أصل مقولة (إكرام الميت دفنه) في الدين ما أصل مقولة (إكرام الميت دفنه) في الدين؟. وجزاكم الله خيراً.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد هذا النص في كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس: قال في المقاصد الحسنة: لم أقف عليه مرفوعاً، وإنما أخرجه ابن أبي الدنيا.
وقد ورد كذلك في شرح مختصر خليل المالكي للخرشي قال: قال بعض علمائنا: إن إكرام الميت دفنه. المصدر: إسلام ويب، موسوعة الفتاوى
إذاً هذا قول بعض العلماء وليس حديثاً ولم يرد في أي كتاب من كتب الحديث الصحيحة فمن أين جاؤوا بهذا القول المقطوع فالأحداث والوقائع العملية تثبت نفي هذه المقولة.
قصة حقيقية عن وفاة صلاح قابيل:
عندما توقف قلب صلاح قابيل عن العمل حسبه أهله ميتاً فدفنوه، بعد التشخيص الخاطئ بموته وبعد فترة من دفنه اكتشفوا عند إعادة فتح القبر بأنه يجلس القرفصاء ورأسه بين يديه ما يؤكد قيامه بمحاولات يائسة لفتح القبر الذي سدّ كالعادة في تلك المقابر بحجر ثقيل.
إذاً مات صلاح قابيل في القبر وليس خارجه.
كما ورد في جريدة الرياض:
كم رجلاً - تعرف - دفن حياً!؟. للكاتب: فهد عامر الأحمدي
في كل يوم يدفن 35 شخصاً حياً بسبب اعتقاد الأطباء «أو حتى الأهل» بأنهم ماتوا فعلاً.. وهذا الأمر لا يحدث في موزمبيق أو السنغال أو ساحل العاج بل في الولايات المتحدة التي تتمتع بأفضل الكوادر الطبية في العالم. وحسب ما ذكرته صحيفة ذا أدفوكيت في لويزيانا «في 27 مايو 2005» هناك شخص من بين كل خمسين يدفن حياً على مستوى البلاد.
وهذا الرقم استخرجته الصحيفة اعتماداً على معدل الأخطاء المشابهة «التي تم اكتشافها في آخر لحظة» ضمن متوسط حالات الوفاة اليومية في كامل الولايات.. وتعترف الصحيفة أنها توسعت في هذا الموضوع بعد رسالة استلمتها من رجل يدعى مارك فولنجويث عمل في مجال الدفن طوال أربعين عاماً. وخلال هذه الفترة شاهد -على حد قولها- حالات كثيرة استفاق فيها الميت قبل دفنه بفترة بسيطة.
وعاماً بعد عام أصبح على قناعة بأن «عدداً أكبر من المرضى» دفنوا أحياء بدون أن يدري بهم أحد.. ويعود جزء كبير من المشكلة إلى التسرع في إعلان الوفاة بناء على مظاهر مرتبطة بالموت «كتوقف القلب لفترة قياسية أو التنفس لفترة طويلة».. ولكن حتى في هذه الحالة قد يظل المرء في حالة «وفاة سريرية» بحيث تبقى أعضاؤه الأخرى حية. وحين يعود القلب للخفقان -والرئتان للعمل- تتجاوب معهما بقية الأعضاء فيستيقظ الميت وسط ذهول الجميع!!.
ورغم عدم فهمنا الدقيق لكيفية عودة القلب للخفقان بعد التوقف؛ إلا أنها حالة منتشرة ويعرفها الأطباء جيداً. وهناك طبيب يدعى سام بارنيا أجرى دراسة مطولة حول هذا الموضوع فاكتشف أن عشرة بالمئة من الموتى يصلون إلى حدود الموت الحقيقي ثم يعودون مجدداً (حسب عدد يناير 2003 من مجلة (New Dawn. وفي عام 2001 قام الدكتور بم لمل بدراسة 334 مريضاً مروا بهذه التجربة في مستشفيات هولندا واكتشف أن 18٪ منهم ماتوا سريرياً ثم عادوا للحياة مرة أخرى «حسب عدد أكتوبر 2003 من مجلة The Lancet الطبية»!.
هذه التقارير الغريبة تساندها حوادث كثيرة «نقرأ عنها بين الحين والآخر» حول أشخاص عادوا للحياة بعد وفاتهم.. ولو عدنا لتراث الشعوب لوجدنا كماً هائلاً من القصص والحوادث التي تصب في هذا الجانب؛ ففي روما مثلاً لا يتم دفن البابا قبل ثلاثة أيام من وفاته خشية أن يدفن حياً كما حصل لأحد البابوات في القرن الرابع عشر. وفي تراثنا الإسلامي يكفي العودة إلى الحوادث العجيبة التي أوردها الحافظ ابن أبي الدنيا في كتابه «من عاش بعد الموت» (واستعرضت بعضها بالتفصيل في مقال قديم)!!.
أما في العصر الحديث فأعلنت نقابة الحانوتية في لندن قبل عامين أنها أنقذت منذ تأسيسها حياة 2175 شخصاً كانوا سيدفنون بالغلط.. وفي هامبورج أعلنت جمعية «المحاولة الأخيرة» أنها أنقذت حياة 107 أشخاص في الخمس سنوات الماضية فقط بفضل إبقائهم تحت المراقبة لثلاثة أيام «أخرى».. أضف لهذا هناك عدد كبير من المشاهير الذين أنقذوا من الدفن خطأً «مثل رئيس الوزراء البريطاني درزائيلي وعالم التشريح الشهير الدكتور ونسلو والزعيم الايطالي موسوليني أثناء طفولته» مما يجعلنا نتساءل عن النسبة بين «غير المشاهير»!!
..على أي حال؛ مهما قيل عن ندرة هذه الظاهرة يبقى احتمال حدوثها «حتى بنسبة واحد إلى الألف» أمراً يثير الفزع ويستحق المراقبة والاهتمام..
فائدة عظيمة جداً...
حقيقة القول:
إكرام الميت دفنه
ذلك القول الذي تداوله العامة من المسلمين دون نظر أو تدقيق أو تمحيص.
ذلك القول الذي قتل فيه الحبيب حبيبه والقريب عزيزه والأب ابنه والابن أباه...
وما ذلك بينة الخلاص منهم والتفرغ للوراثة...
إنما اعتمدوا ذلك القول الشائع بين عامة المسلمين من أنه {إكرام الميت دفنه}.
دون نظر في الشرائط التي تستوجب ذلك الإسراع في الجنازة والدفن...
فما حقيقة ذلك القول...
هل تعلم أنه قد أجمع العلماء قاطبة أنه لا يستحب المبادرة إلى دفن الميت إلا بعد أن يتحقق أنه مات، وقالوا أن مثل المطعون والمفلوج والمسبوت ينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم.
وجاء ذلك في: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: ج3، ص183. وتحفة الأحوذي في شرح صحيح مسلم لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري: ج4، ص45. وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني: 2/82. وفي نيل الأوطار لمحمد بن الشوكاني ج4، ص115.
وأن هذا القول (إكرام الميت دفنه) ليس نصاً لحديث شريف ولا لقاعدة فقهية وإنما هو قول مقتتطع من أقوال الفقهاء الذي أجمعوا على أن المراد الإسراع بتجهيز الجنازة إذا ظهرت علامات الموت الظاهرة على المتوفى كتصلب الأطراف وبرودة الموت وانتفاخ البطن.
فقد ورد في السيرة النبوية:
أن طلحة بن البراء وكان أنصاري له صحبة أصابته مصيبة الموت فعاده النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا أرى طلحة وأظنه إلا قد حدث فيه الموت ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بموته بل قال لذويه: آذنوني "أخبروني" بموت طلحة أي بظهور أثر الموت عليه للتحقق من أنه مات فلما أعلموه صلى الله عليه وسلم بظهور آثار الموت عليه قال: (لا ينبغي لجيفة مسلم "إن تحقق موتها" أن تُحبس بين ظهراني أهله). وما ذكر صلى الله عليه وسلم الجيفة هنا إلا للدلالة على ظهور علامات الموت بشكل واضح ومات حقاً ويقيناً وهنا يحبذ الإسراع في الجنازة ولكن هل يخفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة أحد أصحابه وهو الذي لم يخطئ بقتلى بدر، بل تنبَّأ بقوله الصادق نهار وقعة بدرٍ السابق، إذ عيَّن الأمكنة بالضبط، فقال: (هذا مصرع فلان من المشركين وهو يضع يده الشريفة على الأرض.. هاهنا وهاهنا) فما تزحزح أحدهم في مقتله عن موضع يده، وهو حديث متفق عليه على رواية ابن هشام ورواه مسلم فما كان تصرفه صلى الله عليه وسلم تجاه وفاة طلحة إلا ليعلّمنا أن نتحقق من وفاة متوفانا قبل دفنه حياً وذلك بظهور آثار الموت عليه... فإن تحقق موته يقام بدفنها.
كما أنه لا يستحب الإسراع بالجنازة بحيث لا ينتهي ذلك إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت خوفاً على انفجار جثته أو خروج شيء منها ونحوه أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم. وذلك كله مردّه على المتوفى الذي غدا بحال أسمع وأبصر ممن هم يحملون جنازته... بانفصال نفسه عن جسدها ولكن بفقدان الروح فقد السيطرة على جسده، بل إنه عظيم التأثر مما قد يحدث في جثته... وهذا هو الصواب الذي عليه جماهير العلماء.
فيكون سبباً في نفور أحبابه منه والإسراع للتخلص كراهة من جثته.. مما يخفف تأثرهم بالموت أو اشمئزازهم من ذكر المتوفى.. وبالتالي لا يكون في موته تلك العبرة لهم والتي ينتفع بها ذلك المتوفى في عالم البرزخ...
واستدل به بعض العلماء اجتهاداً من لدنهم لا شرعاً على أن الزوج لا يتولى غسل زوجته... ما ذلك إلا كيلا تنفصل تلك العلاقة الحبيّة الزوجية بينهما التي كان من شروط عقدها أنها إلى الأبد. وبذلك لا يراها في صورة تنفر نفسه منها...
حتى أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى استخدام الكافور لجعله مع جثة الميت.
وما الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر... أن فيه تجفيفاً وتبريداً وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك.
أما الشهداء الذين كانت نواياهم العطرة في سبيل نشر الحقّ وإنقاذ الخلق فقد قال صلى الله عليه وسلم فيهم: (زملوهم بدمائهم.. والله أعلم بمن يُكلَم في سبيله) وما ذلك إلا لأن دماءهم زكية طاهرة وأجسادهم لا يعتريها الفناء فلا يظهر منها إلا كما يظهر من النائم المسرور ولكن دون حركة في أجسادهم المشرَّفة باتخاذه لهم تعالى شهداء..
خلاصة القول:
أن الكثير الكثير من البشرية اليوم ممن يتوفى منهم بسبب الجلطة القلبية أو موت الفجأة الذي حدّث صلى الله عليه وسلم عن كثرته في آخر الزمان. وأكثر من 10% من يلاقون حتفهم في قبورهم بعد أن يدفنوا أحياء إثر تلك الإصابات التي أجمع السلف والخلف والتابعين والعلماء والفقهاء أنه لا يجوز دفنها إلا بعد مرور يوم وليلة ليتحقق من موتهم كيلا يدفنوا أحياء... واليوم مع أجهزة التبريد أو ألواح الجليد يمكن الحفاظ على جثة المشكوك في أمر وفاته بضعة أيام.. فما الإسراع في دفن هؤلاء إلا قتلاً شنيعاً لهم بدفنهم أحياء تحت ستار ديني "جهل ديني" وقول منقوص دون تحقيق بمقولة (إكرام الميت دفنه) التافهة وهو ليس من الدين الإسلامي في شيء إن لم يتم التحقق من الموت بظهور علاماته الظاهرة.
هذا ما فهمناه حول هذه القضية والحمد لله في بدء وفي ختم.