تفسير النساء ( 15 )
81 – (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين لَمّا أمرهم النبيّ بالاستعداد للقتال
(طَاعَةٌ) لك يا محمّد (فَإِذَا بَرَزُواْ) أي خرجوا (بَيَّتَ طَآئِفَةٌ
مِّنْهُمْ) يعني من المنافقين تشاوروا وتآمروا وقت المبيت يعني ليلاً
(غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) يعني بيّتوا قولاً غير قولهم طاعة بل هو عصيان
(وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) يعني ملائكته يكتبون وذلك بأمره
وسيجازيهم على أفعالهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمّد ولاتنتظرهم بل سافر
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) فإنّ الله سينصرك على أعدائك (وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً) لِمن يتوكّل عليه ، يعني أنّ الله سيكفي أمر من توكّل
عليه .
83 – (وَإِذَا جَاءهُمْ) أي المنافقين (أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ) أي من جهة
الأمن ، يعني من المدينة (أَوِ) من جهة (الْخَوْفِ) يعني من جهة الحرب ،
فالأمر من جهة الأمن يكون من النبيّ والأمر من جهة الخوف يكون من قائد
الجيش ، وذلك بان يرسل قائد الجيش أحدهم إلى المدينة ليرسل لهم النبيّ نجدة
أو أسلحة أو غير ذلك فإذا ذهب ذلك الرجل إلى المدينة أفشى الخبر وأذاع به
قبل وصوله إلى النبيّ ، وذلك قوله (أَذَاعُواْ بِهِ) أي أفشوه (وَلَوْ
رَدُّوهُ) أي ردّوا الجواب إلى قائد الجيش أو إلى النبيّ ، وذلك قوله
(إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) أي إلى قادتهم
(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي من أمرائهم وقادتهم ،
يعني لفهموا الجواب وعملوا بالصواب ولكنّ المنافقين يفشون أسرارهم
(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ) أيّها المسلمون بأن هداكم للإسلام
(وَرَحْمَتُهُ) بأن نصركم على أعدائكم وألقى الرعب في قلوبهم
(لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ) في أكثر الأمور (إِلاَّ قَلِيلاً) منها .
87 – (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ1 لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في البرزخ وأنتم
أرواح (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ثمّ يفصل بينكم فمنكم إلى الجنّة ومنكم
إلى النار (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في يوم القيامة لأنّ المادّيات
صائرة إلى الخراب ، والمجموعة الشمسيّة إذا انتهت حياتها لا شكّ أنّها
تتمزّق وتتبعثر وذلك اليوم هو يوم القيامة (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ
حَدِيثًا) فذلك كائن لا محالة .
-----------------------------------------------------
1 [ويقابل هذه الآية الكريمة في التوراة "إلهنا يهوه , يهوه واحد" "إلهنا ربّ واحد" – المراجع]
88 – قدم المدينة جماعة من المشركين ليختبروا المسلمين ويفحصوا دينهم
فيسلموا إن حكموا بصحّة دينهم وإلاّ رجعوا إلى مكّة وإلى دينهم القديم ،
ولَمّا وصلوا المدينة أظهروا إسلامهم وبعد أيام قالوا نذهب إلى مكّة كي
نحمل أثاثنا وأمتعتنا ونرجع إليكم . ولَمّا ذهبوا إلى مكّة أقاموا فيها ولم
يرجعوا إلى المدينة فاختلف المسلمون في أمرهم فقال بعضهم أنّهم ارتدّوا
عن الإسلام ولن يعودوا ، وقال آخرون أنّهم أسلموا ولكن شغلهم أمر فأبطأوا
وسيعودون عن قريب فلنرسل إليهم رجلاً يدعوهم الإسراع بالعودة إلينا .
فنزلت هذه الآية (فَمَا لَكُمْ) أيّها المسلمون (فِي) أمر
(الْمُنَافِقِينَ) صرتم (فِئَتَيْنِ) فئة تحكم بكفرهم وفئة تحكم بإسلامهم
فلو كانوا مسلمين لرجعوا إليكم ولكنّهم كافرون فلا تحكموا بإسلامهم
(وَاللّهُ أَرْكَسَهُم) أي أغرقهم بذنوبهم وغيّهم (بِمَا كَسَبُواْ) من
الظلم والآثام ، أي بسبب ظلمهم للناس وما اقترفوا من الآثام
(أَتُرِيدُونَ) أيّها المسلمون (أَن تَهْدُواْ) إلى الإسلام وتدعوا إليه
(مَنْ أَضَلَّ اللّهُ) أي من أضلّه الله بسبب ظلمه (وَمَن يُضْلِلِ
اللّهُ) أي ومن يضلّه الله عن طريق الحقّ (فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي
طريقاً إلى النجاة والهداية .