الزمان:
الأحد 20 مارس 2012، المكان: ملعب كاروو رود، الصخب يجتاح مدرجات نوريتش
سيتي "صاحب الأرض" قبل ثوانً من نهاية المباراة، في المقابل كان السكون
يُخيم على أنصار مانشستر يونايتد، خيبة الأمل تظهر على الوجوه، لسان حالهم
يقول:
يا إلهي سنخسر نقطتين وسيبتعد السيتي في الصدارة !!، النتيجة تُفسد عليهم احتفالهم بوصول أسطورتهم الحية جيجز للمباراة رقم 900
، الجميع يتحسر عن الفرص التي يُهدرها ويلباك ولاعبي اليونايتد، لا محالة
الحكم سيُطلق صافرته وسينتهي الحلم.
لكن في لحظة
تنشق الأرض عن جيجز ليقول القدر كلمته، لم تنتهي المباراة بعد، هناك لحظة
فارقة فيها يجب أن تكتب، الزمان توقف وتبدل الحال، الصخب تحول للجانب
الآخر، والصمت اجتاح مدرجات الكناريين، انفجر فيرجسون وعشاق اليونايتد
فرحًا وهم يُشاهدون جيجز وكأنه في ريعان شبابه يضع بلسمة سحرية ولا أروع
كرة من أشلي يونج داخل شباك نوريتش في الرمق الأخير من المباراة محافظًا
لفريقه على البقاء قريبًا من السيتي.
نعم لقد أراد القدر أن يقف
بجوار جيجز، ولم يخذله في يوم "عُرسه"، سنوات طويلة مضت واللاعب يركض يُصاب
وينهص، يحزن ويفرح، يُدافع عن ألوان ناديه بالغالي والنفيس، لكن كُتب له
أن يكون حاضرًا في هذه اللحظة وفي هذا المكان وفي هذه المناسبة ليصنع
الانتصار لفريقه، رغم أنه لم يكن لديه سوى هدف يتيم في الدوري الممتاز، وهو
نفس القدر الذي حرمه من أن يبرز اسمه على مستوى المنتخب الويلزي فحرمه من
المشاركة في بطولات دولية كبرى ككأس العالم.
يومًا بعد الآخر يُثبت
اللاعب القيدوم أنه من كوكب آخر، فلم يهتم عندما شارك في المباراة بأنها
ستكون تكريمية بالنسبة له للوصول لرقمه "الاسطوري"، لكن عقله كان في
المباراة لا يبحث عن مجد شخصي بقدر ما يبحث عن انتصار فريقه، فتقوق على
الشباب وقدم عطاء ابن عشرين عامًا، فقبل تسجيله الهدف أهدر ويلباك فرصتين
كان جيجز صانع أحدها.
إذًا نحن أمام لاعب استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لاعب صاحب انجازات وألقاب تفوق تاريخ رباعي قمة الدوري الممتاز
"مانشستر سيتي، توتنهام، آرسنال، تشيلسي" مجتمعين، لكن بالرغم من ذلك لم يأخذ حقه بالقدر الكافِ، عكس لاعبين لم
يظهروا سوى موسم واحد فقط أو أقل من موسم حتى وأصبحوا نجومًا، فما بالكم
بلاعب حقق أكثر من 30 بطولة مع فريقه !.
هذا ما دفع المدرب التاريخي
للفريق سير أليكس فيرجسون والذي أشرف على انجازات جيجز يؤكد على أن رقم
اللاعب الذي قارب على الأربعين عامًا في مأمن ولن يستطيع أحدًا تحطميه، بل
وأنه قادر على أن يحذو حذو السير
ستانلي ماثيوز الذي واصل اللعب حتى بلغ الخمسين من عمره.
لا
يجد جيجز فارق كبير بين شعوره وهو لاعب يافع شاب وبين شعوره الآن وهو في
الـ38 من عمره، هل تعلمون لماذا؟ لأن العطاء والتضحية للقميص الذي يرتديه
لايزال على حاله، فكلما مرت به السنين توهج أكثر وأكثر، ليُعطي للاعبين
الشباب المثل في التفاني من أجل شعار القميص، وليجعل كل المنافسين في
الأندية الأخرى يقفون له احترامًا وتقديرًا.
وإذا كنت تُريد أن
تعرف كيف وصل جيجز لهذا الرقم، فالسبب أنه لم يُفكر من الأساس في تحطيم
الأرقام ولا أي مجد شخصي ولم يكترث لهذا الأمر، وهو ما تجلى أمام نوريتش
فلم يدخل المباراة فقط للاحتفال بل دخل يُساعد فريقه على الفوز وهو ما فعله
بالفعل.
قد يعتقد البعض أنني تأخرت في كتابة هذه السطور عن
هذه الأسطورة، لكن بالعكس فلقد قدمت هذه المقالة يومًا كاملاً، فغدًا
الموافق 2 مارس هو تاريخ أول مباراة لجيجز مع مانشستر يونايتد عام 1991
عندما شارك بدلاً من المدافع الأيرلندي دينيس آيروين بعد إصابته أمام
إيفرتون على ملعب أولد ترافورد وكان يبلغ حينها 17 عامًا في مباراة خسرها
اليونايتد بهدفين دون رد. قبل كتابة هذا الموضوع خرج الزميل
"محمود ماهر" في فقرته اليومية المميزة "لقطة اليوم" يؤكد لنا أننا لا نعرف قيمة الشيء
إلا عندما نفقده، نفس الأمر بالنسبة لجيجز الذي لن نشعر بقيمته إلا عندما
يُعلق حذائه، عندها سيتحاكى الجميع بأنه كان هناك لاعب حطم كل شيء في
الساحرة المستديـرة اسمه
"رايان جيجز".