عقاب ابليس يوم القيامة الحمد لله
أولاً :
أمَّا أن إبليس سيدخل جهنم خالداً فيها : فهذا مما لا شك فيه ، وقد ذكر الله تعالى مصيره في الآخرة في عدة آيات ، ومنها :
1.
قال تعالى : ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ...
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأعراف/12– 18 .
قال الطبري :
وهذا
قسم من الله جلّ ثناؤه ، أقسم أن من اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس
وأطاعه : أن يملأ جهنم من جميعهم يعني : من كفرة بني آدم أتباع إبليس ، ومن
إبليس وذرّيته " انتهى باختصار وتصرف يسير .
"تفسير الطبري" (8/139) .
2.
وقال تعالى : ( قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ
السَّاجِدِينَ ... إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا
مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ
أَجْمَعِينَ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ
مَقْسُومٌ ) الحجر/32– 44 .
قال الشنقيطي رحمه الله :
وكل
آية فيها ذِكر إضلال إبليس لبني آدم بيَّن فيها أن إبليس وجميع من تبعه
كلهم في النار كما قال هنا : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ
أَجْمَعِينَ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ) .
"أضواء البيان" (3/131) .
3.
وقال تعالى : ( قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص/84، 85 .
4.
وقال تعالى حاكياً قول الجن : ( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا
الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً . وَأَمَّا
الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) الجن/14، 15 .
ثانياً :
أما كيف يعذَّب إبليس في النار وقد خُلق من النار : فالجواب عنه :
أنه لا يلزم من كون الجن خلقوا من نار أن يكونوا الآن ناراً ، كما أن الإنس خلقوا من تراب وليسوا الآن تراباً .
قال أبو الوفاء بن عقيل :
"
أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين
والفخار ، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين ، وليس الآدمي طيناً
حقيقة ، لكنه كان طيناً ، كذلك الجان كان ناراً في الأصل " انتهى .
"لقط المرجان في أحكام الجان" (ص 33) بواسطة "عالم الجن والشياطين" (ص 58) .
وإذا
كان الإنس خلقوا من تراب وقليل منه يؤذيهم ، وإن دفنوا تحته ماتوا ، وإن
ضربوا به (الفخار مثلا) جرحوا أو ماتوا ، فكذلك ليس غريباً أن يكون الجن قد
خلقوا من النار ، ويعذبون بنار جهنم .
والجن خلقهم الله تعالى من نار ، ولكنهم ليسوا الآن ناراً ، والأدلة على ذلك كثيرة ، منها :
1.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه
الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حتى
وجدت برد لسانه على يدي ، ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح موثقا
حتى يراه الناس ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" ( 6 / 442 ) ، وصححه ابن
حبان ( 6 / 115 ) .
2. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ثم قال : ألعنك
بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا :
يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك
ورأيناك بسطت يدك ، قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في
وجهي فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة
فلم يستأخر ، ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان
لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة . رواه مسلم ( 542 ) .
فمن
هذين الحديثين يتبين لنا أن الجن الآن ليسوا ناراً ؛ ويدل على ذلك : ما
وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم من برد لسان الشيطان ، كما في الحديث
الأول ، وأن الشيطان لو كان باقيًا على ناريته ما احتاج أن يأتي بشهاب
ليجعله في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما استطاع الولدان أن يلعبوا
به .
3. ومن الأدلة – كذلك - : قول النبي صلى الله عليه وسلم : (
إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) رواه البخاري ( 1933 ) ومسلم (
2175 ) .
ولو كان الشيطان ناراً لاحترق الإنسان ؛ لأن الشيطان داخله ، فتبين الفرق بين كون الشيطان ناراً وكونه مخلوقاً من نار .
ولو
كان الشيطان ناراً الآن –على سبيل الفرض- وأراد الله أن يعذبه بنار جهنم ،
فإن الله تعالى على كل شيء قدير ، ولا يعجزه شيء سبحانه وتعالى .
والله أعلم .