هكذا كان حال محبي آرسنال جميعهم .. جميعهم متشائمون من قطار قادم لا محالة ولا إمكانية للخروج من نفق ميلان المظلم .. في الواقع اقترب آرسنال كثيراً أول أمس الثلاثاء من الضوء في نهاية النفق لكن القطار لحق به ودهسه قبل أن يحقق الآمال المعقودة عليه ..
في كل الأحوال هذا ليس موضوعنا بشكل خاص، لكن حديثنا هنا عن الصراع التكتيكي بين آرسين فينجر وماسيمو أليجري في لقاء آرسنال وميلان الذي انتهى بثلاثية للإنجليز فشل فيها في تعويض رباعية الطليان في الذهاب.
1- فينجر أدرك درس الذهاب جيداً وأبدع ..كان تعامل آرسين فينجر في لقاء الذهاب أشبه بالمدربين الهواة ولم يكن يليق بصاحب الـ15 عاماً مع آرسنال والذي يثق فيه جمهور المدفعجية أكثر من أي مر في تاريخ النادي وإن بدأت الثقة في التهاوي يوماً بعد يوم منذ أن تسلم الفريق الميدالية الفضية في نهائي دوري أبطال 2006.
لكن فينجر قام بالكثير من التعديلات على الفريق سواء على صعيد الأسماء أو على صعيد الرسم التكتيكي للفريق داخل الملعب.
ففي لقاء الذهاب لعب فينجر بطريقة 4/5/1 لكن الطريقة فشلت تماماً بعد أن وقع آرون رامسي فريسة سهلة لوسط ميلان بجانب فشل توماس روزيسكي في خلق جبهة يسرى قوية ومؤثرة فحوصر والكوت تماماً في الجبهة اليمنى وقٌطع ملثمو ميلان خط الغاز الذاهب لروبين فان بيرسي.
فينجر انتبه لهذا الأمر جيداً فبدأ اللقاء بطريقة أذكى كثيراً من اللقاء السابق، فرغم أنه على الورق كان توماس روزيسكي جناحاً أيسر وأليكس تشامبرلان لاعب ارتكاز ثاني إلا أنه في الواقع لجأ فينجر لهذه الحركة بعد أن لاحظ أن أضعف حلقات ميلان الدفاعية هي الظهيرين فعمد على خلق جبهتين قويتين بتواجد والكوت بشكل دائم للضغط على جمال مصباح المعروف بميوله الهجومية مقارنة بالدفاعية.
وزاد سانيا من الطين بلّة على مصباح بمساندته الفعالة جداً لوالكوت لكن ما زاد من تفعيل هذا الأمر هو أن آرسنال لم يلعب هذه المرة بجبهة واحدة بل كانت هناك تحركات غاية في الذكاء بدخول تشامبرلان على الجانب الأيسر واختراقه المزعج لهذه الجبهة مع انضمام روزيسكي لجيرفينيو في قلب الملعب -وأحياناً كان جيرفينيو هو من يلعب في الجانب الأيسر مع دخول روزيسكي للعمق وتواجد تشامبرلان كارتكاز ثاني- وهو ما ساهم في عدم تكرار مأساة رامسي مع جيرفينيو حيث بات هناك لاعبان متواجدان أمام فان بوميل فظهر بمستوى أقل من مستواه في اللقاء الأول.
2- أليجري عانى من غيابات ولكن..!ساعد فينجر في هذا الأمر، ذاك التشكيل الغريب الذي خاض به أليجري اللقاء والرد السريع من أي نوع لن يفتقد لكلمات من نوعية "إصابات - غيابات" وهو في ذلك محق بالتأكيد خصوصاً وأن أكويلاني لم يكن جاهزاً في الأغلب لخوض لقاء كامل بعد عودته من غياب لشهرين تقريباً، إلا أنه كان بتغيير واحد لأليجري في هذه التشكيلة كان ميلان سيظهر "دفاعياً" بشكل مغاير تماماً ألا وهو إشراك جيانلوكا زامبروتا بدلاً من ستيفان الشعراوي.
فلعب أليجري بثلاث مهاجمين ساهم كثيراً في زيادة الضغط على وسط ميلان البالغ عدده 3 لاعبين من قبل 5 لاعبين في آرسنال وهو ما كان من الصعب مواجهته كما أن تواجد زامبروتا مع الدفاع بجمال مصباح كجناح أيسر كان من شأنه أن يحول الفريق لطريقة 4/4/2 وهو ما كان سيساعد كثيراً في تخفيف الضغط على الظهيرين وتواجد مصباح الدفاعي بشكل مستمر كان سيلغي تفوق "متوقع" لسرعة والكوت على زامبروتا والمشكلة في وقوف أليجري مشاهداً لهذا الموقف لشوطٍ كامل دون تحرك ويبدو أنه لم يكن ليتصور أن السيناريو سيكون مجنوناً بهذا الشكل.
3- نجاعة آرسنال مذهلة !صحيح أن آرسنال قدم شوط أول رائع ولا يمكن لأحد أن يقلل من مردوده الرائع مع خطة فينجر "المحبوكة" إلا أنه لا يفتنا الإشارة إلى أن المدفعجية كانوا موفّقين بدرجة مذهلة في الفرص التي لاحت لهم في الشوط الأول وهو ما ساعدهم على الخروج بهذه النتيجة، فسيطرة آرسنال لم تكن بنفس قوة سيطرة ميلان على لقاء الذهاب لكن في نفس الوقت كان آرسنال إيطالي أكثر من الطليان في فكرة استغلال كل فرصة تتاح له للتهديف وهو ما يتضح لنا من مراجعة سريعة لأحداث اللقاء أن آرسنال ضاعت عليه فرصة حقيقية واحدة هي فرصة فان بيرسي بينما أضاع ميلان 3 فرص تقريباً..
4- أخيراً أليجري يتحركمع بداية الشوط الثاني قام أليجري بتغيير بسيط جداً في ترتيب اللاعبين لكنه كان عظيم الأثر وذلك بعد أن أعطى تعليماته لزلاتان إبراهيموفيتش بالتراجع قليلاً والابتعاد عن كونه على خط واحد مع الشعراوي وروبينيو ليصبح إبرا بمثابة محطة هامة في الوسط تمكن فيها من حصد كرات كثيرة جداً أمام ألكساندر سونج أجبر معه تشامبرلان على التراجع ليساند زميله فافتقد آرسنال جبته الثانية اليسرى كما افتقد تحركات تشامبرلان الاستثنائية تجاه الجانب الأيمن -وقتها كان روزيسكي يستمر جناحاً أيسر- وبالتالي خف الضغط كثيراً على ميلان وظهرت تلك الانطلاقات من جانب إيمانويلسون بالذات الذي تحرر بعض الشيء بعد تراجع تشامبرلان واضطرار روزيسكي لملئ الفراغ في الجبهة اليسرى.. كما أعطى أليجري تعليمات بالتراجع دفاعياً لمساندة نوشيرينو ومصباح فقل تقدم سانيا كثيراً أو تضاءل أثر تقدمه.
5- القاسمة من أليجرياستمر هذا الوضع لقرابة الدقيقة 60 حتى وصل الوقت الذي يمكن أن يشترك فيه أكويلاني وهو ما كان ضربة قاسمة لآرسنال وآماله، فبعد فرصة فان بيرسي المذهلة الضائعة لم تظهر خطورة كبيرة "مستمرة" لآرسنال بعد هذا التغيير الذي أحدث تطوراً كبيراً في صفوف ميلان، فمشاركة أكويلاني بدلاً من الشعراوي حولت ميلان لطريقة 4/4/2 أو بالأحرى 4/1/2/1/2 التي جعلت الفريق ينقسم لقسمين أيمن وأيسر بجبهتين واضحتي المعالم بتواجد نوشيرينو في المكان الذي يحبه أمام مصباح وتواجد أكويلاني على الجانب الأيمن أمام أباتي ليخلقوا خطورة واضحة من هذه الجبهة في ظل ضعف توماس روزيسكي على المستوى الدفاعي وعلامات الاستفهام التي تدور في ذهني منذ عام 2009 وقت لقاء آرسنال ومانشستر يونايتد في إياب قبل نهائي دوري الأبطال عن مستوى جيبس الظهير الأيسر لآرسنال، لكن هذا لم يكن كل شيء..
6- ماذا تفعل يا فينجر !؟
كل شيء أتى بعد ذلك التغيير الغريب جداً من آرسين فينجر بإخراجه لتشامبرلان وإشراكه لمروان الشماخ.
تصور فينجر أن الشماخ قادر على أن يلعب نفس الدور الذي لعبه هنري رفقة فان بيرسي في لقاء الذهاب فكان مخطئاً تماماً لفارق المهارات والموهبة والعقلية فالشماخ رأس حربة صريح لا يستطيع صناعة اللعب لذلك وقع فينجر في المحظور بعد أن بات سونج وحيداً في وسط الملعب فتمكن روبينيو وإيمانويلسون من التفوق عليه بشكل واضح حتى استنفذت طاقته تماماً -نلاحظ في نهاية المباراة كم التمريرات الخاطئة التي قام بها- ولولا مجهود روزيسكي وقتاله ومساندته الدفاعية -التي لم نعهدها فيه- لكان الأمر أسوأ .. تغيير كان على هوى أليجري تماماً بعد أن دانت له السيطرة بشكل كبير ولم تظهر خطورة آرسنال في الدقائق الأخيرة إلا بمحاولات مواهبه الفذة المتمثلة في والكوت وفان بيرسي لكن التفكك الذي أصاب صفوف المدفعجية كان واضحاً للعيان فضاع المجهود الرائع الذي بذله لاعبوه في الشوط الأول لكنهم على الأقل خرجوا مرفوعي الرأس.
هناك حديث عن أن خروج تشامبرلان كان للإصابة وربما يفسر ذلك التغيير ووقتها سيكون فينجر معذوراً، لكن إشراك الشماخ غير مبرر بالنسبة لي بل كان عليه أن يشرك دجورو كظهير أيمن وترحيل سانيا ليصبح لاعب ارتكاز أو حتى إشراك دجورو ارتكاز آخر حتى لا تختل الحالة الهجومية لآرسنال أو إشراك الشماخ مع إعادة فان بيرسي ليكون جناحاً أيسر متحرك مع دخول روزيسكي في العمق، لكن ما حدث أمامي ليس له مبرراً وتسبب في انفراط عقد صفوف آرسنال كما أسلفنا.