
مبحث عظيم جليل في لطف الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعبده
العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من كتابه القيم : المواهب الربانية ص :147-157
سؤال : ما معنى لطف الله بعبده ؟
الجواب :
ولطفه لعبده الذي نتعلق به آمال العباد ,
ويسألونه من ربهم وهو أحد معنيي مقتضى اسمه اللطيف , فإن اللطيف بمعنى
الخبير العليم قد تقرر معناه ولكن المطلوب هنا المعنى الثاني الذي يضطر
إليه العباد , ولنذكر بعض أمثلته وأنواعه ليتضح .
فاعلم ان اللطف الذي يطلبه العباد من الله
بلسان المقال ولسان الحال هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل
العبد من حيث لا يشعر بها او لا يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد :
يا لطيف ألطف بي او لي أسألك لطفك فمعناه : تولني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والخارجية
فالأمور الداخلية لطف بالعبد
والأمور الخارجية لطف للعبد
, فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير و أعانه عليه فقد لطف به واذا
قيض الله له اسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له
، ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه الصلا ة والسلا م تلك الأحوال و تطورت به
الأطوار من رؤياه وحسد اخوته له وسعيهم في إبعاده جداً واختصاصهم بأبيهم
ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة
وانفراده بتعبيرها وتبوؤه من الأرض حيث يشاء وحصول ما حصل على أبيه من
الابتلاء والامتحان ثم حصل بعد ذلك الاجتماع السار وإزالة ألا كدار وصلاح
حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه الصلاة والسلام ان هذه
الأشياء وغيرها لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال : ( ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم )) [ سورة يوسف: آيه 100 ]
أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محلاً لذلك واهلا ً له فلا يضعه آلا في محله .
والله اعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى
وسهّل له طريق الخير وذلل له صعابه وفتح له أبوابه ونهج له طرقه ومهد له
أسبابه وجنبه العسرى فقط لطف به .
ومن لطفه بعباده المؤمنين انه ينولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات الي النور من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي الي نور العلم والايمان والطاعة .
ومن لطفه انه يرحمهم من طاعة أنفسهم
الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف
عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنه و جوا ذب المعاصي وشهوات الغي
فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور أيمانهم الذي منّ به عليهم مطمئنين لذلك
منشرحة لتركها صدورهم .
ومن لطفه بعباده انه يقدر أرزاقهم بحسب
علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئاً وغيره اصلح فيقدر لهم
الاصلح وان كرهوه لطفاً بهم وبراً وإحسانا (( الله لطيف بعباده يرزق من
يشاء وهو القوي العزيز )) [سورة الشورى آية 19] . (( ولو بسط الله الرزق
لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير ))
[سورة الشورى أية 27] .
ومن لطفه بهم انه يقدر عليهم أنواع
المصائب وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفاً وسوقاً
الي كمالهم وكمال نعيمهم (( وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان
تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون )) [سورة البقرة آية
216] ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب
العالية والمنازل السامية التي لا تدرك بالأسباب العظام التي لا يدركها
إلا أرباب الهمم العالية والعزائم السامية
ان يقدر له في ابتداء آمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي
أهل لها ليتدرج من الأدنى الي الأعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس
ذلك الأمر وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان
البهيم واصلاحه ألي رعاية بني آدم ودعوتهم واصلاحهم وكذلك يذيق عبده حلاوة
بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على الطاعات اجل
منها و أعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السابقة حتى وصل الي هذه الإرادة
والرغبة التامة .
ومن لطفه بعبده أن يقدر له ان يتربى في
ولاية آهل الصلاة والعلم والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم
ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى : (( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب )) [سورة أل عمران آية 37] إلى آخر قصتها .
ومن ذلك إذا نشا بين أبوين صالحين وأقارب
أتقياء أو في بلد صلاح أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية
العلماء الربانيين فان هذا من اعظم لطفه بعبده فان صلاح العبد موقوف على
أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعا هذه الحالة .
ومن ذلك إذا نشا العبد في بلد أهله على
مذهب أهل ألسنه والجماعة فان هذا لطف له , وكذلك ا ذا قدر الله ان يكون
مشائخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات اهل سنة وتقى فان هذا من
اللطف الرباني .
ولا يخفى لطف الباري في
وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في أثناء قرون هذه آلامة وتبيين الله
به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد اهل البدع والتعطيل
والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الاوقات فلا شك أن هذا من لطف الله لمن
انتفع بها وانه يتوقف خير كثير على وجودها فلله الحمد والمنة والفضل .
[size=25]يتبع
[/size]