Getty Images
تعاقد اليوفنتوس مع أنتونيو كونتي
وكان الهدف الواضح إعداد نواة فريق قادر على استعادة الأمجاد والبطولات
خلال المواسم المقبلة، بجانب هدف آخر يُرجى تحقيقه وهو التأهل لدوري
الأبطال موسم 2012-2013 باحتلال أحد المراكز الثلاثة الأولى في السيريا آ.
كان الجميع في
اليوفنتوس بدءًا بالإدارة ومرورًا بالجهاز الفني واللاعبين ونهاية
بالإعلام والجماهير مقتنعًا أن تلك هي أهداف الموسم والتي لم يكن من بينها
أبدًا الفوز بالاسكوديتو أو مجرد المنافسة عليه، لكن كونتي بجهده وأفكاره
وعروضه ونتائجه خلق حلم الفوز بالاسكوديتو .. هو ربما استفاد من بعض الظروف
مثل تراجع الإنتر بفعل أفكار إدارته الخاطئة أو تذبذب مستوى الميلان بفعل
الإصابات الكثيرة والغريبة أو تراجع مستوى نابولي محليًا بتأثير المشاركة
القارية أو غياب روما بسبب التركيز على بناء فريق جديد، لكن ذلك لا يعني
أبدًا التقليل من أداء وعطاء كونتي في اليوفنتوس وأنه ساهم بكل ما فعله
فنيًا وبدنيًا وتكتيكيًا وذهنيًا ونفسيًا في تطوير البيانكونيري وجعله
منافسًا شرسًا على الاسكوديتو حتى المرحلة الـ26 وهو بالتأكيد لم يخرج من
دائرة الصراع بعد.
تلك كانت مقدمة ضرورية حتى لا يظن البعض أننا
نقلل من أداء وعطاء والإضافة التي منحها كونتي لليوفنتوس، وحتى لا يظن
البعض أننا حكمنا نهائيًا بخسارة الفريق للاسكوديتو ... لا لا، بل المقال
هو تسليط الضوء على بعض الأخطاء في مسيرة كونتي مع السيدة العجوز والتي
ربما تساهم في تدمير ذلك الحلم الذي خلقه المدرب نفسه.
أين كانت تلك
الأخطاء التي ساهمت في تراجع مستوى اليوفنتوس مؤخرًا وخسارته للنقاط؟
والحديث بالتأكيد بعيدًا عن أخطاء التحكيم التي ربما ساعدت وعرقلت مسيرة
الفريق لأن ذلك الحديث الجدلي نال الكثير من التغطية ولا داعي للتركيز عليه
مجددًا.
1- إهمال جلب ظهير أيسر ومهاجم متحرك سوبر.هو خطأ تحدثنا عنه بداية الموسم حين قيمنا ميركاتو اليوفنتوس،
كونتي أكد خلال عديد المواقف أنه الرجل الأول في اليوفنتوس حين يكون
الحديث عن الفريق والجوانب الفنية واللاعبين وكذلك الميركاتو !، أحدها هو
التخلي عن ريتو زيجلر بعد تعاقد ماروتا معه ... ذلك كان خطأ كبير من جانب
المدرب خاصة أنه لم يدعم الفريق بظهير آخر، والنتيجة أنه قضى النصف الأول
من الموسم بالكامل دون ظهير أيسر حقيقي وجاهز وأساسي فكان تارة يضع دي
تشيلي وتارة كيليني وظهر أحيانًا إيستيجاريبيا.
أصلح المدرب ذلك
الخطأ في يناير بالتعاقد مع كاسيريس من إشبيلية، ولكنه لم يكن إصلاح كامل
لأننا لم نر الأوروجواياني في خانة الظهير الأيسر سوى نادرًا بعد يناير !!
لعب أحيانًا ظهير أيمن وأحيانًا جناح أيمن وأحيانًا قلب دفاع لكن لم يتواجد
أبدًا ظهير أيسر .... لماذا ؟؟ سؤال أول يُوجه للمدرب.
النقطة
الثانية من الميركاتو كانت عدم جلب مهاجم متحرك سوبر قادر على صناعة الفارق
والتسجيل من رُبع فرصة، هو خطأ ربما نظلم كونتي بأن نجعله المسؤول عليه
لأن الأمر يتعلق بجوزبي ماروتا الذي أنفق على الفريق خلال عامين 140 مليون
يورو تقريبًا دون جلب الورقة الأهم .. مهاجم متحرك !! بل ولم يستعد
جيوفينكو بعد تألقه اللافت مع بارما وكان الأقدر على لعب هذا الدور ....
كان على المدير الرياضي أن يعي تمامًا أن المهاجم السوبر هو أساس بناء
الفريق القوي في إيطاليا وكان عليه أن يسأل كونتي "لماذا نجلب بورييلو؟".
ماروتا
معذور في النقطة الأولى لأن الأمر لم يتوقف فقط على المال بل رفض النجوم
اللعب في اليوفنتوس بسبب الغياب عن البطولات القارية، ولكنه مسؤول تمامًا
عن التفريط في جيوفينكو الذي نراه يصنع الفارق بوضوح في بارما وفشله في
اليوفنتوس "الفاشل" خلال السنوات العجاف لا يعني فشله الآن لأن الظروف
اختلفت 180 درجة.
2- استهلاك الفريق وحرق الأوراق البديلة. تحدثنا عن تلك السلبية خلال مقال تناول أخطاء مورينهو مع ريال مدريد وهو
أمر تفاداه المدرب البرتغالي تمامًا هذا الموسم، كونتي كرر الخطأ
بالاعتماد على مجموعة واحدة من اللاعبين طوال الموسم وإهمال شبه كامل لعديد
الأوراق البديلة التي كانت ستقدم الإضافة في تلك المرحلة الصعبة لو أحسن
إعدادها وصقلها ودمجها في اليوفنتوس الجديد.
بالنظر لبعض الأرقام،
نجد أن هناك 11 لاعبًا في اليوفنتوس لعبوا 20 مباراة على الأقل في السيريا آ
هذا الموسم هم: بوفون، ليختشتاينر، بارزالي، كيليني، بونوتشي، بيرلو،
ماركيزيو، فيدال، بيبي، ماتري، فوشينيتش، ومن ثم هناك 5 لاعبين لعبوا ما
بين 10-15 مباراة وهم: جياكيريني وكوالياريلا ودي تشيلي ودل بييرو
وإيستيجاريبيا، ومن ثم هناك باتسينزا الراحل في يناير وقد لعب 8 مباريات ثم
كراسيتش بـ7 ثم بورييلو ب4، وأخيرًا هناك المجموعة التي لم تلعب أكثر من 3
مباريات.
الأرقام السابقة تؤكد مدى الخطأ الذي وقع به كونتي
باستهلاك الهيكل الأساسي للفريق بدنيًا، خاصة أنه يعتمد الأسلوب البدني
كنقطة قوة أساسية في أداء الفريق لتنفيذ الضغط في كافة أرجاء الملعب
والهجوم الجماعي والتحول السريع من الدفاع للهجوم وبالعكس ... هذا
الاستهلاك يجب في النهاية أن يكون له ضحاياه من اللاعبين سواء بالإصابات
العضلية (ويُحسب جدًا لكونتي هنا فترة الإعداد المثالية للموسم كون لاعبيه
تجنبوا تلك الإصابات حتى الآن) أو الإرهاق والذي بدأ يظهر على بعض اللاعبين
المؤثرين حاليًا وهو ما أظهر الفريق بالكامل مرهقًا وهو ما أدى لتراجع في
الجانب البدني وبالتالي تراجع في ديناميكية الفريق وقدرته على الضغط
الدفاعي وبطء سرعة تحوله من الدفاع للهجوم والعكس وهنا أصبحت نقطة قوة
الفريق في الجولات الماضية نقطة ضعف واضحة في الجولات الأخيرة وربما
المستقبلية.
النقطة
الأخرى هنا هي إحراق الأوراق البديلة التي كانت ستوفر رئة جديدة لكونتي
يستخدمها وقت الحاجة، لاعبين مثل إيليا وكراسيتش ودل بييرو وماروني وجروسو
وباتسينزا وحتى أماوري وياكوينتا .. كلها أوراق كان يمكن الاستفادة منهم
كثيرًا لو تم إعدادهم وصقلهم ودمجهم بالشكل المناسب، ولكن إقحام بعضهم في
لحظات صعبة للغاية كما حدث مع كراسيتش أمام كالياري يُحرقهم تمامًا ويُساهم
في تأكيد الشعور بعدم الثقة وتوسيع الفجوة مع الفريق والجماهير وهو ما يضع
عليهم المزيد من الضغوطات.
3- المبالغة في تغيير الأفكار التكتيكية.من
الجميل أن يمتلك الفريق مرونة تكتيكية تسمح له بالتحول من أسلوب لعب إلى
الآخر بسهولة وبساطة، ومن الجميل أن يمتلك المدرب أفكارًا عديدة تسمح له
بإدارة المباريات بالكيفية المناسبة ومن المفيد أن يمتاز اللاعبون بمرونة
تكتيكية تسمح لهم باللعب في أكثر من مركز وأداء أكثر من دور خلال الموسم،
وكل هذا فعله كونتي وأقحمه في اليوفنتوس الجديد.
لكن
!! ليس من الجميل أبدًا المبالغة في التغيير والتحويل من أسلوب لعب للآخر
لأن ذلك يؤثر سلبًا على بعض اللاعبين وانسجامهم مع مراكزهم وتركيزهم في
أداء أدوارهم، ذلك يؤدي لشيء من التوهان في الملعب وتداخل الأفكار
والواجبات.
مثلًا، ليختشتاينر حين يلعب ظهير أيمن في طريقة 4-3-3 أو
4-4-2 يختلف تمامًا في واجباته حين يلعب جناح أيمن في طريقة 3-5-2، لأنه
في الأولى يُكلف بواجبات دفاعية أكبر مثل الرقابة والتغطية العكسية أما
الثانية فالأدوار الهجومية تكون أكبر وأهم خاصة أنه مغطى دفاعيًا بمدافع
ثالث ... الأفضل أن يلتزم الفريق بطريقة لكن يتم التنويع والتغيير لطريقة
أخرى في بعض المباريات وليس أن نرى كل الخطط في مباراة واحدة !! وأن يلعب
اللاعب محور وجناح ومهاجم في مباراة واحدة !!.
4- الإفراط في التأمين الدفاعي وحماية أندريا بيرلو.كونتي
جعل من بيرلو المايسترو المنظم لجميع تحركات اليوفنتوس في وسط الملعب
ونقطة البداية للتحول من الدفاع للهجوم، هي استراتيجية ليست جديدة بل
انتهجها كارلو أنشيلوتي في الميلان وربما هو أول من بدأ اللعب بمُنظم للعب
"ريجيستا بالإيطالي" من الخلف وهو بيرلو حيث أعاده من مركز صناعة اللعب
الأمامي ليكون أمام الدفاع وذلك حماية له من الضغط الدفاعي القوي وتوفيرًا
لمساحة جيدة يتحرك بها.
بيرلو
لاعب ممتاز للغاية على صعيد الاستلام والتسليم والتمرير والشخصية والقيادة
ولكنه عادي بدنيًا ودفاعيًا، ولذا لكي يُعطيك ما تريد عليك أن تحميه
بلاعبين أصحاب نزعة بدنية ودفاعية وجهد كبير تكون مهمتهم الضغط على المناس
والحركة والتغطية في الوسط واستخلاص الكرة ثم منحها له لكي يبدأ هو المرحلة
التالية في التحول للهجوم .... أنشيلوتي حماه في الميلان بالثنائي جاتوزو
وأمبروزيني والذان لم تكن لهما سوى مهام هجومية محدودة للغاية، لكن المهمة
الأساسية الضغط والاستخلاص ثم التمرير للمايسترو الذي يبدأ الهجوم بتمرير
الكرة لأحد الثلاثي الأمامي "كاكا وشيفا وإنزاجي" والأمر يعتمد على تمركز
كل منهما في الثلث الأمامي، ذلك الأسلوب منح الميلان شكل محدد في الأداء
كان له إيجابيات كثيرة لكن كانت له سلبية واضحة هي أن الوسط لا يشارك في
الهجوم ولا يصنع الفرص سوى نادرًا وأن المهام الهجومية جُلها كانت عبر
الثلاثي الأمامي ولذا كانت أي إصابة خاصة لكاكا حلقة الوسط بين الوسط
والهجوم مؤثرة للغاية ولذا تراجع مستوى الميلان حين تراجع مستوى نجمه
البرازيلي ورحل مهاجمه المتحرك شيفا.
ما سبق كان مقدمة ضرورية لشرح
استراتيجية الاعتماد على بيرلو في الوسط، ننتقل لليوفنتوس .. كونتي طبق ما
فعله أنشيلوتي بأن وفر لبيرلو الحماية الدفاعية البدنية اللازمة له في
الوسط عبر الثنائي فيدال وماركيزيو وإن كان الثنائي يتقدم على ثنائي
الميلان جاتوزو وأمبروزيني هجوميًا بالتسديد والاختراق أحيانًا لكن يبقى
دورهم الهجومي محدود بعيدًا عن التسديد من بعيد، ولأن الثنائي لا يمتاز
بالقدرات الدفاعية الكبيرة والممتازة بالغ كونتي في التأمين باللعب بطريقة
3-5-2 مؤخرًا .. ذلك بعدما لاحظ تراجعًا دفاعيًا في أداء الفريق أراد أن
يُعالجه بوضع مدافع ثالث يسمح للطرفين بالتقدم أكثر دون الإخلال بالمنظومة
الدفاعية وذلك له مبرر آخر هو غياب اللاعب القادر على ربط الوسط بالهجوم من
العمق ولذا كان الهروب للأطراف هو الحل.
سلبية تلك الاستراتيجية ظهرت على
أداء اليوفنتوس بوضوح خلال الموسم خاصة خلال المباريات التي يلعبها المنافس
بتكتل وتنظيم دفاعي وإغلاق للأطراف،
أين هي السلبية؟ هي
ذاتها التي كانت موجودة في الميلان وهي أن الوسط لا يقدم الكثير هجوميًا
ولا يساهم في خلق الفرص لأصحاب المهام الهجومية لأنه أولًا لا يمتلك
القدرات اللازمة لذلك وثانيًا لديه تعليمات بعدم التقدم كثيرًا للأمام
..... تلك السلبية ظهرت بوضوح في اليوفنتوس عن الميلان لأن ثلاثي الهجوم
لديه أقل كثيرًا من كاكا شيفا إنزاجي، خاصة في اللاعب المهاري القادر على
الانطلاق وصناعة الأهداف (كاكا) والمهاجم المتحرك القادر على صناعة الفارق
والتسجيل من ربع فرصة بل وخلق الفرصة (شيفا)، لا ماتري ولا فوشينيتش ولا
بيبي ولا بورييلو قادر على هذا الدور .... الوحيد هو أليكس دل بييرو وقد تم
تجاهله تمامًا، وبدرجة أقل جياكيريني وقد صنع الفارق كثيرًا لكن يعيبه أنه
يتحرك في الطرف أكثر من العمق.
ما سبق جعل اليوفنتوس يظهر عقيم
هجوميًا ويُعاني في صناعة الفرص بعيدًا عن أطراف الملعب وتمريرات بيرلو
البينية الطولية، بمعنى أن أي فريق يُجيد الضغط على الطرفين ويُوقف
خطورتهما ويُجيد الضغط على بيرلو في الوسط سيُوقف هجوم اليوفنتوس تقريبًا
ويجعله يعاني كثيرًا وهذا ما حدث في عديد المباريات التي لم يخلق خلالها
الفريق سوى عدد قليل جدًا من الفرص خاصة مع الإرهاق الأخير لبيرلو، وذلك
أدى لمضاعفة الجهد من جانب الفريق طوال دقائق المباراة بدلًا من حسمها
بسهولة في البداية وهو عامل ساهم في الاستهلاك البدني للفريق.
الحل
موجود، كان ومازال موجودًا وهو إخراج أحد لاعبي الوسط "ماركيزيو أو فيدال"
والتحول لطريقة 4-4-2 بتواجد إيليا وجياكيريني أو كراسيتش وبيبي على طرفي
الوسط لكن بشرط منحهما تعليمات بالدخول للعمق وصناعة الفرص منه بدلًا من
التواجد الدائم على طرفي الملعب .... أو محاولة خلق صانع ألعاب من العُمق
من قائمة اللاعبين وهو أمر ربما صعب حاليًا لكن متاح بماروني أو إيليا
مثلًا أو أن يكون دل بييرو ليلعب خلف فوشينيتش وماتري في الهجوم في طريقة
3-4-3 أو أن يواصل الفريق اللعب بـ3-5-2 لكن بتواجد لاعب صاحب قدرات مهارية
ضمن ثلاثي الوسط مثل إيليا أو جياكيريني، كل ما سبق من حلول سيمنح الفريق
اللمسة المهارية في وسط الملعب ويُحسن كثيرًا من آلية خلق الفرص لديه ....
لكن يبقى الخوف من تراجع القوة الدفاعية في الوسط مع ذلك التغيير التكتيكي
خاصة أن ذلك ظهر في مباراة كييفو فيرونا الأخيرة مع غياب فيدال وتواضع
مستوى ماركيزيو لأن خلالها خضع الوسط لسيطرة كييفو وتفوقه البدني
والتكتيكي.
====================
ما سبق من أخطاء شهدتها
مسيرة كونتي مع اليوفنتوس لا تقلل أبدًا من العمل والجهد الكبير الذي قام
به المدرب ومساهمته الجادة في إعادة الهيبة لليوفنتوس ووضعه على بداية طريق
العودة للأمجاد والبطولات ... هي أخطاء موجودة أو مثلها في مسيرة كل مدرب
حتى الكبار منهم، ووجودها في اليوفنتوس طبيعية للغاية مع الموسم الأول
لكونتي ومجموعة لاعبيه لكن مع هذا وجب رصدها لإظهار الأسباب التي أدت
لتراجع أداء الفريق في الفترة الأخيرة وهو تراجع لا يعني بالتأكيد أن
الفريق فقد فرصة المنافسة على الاسكوديتو بل هو في قلب المنافسة وقد يواصل
حتى النهاية وقد يُتوج باللقب.