حقيقة الجهاد .. مهم جدا ً ..
حقيقة الجهاد
فإن كان الإسلام نِحْلة كالنحل الأخرى والمسلمون أمة كغيرهم من أمم العالم، فلا جرم أن "
الجهاد " الإسلامي يفقد بذلك جميع المزايا والخصائص التي جعلته رأس العبادات ودرة تاجها. لكن
الحقيقة أن الإسلام ليس بنحلة كالنحل الرائجة، وأن المسلمين ليسوا بأمة كأمم العالم، بل الأمر أن
الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من
القواعد، ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العلمي.
ومن هناك تعرف أن لفظ " المسلم " وصف للحزب الانقلابي العالمي الذي يكونه الإسلام وينظّم
صفوفه ليكون أداة في أحداث ذلك البرنامج الانقلابي يرمي إليه الإسلام ويطمح إليه ببصره، والجهاد
عبارة عن الكفاح الانقلابي عن تلك الحركة الدائبة المستمرة التي يقام ا للوصول إلى هذه الغاية وإدراك
هذا المبتغى.
والإسلام يتجنب الكلمات الشائعة في دعوته وبيان منهاجه العملي شأن غيره من الدعوات
الفكرية والمناهج الانقلابية، بل يؤثر لذلك لغة من المصطلحات خاصة، لئلا يقع الالتباس بين دعوته وما
إليها من الأفكار والتصورات، وبين الأفكار والتصورات الشائعة الرائجة.
" فالجهاد " أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لأداء مهمته وتبيين تفاصيل دعوته
( War ) فأنت ترى أن الإسلام قد تجنب لفظة " الحرب " وغيرها من الكلمات التي تؤدي معنى القتال
في اللغة العربية، واستبدال كلمة " الجهاد " التي تؤدي معنى " بذل الجهد والسعي "، ويرادفها كلمة
في اللغة الإنكليزية، غير أنّ لفظة " الجهاد " أبلغ منها تأثيراً وأكثر إحاطة بالمعنى المقصود. ( Struggle )
فما الذي أفضى بالإسلام إلى أن يختار هذه الكلمة الجديدة، صارفاً بوجهه عن الكلمات القديمة
الرائجة ؟
والذي أراه وأجزم به أنه ليس لذلك إلاّ سبب واحد وهو أن لفظة " الحرب " كانت ولا تزال
تطلق على القتال الذي يشب لهيبه وتستعر ناره بين الرجال والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية
وأغراض ذاتية. والغايات التي ترمي إليها أمثال هذه الحروب لا تعدو أن تكون مجرد أغراض شحصية أو
اجتماعية، لا تكون فيها رائحة لفكرة أو انتصار لمبدأ.
وبما أن القتال المشروع في الإسلام ليس من قبيل هذه الحروب ؛ لم يكن له بد من ترك هذه
اللفظة ( الحرب ) البتة، فإن الإسلام لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة ولا يقصد إلى النهوض بشعب
دون شعب، وكذلك لا يهمه في قليل ولا كثير أن تملك الأرض وتستولي عليها هذه المملكة أو تلك،
وإنما تهمه سعادة البشر وفلاحهم، وله فكرة خاصة ومنهاج عملي مختار لسعادة المجتمع البشري
والصعود به إلى معارج الفلاح.
فكل حكومة مؤسسة على فكرة غير هذه الفكرة ومنهاج غير هذا المنهاج، يقاومها الإسلام
ويريد أن يقضي عليها قضاء مبرماً، ولا يعنيه في شيء بهذا الصدد أمر البلاد التي قامت فيها تلك
الحكومة غير المرضية أو الأمة التي ينتمي إليها القائمون بأمرها. فإن غايته استعلاء فكرته وتعميم
منهاجه، وإقامة الحكومات وتوطيد دعائمها على أساس هذه الفكرة وهذا المنهاج، بصرف النظر عمن
يحمل لواء الحق والعدل بيده ومن تنتكس بذلك راية عدوانه وفساده.
والإسلام يتطلب الأرض ولا يقتنع بقطعة أو جزء منها، وإنما يتطلب ويستدعي المعمورة الأرضية
كلها، ولا يتطلبها لتستولي عليها وتستبد بمنابع ثروتها أمة بعينها، بعدما تنتزع من أمة أو أمم شتى، بل
يتطلبها الإسلام ويستدعيها ليتمتع الجنس البشري بأجمعه بفكرة السعادة البشرية ومنهاجها العملي
اللذين أكرمه الله بهما، وفضله بهما على سائر الأديان والشرائع.
وتحقيقاً لهذه البغية السامية يريد الإسلام أن يستخدم جميع القوى والوسائل التي يمكن استخدامها
لإحداث انقلاب عام شامل، ويبذل الجهد المستطاع للوصول إلى هذه الغاية العظمى، ويسمى هذا
الكفاح المستمر واستنفاد القوى البالغ، واستخدام شتى الوسائل المستطاعة " بالجهاد ".
فالجهاد كلمة جامعة تشتمل جميع أنواع السعي وبذل الجهد.
وإذا عرفت هذا فلا يعجبك إذا قلت : أنّ تغيير وجهات أنظار الناس، وتبديل ميولهم ونزعاتهم،
وإحداث انقلاب عقلي وفكري بواسطة مرهفات الأقلام نوع من أنواع " الجهاد "، كما أن القضاء
على نظم الحياة العتيقة الجائرة بحد السيوف وتأسيس نظام جديد على قواعد العدل والنصفة أيضاً من
أصناف الجهاد. وكذلك بذل الأموال وتحمل المشاق ومكابدة الشدائد أيضاً فصول وأبواب مهمة من كتاب الجهاد العظيم