الفرق بين الصوفية وأدعيائها الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد،
فإن الله تعالى إن أراد بإنسان خيرًا كبيرًا يفقهه في الدين، ومن لم يرد به خيرًا لا يفقهه في الدين بل يعيش جاهلا فمن تعلم القدر الضروري في العقيدة ثم الصلاة والطهارة وتعلم معاصي القلب واليد والرجل واللسان والبطن والبدن فتجنب المحرمات كلها وأدى الواجبات كلها وأثر من السنن يصير وليّا أما بدون هذا لا يصير وليّا،
بمجرد الذكر لا يصير وليّا، الإنسان الذي لم يتعلم علم الدين الضروري هو كالإناء الفارغ، الإناء الفارغ يقبل ما يصب فيه إن كان شيئاًَ طاهرًا وإن كان شيئًا نجسًا.
بالعلم يعرف العمل الذي يحبه الله والعمل الذي لا يحبه الله.
أفضل الأعمال العلم، أفضل شئ ينفع في الآخرة العلم فهو سبيل النجاة في الآخرة
وأما هؤلاء الذين يقولون نحن أهل الحقيقة وأنتم أهل الشريعة نحن أهل الباطن وأنتم أهل الظاهر وهم لا يعملون بالشريعة يقال لهم
الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد))
فيفهم من هذا الحديث أن كل ما يفعله الإنسان إذا لم يوافق شريعة الرسول فهو مردود.
الحقيقة والشريعة واحد، الحقيقة باطن الشريعة هما شئ واحد ليسا متضادين، لا يصل إلى الحقيقة إلا من تمسك بالشريعة،
الكرامات والكشوفات لا يصل إليها إلا من عمل بالشريعة على التمام، بدون الشريعة مستحيل أن يصل إلى ذلك.
الجنيد سيد الطائفة الصوفية رضي الله عنه المتوفى سنة مائتين واثنتين وتسعين قال: ((ما أخذنا التصوف بالقال والقيل ولكن أخذناه بالسهر والجوع وترك المألوفات والمستحسنات))
لأن التصوف صفاء المعاملة كما قال حارثة رضي الله عنه: ((عزفت نفسي عن الدنيا أسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربي بارزًا وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها وكأني بأهل النار يتعاوون فيها)).
فمعنى كلام الجنيد رضي الله عنه أن التصوف ليس بالقال والقيل قال أبو يزيد كذا، قال فلان كذا. ...
قال:
ولكن أخذناه بالسهر والجوع، معناه نصوم كثيرًا من النوافل ونقوم الليل، بعضهم يقوم نصف الليل وبعضهم ثلثه أو أقل أو أكثر على حسب نشاط الشخص. ...
قال ولكن أخذناه بالسهر والجوع وترك المألوفات والمستحسنات، أي ترك هوى النفس.
وأما قوله: ((التصوف صفاء المعاملة)) أي أن يعامل العبد ربه معاملة صافية، هذا هو التصوف.
أما هؤلاء الذين عندهم التصوف هو الأناشيد وحمل المسبحة وقال فلان كذا وقال فلان كذا فهؤلاء كسالى يدعون التصوف ولا يعملون بطريقة أولئك كالجنيد.
هذا الجنيد رضي الله عنه كان عالمًا متبحرًا حتى قال: ((ما جعل الله سبيلاً لخلقه إلى علم إلا أعطاني حظًّا من ذلك)) يعني كل فنون العلم من الحديث والفقه والنحو والبلاغة والحساب والفرائض وغير ذلك الله أعطاني من كل ذلك حظًّا. ما كان جاهلاً كهؤلاء الذين لو سئلوا عن أحكام الوضوء لا يعرفون.
لكن لا يشترط أن يكون الشخص كالجنيد أخذ من كل علم حظا وافرًا، يكفي أن يتعلم الشخص علم الدين الضروري ما يصحح به صلاته وصيامه وما يحل أكله وما يحرم وأحكام البيع لأن القرءان ما نزل بالعبادات فقط فيه عن البيع وأحكام الشراء وعدة النساء والجنايات أي حكم القاتل عمدًا وحكم القاتل خطأ، من تعلم القدر الضروري الذي لا بد منه لتصحيح صلاته وصيامه وعقيدته ومعرفة المال الحلال ومعرفة المال الحرام مع تعلمه أحكام الصلاة والطهارة وما يتبع ذلك فهذا إذا جد في العمل صار صوفيا، هذا يستحق أن يعطيه الله الحقيقة،
أما هؤلاء الذين ما تعلموا علم الدين الضروري إنما حظهم أنهم يعرفون استعمال المسبحة والأناشيد وألفاظ الذكر فهيهات هيهات أن يكونوا صوفية، مستحيل أن يكونوا صوفية.
وأساس هذا كله التوحيد معرفة الله كما يجب.
رجل يقال له حارثة بن مالك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لقيه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له ((كيف أصبحت يا حارثة)) فقال: أصبحت مؤمنًا حقا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((انظر ما تقول فإن لكل مقال حقيقة فما حقيقة مقالك)) قال: ((عزفت نفسي عن الدنيا))، يعني قطعت نفسي عن التعلق بالدنيا ((أسهرت ليلي وأظمأت نهاري))، أي أقوم الليل وأصوم النهار، ((وكأني بعرش ربي بارزا))، أي كأني أشاهد العرش عيانًا من شدة اليقين الذي صار عندي، ((وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها))، أي كأني أرى أهل الجنة يتزاورون فيها، ((وكأني بأهل النار يتعاوون فيها))، أي كأني أرى أهل النار يتعاوون فيها أي يصرخون من الألم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أصبحت مؤمنا حقا إلزم عبدٌ نوّر الله الإيمان في قلبه)).
هؤلاء الصوفية، هؤلاء الله يمنحهم الكرامات ويخرق لهم العادات.
أبو مسلم الخولاني رضي الله عنه كان من أهل اليمن ولد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يره، وفي زمانه قبل وفاة الرسول ادعى شخص النبوة فصار أبو مسلم يكذبه ويقول للناس هذا كذاب فعرف به الأسود العنسي بلغه الخبر فقال إيتوا به فتكلم معه فكذبه أبو مسلم في دعواه انه رسول الله، فقال أشعلوا نارًا فأشعلوا نارًا فرموه فيها فما أحرقته، ثم في اليوم الثاني فعل مثل ذلك فلم تحرقه النار ثم في اليوم الثالث فعل مثل ذلك فلم تحرقه النار فقال له جماعته الذين ءامنوا به أخرج هذا الرجل من أرضك حتى لا يفسد عليك الناس فنفاه.
هذا أبو مسلم بلغ خبره سيدنا عمر ثم سيدنا عمر عرفه لما رءاه بالكشف وذلك لما حضر أبو مسلم إلى المدينة قال له :أنت أبو مسلم الخولاني قال نعم فقام سيدنا عمر فقبله بين عينيه وقال الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل خليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
هذا أبو مسلم في بعض الأيام نام وهو يذكر فصارت السبحة تدور على يده وتذكر وهو نائم.
هذا لولا أنه متمسك بالشريعة ما حصل له ذلك.
هؤلاء هم الذين جمعوا بين الحقيقة والشريعة.
الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر قبل نحو ثمانين سنة قال ((حضور مجالس هؤلاء الذين يحرفون اسم الله حرام)).
في الشام بعض مدعي التصوف يعملون حلقات ذكر يبدأون باللفظ الصحيح ثم يتماسكون بأيديهم وقوفًا، يعملون حلقة فيرقصون ويغيرون لفظ الذكر بدل أن يقولوا الله الله يقولون ءاه، ويكون في وسط الحلقة واحد يرتب لهم الحركات والنغمات.
فيجب الحذر والانتباه ممن يطلق التحذير والذم للصوفية من غير تمييز بين من هو صوفي جمع بين العلم والعمل والزهد على وفق السنة وبين من يدعي التصوف زورا ومتاجرة
كالذين يحرفون إسم الله
كالذين يقولون أن الله جملة العالم (أهل الحلول)
كالذين ماتعلموا علم الدين وإنما هم على الجهل وهمهم حمل السبحة والذكر وهذا حال كثير ممن يدعون الصوفية في هذا الزمان .
قال الإمام إبن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس
تلبيس إبليس جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) (ص: 151)
فصل قال المصنف: وَقَدْ كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل عَلَى الْكِتَاب والسنة قَالَ المصنف وَقَدْ كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل عَلَى الْكِتَاب والسنة وإنما لبس الشَّيْطَان عليهم لقلة علمهم وبإسناد عَنْ جَعْفَر الخلدي يَقُول سَمِعْتُ الجنيد يَقُول قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الداراني قَالَ ربما تقع فِي نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل مِنْهُ إلا بشاهدين عدلين الْكِتَاب والسنة وبإسناد عَنْ طيفور البسطامي يَقُول سَمِعْتُ مُوسَى بْن عِيسَى يَقُول قَالَ لي أبي قَالَ أَبُو يَزِيد لو نظرتم إِلَى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع فِي الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود.
وبإسناد عَنْ أبي مُوسَى يَقُول سمعت أبا يَزِيد البسطامي قَالَ من ترك قراءة القرآن والتقشف ولزوم الْجَمَاعَة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع وبإسناد عَنْ عَبْد الحميد الحبلى يَقُول سمعت سريا يَقُول من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط وعن الجنيد أنه قَالَ مذهبنا هَذَا مقيد بالأصول الْكِتَاب والسنة وقال أيضا علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الْكِتَاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال أيضا مَا أخذنا التصوف عَن القيل والقال لكن عَن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف من صفاء المعاملة مَعَ اللَّه سبحانه وتعالى وأصله التفرق عَن الدنيا كَمَا قَالَ حارثة عرفت نفسي فِي الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وعن أبي بَكْر الشفاف من ضيع حدود الأمر والنهي فِي الظاهر حرم مشاهدة القلب فِي الباطن وقال الْحُسَيْن النوري لبعض أصحابه من رأيته يدعي مَعَ اللَّه عز وجل حالة تخرجه عَنْ حد علم الشرع فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه عَلَى دينه وعن الجريري قَالَ أمرنا هَذَا كله مجموع عَلَى فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم عَلَى ظاهرك قائما وعن أبي جَعْفَر قَالَ من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعده فِي ديوان الرجال. ا هـ
ولا تخلوا الأرض من الصادقين قال سيدنا علي رضي الله عنه" لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجة"
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.