آل عمران ( 16 ) 75
– (إِنَّمَا ذَلِكُمُ) إشارة إلى أبي سفيان ، وضمير الميم يعود للمسلمين ،
والمعنى إنّما ذلك الشيطان الذي هو عدوّ لكم فلا تخافوه إنّما هو
(الشَّيْطَانُ) فهو شيطان الإنس وهو العدوّ اللدود للنبيّ في ذلك الوقت
وهو سبب تلك الحروب التي وقعت بين المسلمين والمشركين فهو (يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءهُ) أي يخوّف من تولاّه من المشركين بأن يقول لهم إن لم تقاتلوا
محمّداً وتنصروا آلهتكم فإنّها لا تشفع لكم عند الله (فَلاَ
تَخَافُوهُمْ) أيّها المسلمون ، أي لا تخافوا أولياء الشيطان لأنّ الله
ينصركم عليهم (وَخَافُونِ) باتّباع نبيّكم (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) كما
ينبغي .
179 – بعد وقعة أحد بمدّة وجيزة سأل النبيّ من الله واستشاره في غزوة بني
الأسد هل ينتصر عليهم , فنزل جبرائيل وقال توكّل على الله وهو ناصرك عليهم
. فجاء النبيّ وأخبر أصحابه بذلك ، فلمّا سمِعوا ذلك قال بعضهم لو أخبرنا
عن أسماء الذين يُقتَلون في هذه الغزوة ، وقال آخرون إنّا نتخلّف عن
الذهاب معه وقال آخرون لو تركنا قاعدين في ديارنا زمناً فقد أتعبَنا
القتال . فنزلت هذه الآية (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ) أي ليترك
(الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ) من القعود في دياركم
(حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) بالجهاد في سبيله (وَمَا
كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) فيخبركم بأنّ فلاناً يُقتل
في هذه الغزوة وفلاناً يُقتل لأنّ ذلك يضعف من عزيمته فيستسلم للقتل دون
أن يقاتل (وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي) أي يختار (مِن رُّسُلِهِ مَن
يَشَاء) فيخبره ببعض مغيّباته ، ولا يصحّ أن يخبركم الرسول بِمن سيُقتَل
في هذه الغزوة لأنّ ذلك يضعف من قوّتكم ويحطّ من عزيمتكم (فَآمِنُواْ
بِاللّهِ وَرسُولِهِ) ولا تعترضوا أمرهما (وَإِن تُؤْمِنُواْ) بِما قال
لكم رسول الله من أمر الغزوة (وَتَتَّقُواْ) في ذلك التخلّف عنه وتذهبوا
معه لنصرته (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) عند الله .
181 – كتب النبيّ مع أبي بكر إلى يهود قينقاع يدعوهم إلى دين الإسلام ،
فدخل أبو بكر بيت مدراسهم فوجد ناساً كثيرين منهم اجتمعوا إلى رجل منهم
يقال له فنحاص بن عازور ، فدعاهم إلى دين الإسلام فقال فنحاص إنّ الله عهد
إلينا أن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربانٍ تأكله النار فهل يستطيع محمّد
أن يفعل ذلك ؟ قال أبو بكر لا أعلم ، قال فنحاص هل عنده كتاب ؟ قال نعم ،
قال اقرأ عليّ منه ، فقرأ أبو بكر بعض آيات من القرآن حتّى وصل إلى قوله
تعالى في سورة البقرة {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} ، فقال فنحاص إذاً الله فقير
ونحن أغنياء فهو يستقرض منّا . وأخذوا يضحكون ، فغضب أبو بكر وضرب وجه
فنحاص وخرج وعاد إلى النبيّ وأخبره بذلك . فنزلت هذه الآية (لَّقَدْ سَمِعَ
اللّهُ قَوْلَ) اليهود (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ
وَنَحْنُ أَغْنِيَاء) ولذلك يستقرض منّا ، فتوعّدهم الله بالعذاب على
قولهم فقال (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ) أي ستكتب الملائكة قولهم هذا في
صحائف أعمالهم وسوف نعاقبهم عليه يوم القيامة وليس هذا القول منهم بغريب
فقد قال أسلافهم أكبر من هذا القول لموسى أرِنا الله جهرة ، وقالوا اذهب
أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . (وَ) كذلك (قَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء
بِغَيْرِ حَقٍّ) أي بغير ذنب ، فسوف ندخل هؤلاء المجرمين جهنّم
(وَنَقُولُ) لهم في ذلك الحين (ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ) أي المحرق .