تفسير النساء ( 6 )
33 – (وَلِكُلٍّ) من الرجال والنساء (جَعَلْنَا مَوَالِيَ) مفردها مولى ،
وهو الذي يتولّى أمرك ويقوم بإدارة شؤونك ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل
عمران {بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} . يعني
سيّدكم والذي يقوم برعايتكم , ومِمّا يؤيّد هذا قول زكريّافي سورة مريم
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي} أي خفت من تكون له الولاية
على الحكم من بعدي . والمعنى جعلنا لكلٍّ من الرجال والنساء ولايةً ورعايةً
على حصصهم وأملاكهم من الميراث (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ) من المال .
ثمّ أوصى سبحانه في المماليك بأن يعطوهم حقّهم إذا استعملوهم في تجارة
أو صنعة أو حرفة فقال (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) من العبيد
(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من المال الذي اكتسبوه ، والمعنى والذين تعاقدتم
معهم على تجارة يتاجرون بِها لكم أو حرفة أو عمل أوصنعة يشتغلون بِها
ويأتونكم بالمال الذي يحصلون عليه فآتوهم نصيبهم منه كما تعاقدتم معهم ،
فأن تعاقدتم معهم بالمناصفة فأعطوهم نصف الربح من التجارة ونصف المال من
عملهم إن عملوا ولا تنقصوهم من حقّهم شيئاً (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) أي حاضراً يسمع ويرى فيعاقبكم في الآخرة إن لم
تعطوهم نصيبهم .
فالمعاقدة هي المعاهدة والمكاتبة ، ونظيرها في سورة النور قوله
تعالى{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} .
36 – (وَاعْبُدُواْ اللّهَ) وحده (وَلاَ تُشْرِكُواْ) في العبادة (بِهِ
شَيْئًا) من المخلوقين والمخلوقات فلا تعبدوا الملائكة ولا الأنبياء ولا
الأئمة ولا المشايخ ولا القبور بل اجعلوا أعمالكم خالصة لوجه الله (وَ)
أحسنوا (بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) بالقول والعمل (وَبِذِي الْقُرْبَى)
أي الأقرباء (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)
أي جارك القريب منك في الجوار يعني الذي داره أمام دارك (وَالْجَارِ
الْجُنُبِ) اي جارك الذي عن جنبك يعني عن يمينك وعن شمالك أحسِن إليه أيضاً
(وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) يعني رفيقك في سفرك والعامل في معملك والحارث
في زرعك والفلاّح في بستانك والراعي في غنمك وغير ذلك مِمّن يعمل عندك
(وَابْنِ السَّبِيلِ) أي المسافر ، يعني الغريب المنقطع يجب عليك أن تحسن
إليه وتكرمه ، وكذلك الضيف فإنه مسافر عن أهله فيجب عليك أن تكرمه وتحسن
إليه ، ومدّة الضيافة ثلاثة أيام وبعدها يأكل صدقة (وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ) من المماليك والعبيد والخدم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن
كَانَ مُخْتَالاً) أي متكبّراً على العمّال والخدم وغيرهم (فَخُورًا) على
الناس بِما أوتي من المال .
43 – جلس اثنان من الصحابة في المسجد يتحدّثان ليلاً وكان أحدهما نعساناً ،
فجاء رجل آخر وأخذ يصلّي قريباً منهما فقرأ في صلاته {قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ} ، فقال الجالس لرفيقه النعسان هل تحفظ هذه السورة ؟ فقال
نعم ، وأخذ يقرأ يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون . فنزلت هذه الآية (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ
سُكَارَى) من النعاس ، والمعنى لا تجلسوا في المساجد قرب المصلّين وأنتم
سكارى من شدّة النعاس (حَتَّىَ) معناها كي (تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) أي
كي تعلموا ما تقرؤون . فقد روي عن عائشة عن النبيّ أنّه قال : إذا نعس
أحدكم وهو يصلّي فلينصرف لعلّه يدعو على نفسه وهو لا يدري . فالنعسان
كالسكران ، وقد يكون الإنسان سكرانا من الهموم أو العذاب ، فقد قال الله
تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}1 ، (وَلاَ) تجلسوا في المساجد (جُنُبًا
إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) فلا بأس من ذلك ، يعني إلاّ إذا كان المسجد له
بابان وأراد أحدكم أن يعبر الطريق فيدخل من هذه الباب ويخرج من الأخرى وهو
مجنب فلا بأس عليه ، أمّا الجلوس في المسجد فلا يجوز لِمن كان مجنباً
(حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) بالماء من حدث الجنابة فحينئذٍ لا بأس عليكم من
الجلوس في المساجد .
ثمّ بيّن سبحانه الحكم في ذلك عند فقدان الماء وحكم المريض الذي يضرّه
الماء فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) في مرض يضرّه الماء (أَوْ عَلَى
سَفَرٍ) أي مسافرين ولم تجدوا ماءً (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن
الْغَآئِطِ) أي من التغوّط وهو كناية عن قضاء الحاجة (أَوْ لاَمَسْتُمُ
النِّسَاء) المراد به الجماع (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء) لتغتسلوا وتتطهّروا
(فَتَيَمَّمُواْ) أي فاقصدوا (صَعِيدًا طَيِّبًا) أي طاهراً من الأقذار ،
والصعيد وجه الأرض ، يعني المكان المرتفع قليلاً (فَامْسَحُواْ
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) من ترابه ، وذلك بأن تبسط كفّيك وتضرب التراب
مرّةً وتمسح بِها وجهك وضربة ثانية تمسح بِها يديك إلى المرفقين (إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَفُوًّا) بالترخيص لكم والتيسير (غَفُورًا) عن الخطأ
والتقصير . وعند حضور الماء يبطل التيمّم إلاّ المريض الذي يضرّه الماء ،
وإذا كنت جنباً وجلست [: أي استيقظت من نومك] متأخّراً وقد ضايقك الوقت
لصلاة الصبح وكان الوقت شتاءً فلا تغتسل بالماء البارد فتعرّض نفسك للمرض
فتوضّأ وصلِّ قبل فوات الوقت ثمّ سخّن الماء واغتسل عن الجنابة ، وإذا كان
في وجهك جرح يضرّه الماء فتيمّم وصلِّ وإذا كان الجرح في إحدى يديك أو
رجليك فتوضّأ وامسح فوق الضماد الذي على الجرح وصلِّ .
------------------------------
[1 جعل المفسّرون ينصّون على أنّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً ولم يفطنوا
لمعنى النسخ إلاّ المؤلّف نفسه فنصّ على عدم وجود الناسخ والمنسوخ ، بينما
كان تفسيرهم تفسيراً لا ترتضيه العقول ولا تتقبّله النفوس ، ومن ذلك هذه
الآية التي كانوا قد زعموا أنّها أوّل آية حرّمت الخمر تدريجياً والحقيقة
أنّ السكر كان من النعاس لا من الخمر الذي زعموا ، وبذلك يكون المؤلّف أوّل
من أفحم أهل الكتاب في زعمهم أنّ توراتهم وإنجيلهم مثبتان بينما القرآن
فيه منسوخ . فليس القرآن إلاّ مثبَتاً جميعه –
المراجع]