هل يجب على الرجل ستر كتفه أثناء الصلاة؟ وهل الصلاة بكتف عارٍ حلال أم حرام؟ سؤال
السؤال: هل يجب على الرجل ستر كتفه أثناء
الصلاة ؟ وهل الصلاة بكتف عارٍ حلال أم حرام؟
الجواب :
الحمد لله
اتفق
الفقهاء على وجوب ستر العورة في الصلاة ، وعورة الرجل ما بين سرته وركبته ،
وبعضهم يدخل السرة والركبة في العورة .
واختلفوا في وجوب ستر العاتق ،
وهو ما بين الكتف والعنق ، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب ، وذهب الحنابلة
إلى أنه واجب في صلاة الفرض خاصة ، ولا تصح الصلاة إلا به.
واستدل
الجمهور بما روى البخاري (361) ومسلم (3010) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ : سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، فَقَالَ : خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ
أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ ، فَاشْتَمَلْتُ
بِهِ ، وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : مَا
السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي ، فَلَمَّا فَرَغْتُ
قَالَ : مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ ؟ قُلْتُ : كَانَ ثَوْبٌ
، يَعْنِي ضَاقَ . قَالَ : ( فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ،
وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ ).
والاشتمال : الالتفاف بالثوب .
والسُّرى
: السير في الليل ، والمراد سؤاله عن سبب مجيئه في ذلك الوقت .
واحتج
الحنابلة بما روى البخاري (359) ومسلم (516) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى
عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ).
وحمله الجمهور على الاستحباب جمعاً بين الأدلة .
قال
النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( لَا يُصَلِّي أَحَدكُمْ فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ عَلَى
عَاتِقه مِنْهُ شَيْء ) قَالَ الْعُلَمَاء : حِكْمَته أَنَّهُ إِذَا
ائْتَزَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء لَمْ يُؤْمِن
أَنْ تَنْكَشِف عَوْرَته بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَ بَعْضه عَلَى عَاتِقه ,
وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاج إِلَى إِمْسَاكه بِيَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ
فَيَشْغَل بِذَلِكَ , وَتَفُوتهُ سُنَّة وُضِعَ الْيَد الْيُمْنَى عَلَى
الْبَدَن وَمَوْضِع الْيُسْرَى تَحْت صَدْره , وَرَفْعهمَا حَيْثُ شُرِعَ
الرَّفْع , وَغَيْر ذَلِكَ , لِأَنَّ فِيهِ تَرْك سَتْر أَعْلَى الْبَدَن
وَمَوْضِع الزِّينَة وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { خُذُوا زِينَتكُمْ
}. ثُمَّ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمْ اللَّه
تَعَالَى وَالْجُمْهُور : هَذَا النَّهْي لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ,
فَلَوْ صَلَّى فِي ثَوْب وَاحِد سَاتِر لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقه
مِنْهُ شَيْء صَحَّتْ صَلَاته مَعَ الْكَرَاهَة , سَوَاء قَدَرَ عَلَى
شَيْء يَجْعَلهُ عَلَى عَاتِقه أَمْ لَا .
وَقَالَ أَحْمَد وَبَعْض
السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه : لَا تَصِحّ صَلَاته إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْع
شَيْء عَلَى عَاتِقه إِلَّا بِوَضْعِهِ ؛ لِظَاهِرِ الْحَدِيث . وَعَنْ
أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى رِوَايَة أَنَّهُ تَصِحّ
صَلَاته , وَلَكِنْ يَأْثَم بِتَرْكِهِ .
وَحُجَّة الْجُمْهُور قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :
" فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ , وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا
فَأْتَزِرْ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي آخِر
الْكِتَاب فِي حَدِيثه الطَّوِيل " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله في شرح "زاد المستقنع" : " والتفريق بين الفرضِ والنَّفلِ مخالفٌ
لظاهرِ الحديث. ثم إن المؤلَّف يقول : «مع أحد عاتقيه»، والحديث يدلُّ على
سَتْرِ العَاتقين جميعاً ، وما قاله المؤلِّفُ هو المشهور من المذهب .
والقول
الثاني: أنَّ سَتْرَ العاتقين سُنَّة؛ وليس بواجب؛ لا فرق بين الفرضِ
والنَّفلِ ؛ لحديث: (إنْ كان ضيِّقاً فاتَّزِرْ به) ، وهذا القول هو
الرَّاجح ، وهو مذهب الجمهور . وكونه لا بُدَّ أن يكون على العاتقين شيء من
الثَّوب ليس من أجل أن العاتقين عورة ، بل من أجل تمام اللباس وشدِّ
الإزار ؛ لأنه إذا لم تشدَّه على عاتقيك ربما ينسلخُ ويسقطُ ، فيكون ستر
العاتقين هنا مراداً لغيره لا مراداً لذاته " انتهى من "الشرح الممتع"
(2/168).
وينظر : "المغني" (1/338)، و "المجموع" (3/180).
والحاصل :
أنه لا يجب على الرجل ستر كتفه ولا عاتقه في الصلاة ، ولكن يستحب ذلك تزينا
وتجملا وتعظيما للصلاة وللوقوف بين يدي ربه جل وعلا ، فإن صلى عاري
الكتفين أو العاتقين صحت صلاته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب