الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله و عل آله و صحبه و من ولاه و بعد :
فهذه ملحة نحوية لطيفة وردها الأديب مصطفى لطفي
المنفلوطي رحمه الله في كتابه " النظرات" تحت عنوان " زيد و عمرو " فرأيت
أن أنقلها إلى إخواني بغرض تلطيف المجلس
قال الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله
(أراد داود باشا – أحد وزراء تركيا في العهد القديم – أن يتعلم اللغة
العربية ، فأحضر أحد علمائه ، و أخذ يتلقى عنه عهدا طويلا ، فكانت نتيجة
تعلمه ما ستراه. سأل شيخه يوما:
ما الذي جناه عمرو من الذنوب حتى استحق أن
يضربه زيد كلّ يوم و يبرح به هذا التبريح المؤلم ؟ و هل بلغ عمرو من الذل و
العجز منزلة من يضعف عن الإنتقام لنفسه ، و ضرب ضاربه ضربة تقضي عليه
القضاء الأخير ؟
سأل شيخه هذا السؤال و هو يتحرّق غيظا و حنقا ،
و يضرب الأرض بقدميه ، فأجابه الشيخ : ليس هناك ضارب و لا مضروب يا
مولاي، و إنّما هي أمثلة يأتي بها النحاة لتقريب القواعد من أذهان
المتعلمين . فلم يعجب الوزير هذا الجواب ، و أكبر أن يعجز مثل هذا الشيخ
عن معرفة الحقيقة في هذه القضية ، فغضب عليه و أمر بسجنه ،
ثم أرسل إلى نحويّ آخر فسأله كما سأل
الأول ، فأجابه بمثل جوابه ، فسجنه كذلك ، ثم مازال يأتي بهم واحدا بعد
واحد حتى امتلأت السجون و أقفرت المدارس و أصبحت هذه القضية المشؤومة(1)
الشُّغل الشاغل عن جميع قضايا الدولة و مصالحها ، ثم بدا له أن يستوفد
علماء بغداد ، فأمر بإحضارهم ، فحضروا و قد علموا قبل الوصول إليه ماذا
يراد بهم ، وكان رئيس هؤلاء العلماء بمكانة من الفضل و الحذق و البصر
بموارد الأمور و مصادرها ، فلما اجتمعوا في حضرة الوزير أعاد عليهم ذلك
السؤال بعينه ، فأجابه رئيس العلماء : إنّ الجناية التي جناها عمرو يا
مولاي يستحق أن ينال لأجلها من العقوبة أكثر ممّا نال ، فانبسطت نفسه و
برقت أسارير وجهه ، و أقبل على محدّثه يسأله : ما هي جنايته ؟
فقال له : إنّه هجم على اسم مولانا الوزير و اغتصب منه الواو ، فسلط
النحويون عليه زيدا يضربه كلّ يوم جزاء وقاحته و فضوله [ يشر إلى زيادة "
الواو " في عمرو و تسمى الواو الفارقة لأنّها تفرق بين عُمَر و عَمْرُو ،
فهي تكتب و لا تقرأ ، أمّا داود فأصلها داوود ]
فأعجب الوزير بهذا الجواب كلّ الإعجاب و قال له : أنت أعلم من أفلَّته
الغبراء و أظلته السماء فاقترح عليَّ ما تشاء فلم يقترح سوى إطلاق سبيل
العلماء المسجونين )
]النظرات]]
(1 لا شؤم في الإسلام
منقول