سورة النساء ( 11 )
79 – كان النبيّ يملك جبّة فأتاه رجل يلتمس منه رداءً فخلع النبيّ جبّته
وأعطاها له فأصابه البرد ، وكان يوماً عنده ثلاثة أرغفة من الخبز فجاءه
سائل فأعطاه الخبز كلّه وبقي مع أهله بلا غذاء فأصابته خصاصة ، فنزلت هذه
الآية (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أي من نعمة (فَمِنَ اللّهِ) أنعم
بِها عليك (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ) يعني من برد ومجاعة (فَمِن
نَّفْسِكَ) لأنّك أعطيت جبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد ثمّ أعطيت
خبزك كلّه للسائل فأصابتك خصاصة . وذلك قوله تعالى في سورة الحشر
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي مجاعة
(وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ليقتدوا بك ويتعلّموا منك فلا تعطِ
كلّ ما عندك فتعرّض نفسك للمرض (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) على أعمالك
وحسن أخلاقك ، أي كفى بالله مراقباً لأعمالك وحسن فعالك .
80 – قال النبيّ لأصحابه سنذهب بعد بضعة أيام إلى قتال المشركين فاستعدّوا
لهم . فقالوا سمعاً وطاعة . فأخذ المؤمنون يستعدّون أمّا المنافقون فإنّهم
اجتمعوا ليلاً وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : قولوا للنبيّ انتظرنا شهراً
واحداً كي نقضي أشغالنا ثمّ نخرج جميعاً ، فإنّه سيتركنا ويذهب بمن معه ،
فلمّا سمع النبيّ كلامهم اغتمّ لذلك فنزلت هذه الآية تسليةً للنبيّ (مَّنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ) ويستعدّ للقتال (فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) لأنّ الرسول
يعمل بأمر الله (وَمَن تَوَلَّى) عنه ولم يخرج للقتال فإنّ الله سيعاقبه
فلا يهمّك تخلّفه (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ) يا محمّد (عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) أي
تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها فإنّ الملائكة تحفظ أعمالهم وسنجازيهم
عليها يوم القيامة فلا تغتمّ لذلك .
81 – (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين لَمّا أمرهم النبيّ بالاستعداد للقتال
(طَاعَةٌ) لك يا محمّد (فَإِذَا بَرَزُواْ) أي خرجوا (بَيَّتَ طَآئِفَةٌ
مِّنْهُمْ) يعني من المنافقين تشاوروا وتآمروا وقت المبيت يعني ليلاً
(غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) يعني بيّتوا قولاً غير قولهم طاعة بل هو عصيان
(وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) يعني ملائكته يكتبون وذلك بأمره
وسيجازيهم على أفعالهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمّد ولاتنتظرهم بل سافر
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) فإنّ الله سينصرك على أعدائك (وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً) لِمن يتوكّل عليه ، يعني أنّ الله سيكفي أمر من توكّل
عليه .
83 – (وَإِذَا جَاءهُمْ) أي المنافقين (أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ) أي من جهة
الأمن ، يعني من المدينة (أَوِ) من جهة (الْخَوْفِ) يعني من جهة الحرب ،
فالأمر من جهة الأمن يكون من النبيّ والأمر من جهة الخوف يكون من قائد
الجيش ، وذلك بان يرسل قائد الجيش أحدهم إلى المدينة ليرسل لهم النبيّ نجدة
أو أسلحة أو غير ذلك فإذا ذهب ذلك الرجل إلى المدينة أفشى الخبر وأذاع به
قبل وصوله إلى النبيّ ، وذلك قوله (أَذَاعُواْ بِهِ) أي أفشوه (وَلَوْ
رَدُّوهُ) أي ردّوا الجواب إلى قائد الجيش أو إلى النبيّ ، وذلك قوله
(إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) أي إلى قادتهم
(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي من أمرائهم وقادتهم ،
يعني لفهموا الجواب وعملوا بالصواب ولكنّ المنافقين يفشون أسرارهم
(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ) أيّها المسلمون بأن هداكم للإسلام
(وَرَحْمَتُهُ) بأن نصركم على أعدائكم وألقى الرعب في قلوبهم
(لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ) في أكثر الأمور (إِلاَّ قَلِيلاً) منها .
87 – (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ1 لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في البرزخ وأنتم
أرواح (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ثمّ يفصل بينكم فمنكم إلى الجنّة ومنكم
إلى النار (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في يوم القيامة لأنّ المادّيات
صائرة إلى الخراب ، والمجموعة الشمسيّة إذا انتهت حياتها لا شكّ أنّها
تتمزّق وتتبعثر وذلك اليوم هو يوم القيامة (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ
حَدِيثًا) فذلك كائن لا محالة .
-----------------------------------------------------
1 [ويقابل هذه الآية الكريمة في التوراة "إلهنا يهوه , يهوه واحد" "إلهنا ربّ واحد" – المراجع]