لسيدة أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما
السيدة ام كلثوم
السيدة أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما
نشأتها في بيت النبوة :
هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمية ، شقيقة الحسن
والحسين ، ولدت في حياة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حدود
سنة ست من الهجرة ، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأم كلثوم
، وقد رأتِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تروِ عنه شيئاً
نشأت السيدة أم كلثوم رضي الله عنها في البيت الذي أذهب الله عنه الرجس
وطهره تطهيراً ، ونعمت بأكرم أم في الدنيا فاطمة البتول بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم سيدة نساء العالمين ، ولما بلغت أم كلثوم أشدها كانت
من أفصح بنات قريش ، وكيف لا وقد غذيت البلاغة في البيت النبوي القرشي ؟
فأكرم به من بيت .
زواجها من أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
أحب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو أمير المؤمنين- أن يصل نسبه
وسببه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بزواجه من أم كلثوم ابنة علي
وفاطمة رضي الله عنهما ، وانطلق عمر فأتى علياً وخطب إليه ابنته أم كلثوم
وكلمه في أمرها – وكانت ما تزال صبية دون البلوغ –فقال علي رضي الله عنه : "
إنما حبست بناتي على بني جعفر - أولاد أخيه - .
فقال سيدنا عمر رضي الله عنه : زوجنيها يا علي فوالله ما على ظهر الأرض رجل
يرصد من حسن صحابتها ما أرصد - أي أعدّ - فقال سيدنا علي : قد فعلت .
ثم غدا الإمام علي كرم الله وجهه على بيته وأمر ببرد فطواه ، وقال لأم
كلثوم : انطلقي بهذا لأمير المؤمنين فقولي له : أرسلني أبي ، وهو يقرئك
السلام ويقول : إن رضيت البرد فأمسكه ، وإن سخطته فرده ، فلما أتت سيدنا
عمر رضي الله عنه قال : بارك الله فيك وفي أباكِ قد رضينا ، فرجعت أم كلثوم
إلى أبيها فقالت : ما نشر البرد ولا نظر إلا إليّ . فزوجها إياه .
مساعدتها للمحتاجين :
إذا كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقضي حوائج المسلمين بنفسه ، فإن زوجه
السيدة أم كلثوم بنت علي – رضي الله عنها- لم تكن أقل منه رتبة في هذا
الشأن ، فقد كانت كلما رفع راية الخير تلقتها أم كلثوم باليمين لتفوز
بالأجر والثواب .
ففي ذات ليلة ، كان عمر في جولة من جولاته يعسٌ بالمدينة المنورة ، ومر
سيدنا عمر رضي الله عنه بظاهر المدينة ، فإذا هو ببيت شعر يلوح وسط الظلام
لم يكن في الليلة الفائتة ، فدنا منه فسمع أنين امرأة ينبعث من داخل الخيمة
ورأى رجلا قاعداً ، فاقترب منه وسلم عليه ، وسأله : من الرجل ؟
قال : رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله .
فقال عمر رضي الله عنه : ما هذا الصوت الذي أسمعه داخل الخيمة ؟.
فقال : انطلق يا هذا - رحمك الله - لحاجتك .
قال عمر رضي الله عنه : عليّ ذاك ما هو ؟ .
قال الرجل : امرأتي جاءها المخاض ..
وسأله عمر رضي الله عنه : هل عندها أحد ؟.
قال : لا ، فإنا هنا وحيدان غريبان .
وانطلق عمر مسرعاً حتى أتى منزله ، وقال لامرأته أم كلثوم : هل لك في أجر ساقه الله إليك يا أم كلثوم ؟ قالت : خيراً ، وما هو ؟.
قال : امرأة غريبة تمخض ، وليس عندها أحد .
فقالت : نعم ، إن شئت يا أمير المؤمنين .
فقال : خذي معك ما يصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن ، وجيئيني
ببرمة-قدر- وشحم ودقيق وحبوب ، فجاءت به فقال لها : انطلقي واتبعيني .
وحمل سيدنا عمر على ظهره البرمة(القدر) والدقيق والسمن ، وحملت أم كلثوم
حوائجها ومشت خلفه حتى انتهى إلى الخيمة فقال لها : ادخلي على المرأة .
أما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، فجاء حتى قعد إلى الرجل وجهز القدر ،
وقال للرجل : أوقد لي ناراً ، ففعل وأوقد تحت القدر وجعل يصلح الطعام حتى
نضج .
وما هي إلا سويعة حتى ولدت المرأة ، وانبعث بكاء الوليد من داخل الخيمة ،
فخرجت أم كلثوم وقالت : يا أمير المؤمنين بشّر صاحبك بغلام .
فلما سمع الرجل بأمير المؤمنين دهش واستعظم ذلك ، وجعل يتنحى عنه على
استحياء ، وأخذ يعتذر إلى عمر ، فقال له : مكانك يا هذا كما أنت ، لا بأس
عليك . ثم حمل القدر فوضعه على باب الخيمة ، ونادى أم كلثوم قائلا : خذي
القدر وأطعمي صاحبتك .
وبعد أن فرغت من طعامها ، جعلت القدر أمام باب الخيمة ، فقام عمر فأخذها
فوضعها بين يدي الرجل وقال له : كل يا أخي فإنك قد سهرت من الليل ، وتعبت ،
فأكل الرجل .
ثم نادى عمر-رضي الله عنه- زوجته أم كلثوم وقال : اخرجي . ثم التفت إلى
الرجل وقال : إذا كان غدا ، فائتنا نأمر لك بما يصلحك إن شاء الله تعالى .
ففعل الرجل ، ووصله عمر وأعطاه ورده بما يصلحه إلى أهله ، فانقلب الرجل إلى
أهله مسروراً .
مقتل والدها كرم الله وجهه :
لما كانت الليلة التي أصيب فيها سيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- ،
أتاه مؤذنه عامر بن النباح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة ، فقام يمشي فلما
بلغ الباب الصغير ، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم فضربه ، فخرجت أم كلثوم
فجعلت تقول : ما لي ولصلاة الصبح ، قتل زوجي عمر صلاة الغداة ، وقتل أبي
صلاة الغداة .
وأدخل ابن ملجم على سيدنا علي-كرم الله وجهه- ، فقالت له أم كلثوم : أقتلت
يا عدو الله أمير المؤمنين ؟ قال : لم أقتل إلا أباك . فقالت : والله إني
لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس . قال : فلم تبكين إذاً والله قد
سممت السيف شهراً فإن أخلفني الله فأبعده الله وأسحقه ولو كانت الضربة على
جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد .
وتوفي الإمام علي من أثر الضربة المسمومة ، وبكته ابنته أم كلثوم بكاء
شديداً ، وكذلك زوجته أمامة بنت أبي العاص رضي الله عنهم ، وقد كانت هاتان
المرأتان من أشد الناس حزناً عليه .
أم كلثوم وابنها زيد بن عمر :
توفي زيد شاباً ، وسبب وفاته أن فتنة وقعت في بني عدي ليلا فخرج زيد ليصلح
ذات بينهم ، فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه ، وخرجت أمه وهي تقول :
يا ويلاه ، ما لقيت من صلاة الغداة (الصبح) .
وفي سير أعلام النبلاء للذهبي : أنه حضر جنازيتهما الحسن والحسين وعبدالله
بن عمر - رضي الله عنهم أجمعين-، فقال ابن عمر للحسن : تقدم فصلّ على أختك
وابن أختك ، فقال الحسن لابن عمر : بل تقدم فصلّ على أمك وأخيك .
فتقدم ابن عمر رضي الله عنهما فجعل زيداً مما يليه ، وأم كلثوم وراءه ،
فصلى عليهما وكبر أربعاً ، وخلفه الحسن والحسين رضي الله عنهم .
وروي في المعرفة والتاريخ (1/214) : أن الذي صلى على زيد وأمه ، أمير
المدينة المنورة وقتذاك سعيد بن العاص ، وفي الناس: (أي ضمن المصلين) ابن
عباس ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة رضي الله عنهم أجمعين .
وهذا ضمن كتاب ولعل الرواية الثانية تكون أرجح .
رضي الله تعالى عن الحفيدة السيدة أم كلثوم سليلة البيت الطاهر الذي
أذهب الله عنه الرجز وطهره تطهيرا والتي ستظل قدوة للنساء الفاضلات على
مدى الأيام والأعوام ، وهي المرأة القرشية التي شهد أبوها وجدها وزوجها
بدراً .
فجدها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأبوها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
وزوجها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وهذه منقبة لم تتوفر لإمرأة قرشية غيرها ، فرضي الله عنها وأرضاها ، وجعلنا
الله ممن يسيرون على دربهم ويقتفون أثرهم حتى يتوفنا على كمال الإقتداء
والمتابعة والمحبة لهم . آمين اللهم آمين