تفسير سورة الأعراف ( متسلسل ) تفسير سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
(المص) لقد سبق تفسير الألف ومعناه إقرأ ، واللام ومعناه للناس ، والميم
معناه محمّد والصاد معناه الصادق أو الصدّيق ، فيكون المعنى إقرأ للناس يا
محمّد الصدّيق (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) أي إقرأ هذا الكتاب الذي أنزل
إليك (فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ) في تقصير يقع منك أو نسيان
، كان النبيّ يحدّث نفسه فيقول أخاف أن أكون مقصّراً في تأدية الرسالة أو
أهمل بعض الواجبات في وقتها أو أنسى أخرى فأكون مسؤولاً عند الله على
تقصيري . وبذلك كان يضيق صدره فخاطبه الله تعالى بهذه الآية (فَلاَ يَكُن
فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ) أي فلا يكن في صدرك ضيق من ذلك ، فلا نكلّفك
أكثر من طاقتك ، ولم ننزله لنؤاخذك به بل (لِتُنذِرَ بِهِ) الكافرين
والمشركين (وَذِكْرَى) أي موعظة (لِلْمُؤْمِنِينَ) يتّعظون به .
6 – (فَلَنَسْأَلَنَّ) الأمم (الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) رسول ، وذلك
يوم القيامة ويكون سؤال الكافرين منهم سؤال توبيخ وتقريع ، وأمّا المؤمنون
منهم فيسئلون سؤال محاكمة (وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) أيضاً فنقول
لهم ماذا أجاب قومكم بعد التبليغ والإنذار ، فيقولون لا علم لنا بذلك وأنت
أعلم بهم منّا . ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة المائدة {يَوْمَ
يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ
عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} .
7 – (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم) أي على الرسل أخبار قومهم وما فعلوه بعدهم
من تغيير أديانهم وتبديل أحكامها وعن أعمالهم السيّئة لكي لا يتشفّعوا لهم
. روي عن النبيّ أنّه قال يؤتى بقوم من أمّتي فيدخلونهم جهنّم ، فأقول يا
ربّ أمّتي أمّتي ، فيقول إنّك لا تدري ما صنعوا بعدك . وقوله (بِعِلْمٍ)
أي عالِمين بِهم وبأفعالهم وأقوالهم علم شاهد (وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ)
عنهم بل ملائكتنا حاضرة عندهم تكتب أعمالهم وتحصي أقوالهم فلا تتشفّعوا
لهم .
8 – (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) أي العدل لا ظلم فيه ، والوزن هو
المحاكمة ، والميزان قانون الحكم ، وجمعها موازين والشاهد على ذلك قول
امرئ القيس :
تلكَ الموازينُ والرحمانُ أنزَلَها ربّ البريّةِ بينَ الناسِ مقياسا
يريد بذلك الكتب السماوية وما فيها من أحكام وقوانين تشريعية ، وقال الآخر :
قومٌ إذا استُخصِموا كانوا فراعنةً يوماً وإنْ حكموا كانوا موازينا
(فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) يعني فمن طالت محاكمتُه (فَأُوْلَـئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بدخول الجنّة والخلاص من جهنّم (وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ) يعني قصرت محاكمته ، لأنّ الكافرين لا يُحاكمون بل يُسئلون
سؤال توبيخ وتقريع (فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا
كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ) فهم باقون في جهنّم لا يخرجون منها .
16 – (قَالَ) إبليس (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) بتقريبي منك وجعلتني رئيساً
على الملائكة فظننت أنّك لا تطردني من منزلتي إن أنا لم أمتثل بعض أوامرك ،
فهذا معنى أغويتني ، فإنّ الله تعالى لا يغوي أحداً ولكنّ إبليس أخذه
الغرور بمنزلته فأغواه جهله بعواقب الأمور وأوقعه تكبّره في المعصية ,
وقوله (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) فأصدّهم عنه ، يعني
أصدّهم عن الدين المستقيم الذي يوصلهم إليك .
فيجب على الإنسان أن لا يقع في هاتين الخصلتين ويتجنّبهما على الدوام
لئلاّ يقع في الهاوية كما وقع إبليس ، والخصلتان هما الغرور والتكبّر .