كيف يمكن أن توجد أخلاق من غير الدين؟ في المجتمعات غير الملتزمة بالدين، يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال غير الأخلاقية، فعلى سبيل المثال، لا يمكن للإنسان المتدين أن يقبل التعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت. ومن جهة أخرى، فإن ّالشخص غير المتدين لا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأ عمال. إنه ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين: "أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة " أو أن يقول :"أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أقامر". والسبب، أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أيا من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله . وإذا قال شخص ما : " أنا ملحد ولكنّني لا أزني" فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : "إنّ ابني مريض، وعلى وشك الموت، علي أن أقبل الرشوة " هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى. وفي حالة غياب الدين، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة. وعلى سبيل المثال، فالناس الذين لا دين لهم يمكن أن لا يعتبروا-حسب رأيهم- أن أخذ المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة. ومن ناحية أخرى فإن الشخص المتدين لا يظهر مثل هذا العمل لأنه يخشى الله ولا ينسى أن الله يعلم سره وعلانيته، فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لشخص بعيد عن الدين أن يقول :
" أنا ملحد ولكنّني أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا "، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول قتل شخص ما أو إيذائه لأنّ الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف التي يوجد فيها. أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات، فأخلاقه غير متقلبة. وقد أشار الله تعالى إلى الأخلاق الرفيعة للمؤمنين في قوله تعالى:
( الذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ المِيثَاقَ، وَالذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَوْن رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب، وَالذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم سِرًَّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدَّار ) سورة الرعد -الآية 20-22