الشرك ... تعريفه وأنواعه إن أعظم ما عصي به الله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا الشرك به سبحانه ،
حتى وصف الله هذا الذنب بالظلم العظيم ، فقال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم
} ( لقمان : 13) وما ذلك إلا لما فيه من الجناية العظيمة في حق الخالق
جلَّ جلاله . فالله هو الذي خلق ، وهو الذي رزق ، وهو الذي يحيي ، وهو الذي
يميت ، ومع كل هذه النعم ، وهذه المنن ، والمشرك يجحد ذلك وينكره ، بل
ويصرف عبادته وتعظيمه لغير الله سبحانه . فما أعظمه من ظلم وما أشده من جور
، لذلك كانت عقوبة المشرك أقسى العقوبات وأشدها ، ألا وهي الخلود الأبدي
في النار ، قال تعالى في بيان ذلك : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه
الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } (المائدة: 72) وكل ذنب مات
العبد من غير أن يتوب منه حال الحياة فإمكان العفو والمغفرة فيه يوم
القيامة واردٌ إلا الشرك والكفر ، فإن الله قد قطع رجاء صاحبه في المغفرة
،قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن
يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } (النساء:48)
والشرك المقصود بكلامنا هذا هو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، وهو على أنواع :
1-
شرك في الربوبية : وهو اعتقاد أن ثمة متصرف في الكون بالخلق والتدبير مع
الله سبحانه . وهذا الشرك ادعاه فرعون لنفسه : { فقال أنا ربكم الأعلى } (
النازعات : 24) فأغرقه سبحانه إمعاناً في إبطال دعواه ، إذ كيف يغرق الرب
في ملكه الذي يسيره ؟!
2- شرك في الألوهية : وهو صرف العبادة أو نوع
من أنواعها لغير الله ، كمن يتقرب بعبادته للأصنام والأوثان والقبور
ونحوها ، بدعوى أنها تقرِّب من الله ، فكل هذا من صور الشرك في الألوهية ،
والله لم يجعل بينه وبين عباده في عبادته واسطة من خلقه ، بل الواجب على
العباد أن يتقربوا إليه وحده من غير واسطة فهو المستحق لجميع أنواع العبادة
، من الخوف والرجاء والحب والصلاة والزكاة وغيرها من العبادات القلبية
والبدنية ، قال تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } (الأنعام : 162-163 )
3-
شرك في الأسماء والصفات : وهو اعتقاد أن ثمة مخلوق متصف بصفات الله عز وجل
كاتصاف الله بها ، كمن يعتقد أن بشراً يعلم من الغيب مثل علم الله عز
وجلَّ ، أو أن أحدا من الخلق أوتي من القدرة بحيث لا يستعصي عليه شيء ،
فأمره بين الكاف والنون ، فكل هذا من الشرك بالله ، وكل من يدعي ذلك فهو
كاذب دجَّال .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأنواع في
جملة واحدة من جوامع الكلم حين سئل عن الشرك بالله فقال: ( أن تجعل لله ندا
وهو خلقك ) متفق عليه ، والند هو المثيل والنظير فكل من أشرك بالله سواء
في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات فقد جعل له نداً ومثيلاً
ونظيراً .
هذه هي أنواع الشرك الأكبر ، وأما الشرك الأصغر ، فهو وإن
لم يكن مخرجا من الملة إلا أن صاحبه قد أرتكب ذنباً عظيماً ، وإذا لقي
العبد ربه به من غير توبة منه في حال الحياة ، كان تحت المشيئة إن شاء عفا
عنه ، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة ، ومن أمثلة الشرك الأصغر الحلف بغير
الله من غير أن يعتقد الحالف أن منزلة المحلوف به كمنزلة الله عز وجل في
الإجلال والتعظيم ، فإن من اعتقد ذلك كان حلفه كفرا أكبر مخرجا من الملة ،
ومن أمثلته أيضاً قول القائل : ما شاء الله وشئت ، فقد جاء يهودي إلى النبي
صلى الله فقال : ( إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون
والكعبة ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أرادوا أن يحلفوا أن
يقولوا ورب الكعبة ويقولون : ما شاء الله ثم شئت ) رواه النسائي .
ومن
أنواع الشرك الأصغر الرياء ، وهو أن يقصد العبد بعبادته عَرَضَ الدنيا ،
من تحصيل جاه أو نيل منزلة ، قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل
عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } (الكهف :110 ) ، وروى الإمام أحمد
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك
الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ يا رسول الله ، قال : الرياء ، يقول
الله عز وجل لهم يوم القيامة : إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين
كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) .
هذا هو
الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر ، والواجب على المسلم أن يكون على علم بتوحيد
الله وما يقرِّب إليه ، فإن من أعظم أسباب انتشار الشرك بين المسلمين الجهل
بما يجب لله من التوحيد ، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان
التوحيد الخالص ، وحريصاً على بيان الشرك وقطع أسبابه ، إلا أن البعد عن
منبع الهدى من الكتاب والسنة أدخل طوائف من الأمة في دوامات من الممارسات
الخاطئة لشعائرٍ كان من الواجب صرفها لله ، فصرفت إلى مخلوقين لا
يستحقونها.