بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة
للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:
فسنتناول اليوم جزءا من قصة حياة وبعثة سيدنا نوح عليه
السلام , وعلى الرغم من أن قصته وجد فيها بعض الإسرائيليات مثل السكر
والتعري إلا أنا سنتناول اليوم بإذن الله مسألة أخرى وهي مسألة الطوفان,
حيث نجد أن الأقوال في الطوفان تأرجحت بين قولين إثنين:
الطوفان كان طوفانا عالميا وأغرق الأرض كلها , الطوفان كان
محليا ولم يغرق إلا قوم نوح الذين كانوا يعيشون في منطقة جيلية !
ولكي نرجح أحد القولين ننظر في النص القرآني ونحلله لنر أي
القولين أقرب إلى الدقة والصواب:
الناظر في
القرآن يجد أنه من الواضح والجلي أن طوفان نوح عليه السلام كان طوفانا
محليا صغيرا , ولكن لما قالت التوراة أن الطوفان عم الأرض كاملة , كان
لزاما على السادة المفسرين أن يقولوا بما قالت به التوراة المحرفة , وأولت
الآيات لتوافق الروايات , ولننظر في قصة نوح في القرآن لنر إن كانت فعلا
كما يقولون أم أنها مما يقولون به براء :
إذا نظرنا في القرآن وجدنا أن القرآن ينفي مسألة عالمية
رسالة نوح تماما , فالله قالها في خمس مواضع أنه أرسل نوح إلى قومه ولم يقل
إلى الناس أو إلى العالمين , فلو لم يكن مرسل إلى قوم خاصة وكان هؤلاء هم
الناس الموجودون على الأرض لكان الكلام عبثا .
و إذا قيل أنه أرسل إلى قومه ثم دعا عليهم فأغرق الله
العالم كله , فما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين لم تصلهم الدعوة؟ ولم تهلك
الأرض كلها بذنب قوم كفرة ؟
إذا فنوح أرسل إلى قومه فقط , وليس هذا استنتاج بل هو موجود
صراحة في النص القرآني , فالله تعالى يقول "قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ
بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ
وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [هود :
48] "
فالآية صريحة في وجود أمم مع نوح , ولننظر كيف فسر المفسرون
هذه الآية المخالفة لما تقوله التوراة , يقول الإمام الرازي في تفسير هذه
الآية ما نصه :
" { وعلى
أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } واختلفوا في المراد منه على ثلاثة أقوال : منهم من
حمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمماً وجماعات !! ، لأنه ما
كان في ذلك الوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم ، فلهذا السبب جعلهم
أمماً ، ومنهم من قال : بل المراد ممن معك نسلاً وتولداً !!! , قالوا :
ودليل ذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا وقد حكم الله تعالى عليهم بالقلة
في قوله تعالى : { وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ]
ومنهم من قال : المراد من ذلك مجموع الحاضرين مع الذين سيولدون بعد ذلك !!!
، والمختار هو القول الثاني : ومن في قوله : { مّمَّن مَّعَكَ } لابتداء
الغاية ، والمعنى : وعلى أمم ناشئة من الذين معك ! .
واعلم أنه تعالى جعل تلك الأمم
الناشئة من الذين معه على قسمين : أحدهما : الذين عطفهم على نوح في وصول
سلام الله وبركاته إليهم وهم أهل الإيمان . والثاني : أمم وصفهم بأنه تعالى
سيمتعهم مدة في الدنيا ثم في الآخرة يمسهم عذاب أليم ، فحكم تعالى بأن
الأمم الناشئة من الذين كانوا مع نوح عليه السلام لا بد وأن ينقسموا إلى
مؤمن وإلى كافر . قال المفسرون : دخل في تلك السلامة كل مؤمن وكل مؤمنة إلى
يوم القيامة ، ودخل في ذلك المتاع وفي ذلك العذاب كل كافر وكافرة إلى يوم
القيامة ، " اهـ
فانظر كيف أولوا الآية لمجرد
أنهم استندوا في معلوماتهم إلى التوراة , ولست أدري أين قال القرآن أنه لم
يكن في الأرض غيرهم , فهذه الآية التي بين أيديهم تنفي هذا الكلام , ولكن
لما كان للروايات سلطان لا يقاوم فتأول الآيات من أجل الروايات ولا وحول
ولا قوة إلا بالله .
إذا فالقرآن قال أن طوفان نوح
كان طوفانا محليا , وقال بوجود بشر معه وهذا ينفي الأسطورة التوراتية وينفي
القول بأنه أخذ زوجا من كل الحيوانات ووضعه في السفينة , فأي سفينة هذه
التي تحمل كل هذا العدد من الحيوانات ؟!
سيقول قائل : ولكن الله تعالى
يقول " حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ
فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ
عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود :
40] " فهذا دليل على ما يقولون به .
لن نقول كما
قال البعض : نحن نجد أن حفص هو الوحيد الذي قرأ " من كل " بتنوين اللام ,
أما باقي القراءات فقالت " من كل زوجين " بدون تنوين, ونحن نأخذ في هذه
المسألة بالقراءات وليس بقراءة حفص , فهي أكثر وتتفق مع العقل , إذ كيف
يمكن أن يحمل من كل أصناف الكائنات اثنين , وكيف يأتون من جميع أنحاء
العالم , فمن المعروف أن هناك حيوانات غير موجودة إلا في المناطق الباردة
وغيرها لا توجد إلا في المناطق الحارة وهلم جرا , فكيف أتت هذه الكائنات من
مناطقها إلى نوح وكيف استوعبتها السفينة ؟ وإنما نقول: لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها والأمر على قدر الاستطاعة, فإذا أمره أن يأخذ من كل زوجين إثنين
فهو يأمره أن يأخذ من كل ما يجده ومن كل ما هو حوله زوجين إثنين , فالكل
هنا المقصود به الكل الموجود والمتوفر وليس الكل المطلق لأن هذا مما لا
يطيقه ولا يقدر عليه سواء سيدنا نوح أوغيره .
إذا فالآية لم تقل أكثر من أن
الله أمر نوح أن يحمل من كل زوجين , و الله أعلم بهذه الأزواج , اثنين
وأهله إلا من سبق عليه القول ويحمل من آمن وما آمن معه إلا قليل .
إذا فالقرآن
نفى مسألة عالمية الطوفان تماما وقال بوجود أناس غير نوح ومن معه وظلوا
أحياء , لم يصبهم الطوفان
إذا الغرض من سرد هذه القصة عرض عاقبة الخسران والتوضيح كيف
أن الله تعالى تعهد مسيرة التوحيد والموحدين منذ مبدأهم على الأرض وكيف أن
الكافرين المعاندين المهددين للمؤمنين كانوا يستأصلون حتى تستمر المسيرة
إلى أن تصل إلى ما هي عليه الآن . وكذلك الرد على من يسخرون من هذا الطوفان
الذي أغرق الأرض و لا يوجد له أثار في الحفريات و على من يسخرون من
السفينة التي حملت كل حيوانات الأرض .
طبعا الأخوة اليهود لا يريدون
التسليم بهذا لأن هذا سيؤدي إلى تهاوي أركان النظرية السامية التي يقولون
بها .
هدانا الله
وغفر لنا .