بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السيرة النبوية الشريفة-
عمرة الحديبية وصلح الحديبية
رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رُأية أفرحته فجمع أصحابه يقص عليهم هذه الرأية رأى أنه معهم وزار البيت الحرام الكعبة وأخذ مفاتيحها وطافوا بالبيت وسعوا ثم حلقوا وقصّروا{ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } ففرح الصحابة وكبروا أنهم سيزورون البيت الحرام طالما إشتاقوا إليه فأذن النبي لهم أن يتجهزوا للذهاب للعمرة فتجهز الناس واستعدوا ولبس النبي أحسن لباسه وركب ناقته واسمها "القصواء" ركبها وأمرهم أن لا يأخذوا من السلاح إلا ما يأخذه الراكب فهم لم يخرجوا لحرب أو معركة إنما خرجوا لزيارة البيت الحرام ولما وصل ذي الحليفة
أهل النبي صلى الله عليه وأله وسلم بالعمرة وأهل الصحابة معه بالعمرة وأخذ معه الهدي وقلده وأشعره ثم إنطلقوا إلى البيت الحرام ملبين يقولون { لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك} إنها سنوات تلوسنوات لم يروا بيت الله الحرام طالما إشتاقوا إليه وحنوا إليه في الطريق جاءه الخبر من أحد الرجال من خزاعة أن الاحابيش يا رسول الله قد تجمعوا يريدون صَدَّكَ عن المسجد الحرام فسأل النبي أصحابه أترون أن نَمِيلَ عليهم فنصيبهم أو أننا نتجاوزهم إلى البيت الحرام فجاءه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال يارسول الله الله ورسوله أعلم لكن إنما جئنا نأم البيت الحرام
، ولا نود أن نقاتل إلا من صدنا فإن رأيت فداك رأينا فنزل النبي عند رأيهم وأمرهم شورى بينهم وانطلقوا كل منهم يلبس ثياب الاحرام مُحرِمٌ لله جل وعلا ملبين مهللين يتوجهون إلى البيت الحرام لكنه في الطريق من كان ينتظرهم خالد إبن الوليد بمائتي فارس يريد أن يقطع عليهم الطريق وكان يتحيل فرصة لمَّا يُصَلُّونَ فيها فينتظر خالد أن يصلي الصحابة فيغير عليهم وقت الصلاة لكن أنزل الله آية صلاة الخوف فلم يدع الصحابة سلاحهم حتى وهم يصلون وكان بعضهم قائما وبعضهم ساجدا فلم يستطع خالد أن يفعل شيئا ورجع إلى مكة يُحَذرُهُم
**
توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه المحرمين قاصدين بيت الله الحرام يريدون العمرة لا يبغون القتال وخالد إبن الوليد يرقبهم رآهم يسلكون طريقا غير الطريق الرئيسي غير الطريق المعتاد فخاف فإن في الامر شيء فأسرع إلى قريش ينذرهم بأن محمدا قد سلك طريقا غير الطريق المعتاد وفي طريقه عليه الصلاة والسلام بركت ناقته ولم تتحرك واسمها "القصواء"فقال الصحابة خَلَئَتْ القصواء قال لا والله ما خَلَئَتْ وليس لها بِخُلُق لكن حبسها حَابِسُ الفيل في مثل هذا المكان حُبِسَ الفيل الذي جاء به أبرهة ثم جَزَرَهَا النبي فتحركت حتى وصلوا منطقة تُسمى" الحُديبية"
فعسكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه المحرمين ومعه البدد والهدي يريدون التضحية بها لله جل وعلا عسكر في الحديبية فأصاب النبي وأصحابه العطش ولم يجد ماء فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشتكون أننا عطشنا فنهلك من العطش وليس في الناس ماء باقي فقال هل بقي لكم شئء من ماء فجاؤوا له بآخر قربة فيها ماء وضعها في إناء هذا آخر ماء بقي لهم فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في " الحديبية" وضع يديه الشريفتن في الماء فلما وضعهما في الماء أخذ الماء ينبع وأخد الناس يملؤون قربهم وأوآنيهم فشرب الناس وشربت الدواب
وفاض الماء بعد هذا وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين هنا بدأت الرسل تتوسط بين الفريقين جاء رجل من خزاعة وكانت خزاعة لها علاقة حسنة برسول الله وأصحابه يسمى بُدَيْل إبن ورقة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا محمد تعلم أن قريش يريدون قتالك وصدّك عن البيت يريد إقناعه أن يرجع فقال رسول الله قال يا بديل تعلم أننا ما جئنا نقاتل بل جئنا معتمرين أنظر للناس أنظر للبدن نحن جئنا معتمرين وما جئنا للقتال وأن قريشا أنهكتهم الحرب يعرفون من يقاتلون فإن شاؤوا خلوا بيننا وبين الناس وإن شاؤوا دخلوا فيما دخل فيه الناس فإن أبوا إلى القتال فوالذي نفسي بيده
لأقاتلنهم حتى تنفرد ثالثتي حتى تنقطع رقبتي أو لَيُنْفِدَنَّ الله أمره فرجع بديل إلى قريش يخبرهم بأمر رسول الله فأرسلوا قريش رجلا أخر يتوسط بينهم وبين رسول الله ثم أرسلوا رجلا ثالثا الحليث ومكرز حتى لم يستطيعوا إقناع النبي فأرسلوا رجلا إسمه عروة إبن مسعود الثقفي لما جاء عروة أخذ ينظر في الصحابة محرمين ينظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء يُقنع النبي بالتراجع قال يا محمد إنك إن قتلت قريشا وحصدتهم هل سمعت أحدا من العرب حصد أهله قال وإن كانت الأخرى فإني لا أرى وجوها إنما أرى أوباشا حَرِيٌ أن يفرّوا ويدعوك يعني هؤلاء لايقاتلون هؤلاء يهربون ويتركونك
فغضب عليه من أبو بكر وتكلم عليه بكلام شديد ثم قال أنحن نفر عنه أنحن نفر عن رسول الله أنسيتم بدر ألا تذكرون أحُدْ مافعلنا هل تناسيتم الخندق وثبات الصحابة أنحن نفِرُّ عنه وكان عروة كلما أراد أن يكلم الرسول مسك لِحيته وكان فيه واحد من الصحابة عند الرسول إسمه المغيرة إبن شعبة يضرب الرجل بمأخرة السيف يضرب الرجل حتى لا يصيب لِحية رسول الله يضربه وكلما أراد أن يمس لِحيته يضربه وكلما أراد أن يمس لحيته يضربه قال من الرجل قالوا إنه المغيرة إبن شعبة المغيرة إبن أخي عروة إبن مسعود فرجع عروة إلى قريش فقال يا معشر قريش لقد دخلت على الملوك قيصر وكسرا والنجاشي ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدا إنهم يتقاتلون على وضوئه إذا تكلم نفذوا أمره وإذا سمعوا صوته خفضوا أصواتهم ما رأيت أحدا يعظم ملكه وسيده كما يعظم أصحاب محمد محمدا ثم عرض عروة على قريش الصلح
**
لما علم شباب قريش الطائشون أن قريشا ستصالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لم يرضوا بهذا أخذهم حماسهم الطائش فجمعوا فرقة من سبعين أو ثمانين رجلا من شباب قريش من المشركين وتسللوا من وراء مكة ليقاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستقبلهم من محمد إبن مَسْلَمَة رضي الله عنه وكان قائدا لفرقة تحرص النبي وأصحابه فلما رأى أولئك الشباب أسرهم جميعا وجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم فأنزل الله { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } أي أن الله عز وجل طرف كل طرف عن الآخر هكذا كان الوضع مُتَوَتِّرا
النبي صلى الله عليه وأله وسلم مع أصحابه في مكان وقريش تنتظر ماذا سيفعل محمد وأصحابه في هذه اللحظات قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُرسل رسولا من عنده إلى قريش يختار من فإذا به يختار عثمان إبن عفان لأن له عشيرة في مكة تحميه فخرج عثمان ودخل إلى مكة فاستقبله كفار قريش قالوا ماذا تريد يا عثمان ما الذي أدخلك عندنا قال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جئت أعرض عليكم صلحا فجاء عثمان فأجاره أحد المشركين وأركبه الفرس وأدخله إلى مكة قال إن شئت يا عثمان أن تطوف بالبيت فافعل قال لا والله لا أطوف قبل رسول الله أما أن يطوف أو لا نطوف جميعا
وجلس عندهم عثمان يفاوضونه الآن هذا أول سفير في هذه الايام يخرج من الرسول إلى كفار قريش جلس عندهم عثمان والصحابة ينتظرون لن يرجع طالت المدة ما رجع لأن المحادثات كانت طويلة حتى أُشِيعَ بين الناس أن عثمان قتل وانتشر الخبر بين المسلمين ولم يكن قُتِل فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول والله لَنَبْرَحُ هَذا المكان حتى نُنَاجِزُهُم قتلوا رسولنا جاءت منهم رسل ما مَسَسْنَاهَا بسوء فيقتلون رسولنا وكانت إشاعة قد إنتشرت بين الناس فإذا بالنبي يأمر الصحابة بالبيعة البيعة على القتال وكان عندهم شجرة في ذلك المكان تسمى سميت بعد هذا شجرة الرضوان
وكان النبي تحتها فجاء الصحابة يبايعون رسول الله واحدا واحدا يبايعون الرسول على الموت دونه لأن عثمان قُتِل كما أُشِيعَ فبايع الصحابة جميعا على الموت فأنزل الرب عز وجل{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } بل حتى عثمان قالوا يا رسول الله وعثمان وضع النبي يده بيد نفسه وقال هذه عن عثمان بل إن بغض الصحابة سلمة بايع النبي ثلاث مرات على الموت كل منهم يريد الموت في سبيل الله لأجل هذا الدين ولهذا أنزل الله رضاه عن هذه الثلة المؤمنة لكن بعد البيعة هاهو عثمان يُقِبل إليهم جأءهم عثمان
ففرح الصحابة رضي الله عنهم أن عثمان لم يقتل جاء عثمان إبن عفان وأخبرهم بكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما طلبه منه أن يناقش فيه قريش وكيف ردت عليه قريش إنتظر الصحابة قريش الآن تريد الصلح قريش لا تريد القتال قريش لا زالت خائفة من رسول الله ومن أصحابه لا زالت تذكر بدرا وأحدا وبدرا الثانية والخندق فلهذا هي لا تريد قتالا أرسلت رجلا يفاوض الآن بدأت المفاوضات الآن يريدون الصلح أرسلو سهيل إبن عمر فلما رأى النبي سهيل من بعيد قال هذا سهيل سَهُلَ لكم أمركم ماذا عندك يا سهيل قال جئت أعرض لكم الصلح ماهو الصلح الذي تطلبون قال لهم أن ترجعوا عامكم هذا
هذه السنة لا تعتمرون لا تدخلون إلى الحرم أن ترجعوا عامكم هذا فتأتوا في العام المقبل لا تحملون من السلاح إلى ما يحمل سلاح الراكب ثانيا من شاء أن يدخل في حلفكم دخل ومن شاء أن يدخل في حلف قريش دخل ثلاثة أن تضع الحرب بيننا وبينكم عشر سنين أربعة هذه الثلاث معقولة أما الرابعة من خرج من قريش هاربا بغير إذن وَلِيِّهِ إلى محمد رُدَّ إلى قريش ومن خرج من محمد إلى قريش فإنه لا يُرَدْ هذا البند فيه ظلم للمسلمين مع هذا قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أراد الصلح أراد هداية الناس أراد دعوة الناس قال أكتب كتابا فجاء النبي بعلي إبن أبي طالب ليكتب الكتاب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال أما الرحمان يقول سهيل فإن لا نعرفه فاكتب بِسْمِكَ اللَّهُمَّ قال النبي لعلي أكتب بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ
هذا ما صلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتبها علي فقال سهيل لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك وما صددناك عن البيت بل أكتب محمد إبن عبد الله قال علي والله لا أمحوها فقال النبي لعلي أَشِرْ لي بها فَأشَارَ علي إلى كلمة رسول الله فمحاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنظروا للتواضع وهم يكتبون الكتاب جاء رجل هارب من قريش أسلم إسمه أبو جندل إبن من إبن سهيل نفسه الذي يعقد الصلح جاء هاربا في قيده فوصل إلى المسلمين ورمى نفسه على المسلمين فقال يا معاشر المسلمين أتَدَعُونِي أُرَدُّ إلى قريش يفتنوني عن ديني فلما رآه أبوه سهيل قال هذا أول ما أقاضيك عليه
قال الرسول لسهيل لم نقضي الكتاب بعد قال إما أن ترد علي هذا يعني إبنه وإلا لا صلح بيننا وبينكم فحاول النبي به أن يقنعه فلم يرضى فإذا بأبي جندل يقول يا معاشر المسلمين كيف ترضوا أن أُرَدَّ إلى المشركين والنبي يقول له إصبر ياأبا جندل إصبر فإن الله جاعل لك وللمستضعفين فرجا وعمر يمشي عنده ووضع السيف نصل السيف عنده حتى ربما يأخذ السيف منه وعمر يقول له إنما هم مشركون وإنما نحن مؤمنون وسننتصر وتم الصلح ورجع سهيل وأخذ إبنه معه فقال النبي للصحابة أحلقوا رؤوسكم واذبحوا هديكم لا عمرة هذه السنة تضايق الصحابة علاهم الهم والغم ولم يحلق رأسه أحد من الناس
رجاء أن يأتي وحي أو يأتي فرج من عند الله جل وعلا قال إحلقوا لم يحلق أحد تضايق النبي لمَ لم يحلقوا رؤوسهم قالت أم سلمة إحلق رأسك أنت يارسول الله سيحلقوا رؤوسهم فلما حلق النبي رأسه حلق الصحابة كلهم رؤوسهم وأحلوا من إحرامهم ولم يزورو البيت ذلك العام
**
بعد أن حلق الصحابة رؤوسهم وعادوا قافلين إلى المدينة نزل عليهم همٌّ وغمٌّ همٌّ كيف أنهم لم يطوفوا بالبيت كما وعدوا والهَمُّ الآخر هذا الصلح الذي ظنوه في بعد الأمر ذُلاًّ لهم فإذا بعمر إبن الخطاب يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول له يا رسول الله ألَسْنَا على الحق وهم على الباطل قال بلى ياعمر قال ألست أنت رسول الله قال بلى يا عمر يقرر عمر هذه الأمور ثم قال يا رسول الله أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى ياعمر قال فَلِمَ نرضى بِالدَّنِيَةِ من دِينِنَا لماذا نرضى بالذل يا رسول الله وعمر كان عزيز النفس كان يريد قتالهم وكان يريد الدخول إلى مكة ولو عُنْوَةً قال فَلِمَا نرضى بِالدَّنِيَةِ من ديننا
فردَّ النبي على عمر وقال يا عمر أنا رسول الله ولست عاصيه وإن الله ناصِري وإن الله ناصِري فقال عمر ألم تَعِدْنَا يا رسول الله أنَّى نَأتِي البيت نطوف به قال فأخبرتك أنك آتيه العام يعني هذه السنة قال لا قال فإنك آتيه ومطوف به ياعمر يعني سوف تأتي إلى البيت وتطوف به وتعتمر لكن لم أعدكم هذه السنة ثم ذهب عمر إلى أبي بكر يسأله نفس الاسئلة وأبو بكر يجيب عمر بنفس إجابة الرسول له ثم لما إِنْتَهَى قَال أبو بكر لعمر ياعمر إلْزَمْ غَرْزَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي كن كما كان رسول الله ما قال إفعل وما أمر إئْتَمِرْ بِهِ ولا تجادل في هذا عمر يقول لا زلت أندم على أسئلتي هذه لرسول الله طِوال عمري
ولا زلت أعمل من الاعمال الصالحة رجاء أن يكفر عني تلك الاسئلة فلما رجع النبي والصحابة إلى المدينة أنزل الرب عز وجل {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } أي هذه المعاهدة التي في ظاهرها ذُلٌّ للمسلمين هذا هو فتح مبين للمؤمنين {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزً } لما نزلت هذه الايات فرح المسلمون ومنهم عمر واطمئنت قلوبهم أن الحديبية ستكون نصرا للمؤمنين أول من جاء النساء مهاجرات من مكة إلى المدينة والبند يقول من جاء من مكة إلى رسول الله رده رسول الله عليهم لكن لما جاء النساء
قال النبي لا هؤلاء نسوة وَنَصُ البند في عهد وصلح الحديبية ينص على الرجال لا ينص على النساء فاستقبلهم رسول الله وأمره الرب عز وجل ألا يرجعهم إلى الكفار{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } لا ترجعوا النساء إلى الكفار بل أبقوهن عندكم وهكذا فعل النبي جاء رجل يهرب من مكة أسلم إسمه أبو بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فلما وصل واحتمى برسول الله تبعه إثنان من المشركين ولما وصل إلى المدينة قال يا رسول الله يا محمد نطالبك بهذا من أبو بصير فسلّمه النبي لهما يا الله أبو بصير يُسلم الان لرجلين مشركين هذا عهد والنبي لا يخلف عهده أبدا فسلمه لهما وفي الطريق وهما عائدان به إلى مكة إستغل الفرصة فأخذ السيف وقتل واحدا منهما وهرب الأخر ورجع إلى المدينة فلما رآه النبي قال رأى هذا ذُعراً فلما وصل قال يامحمد صاحبك قتل صاحبي ويريد قتلي إني لمقتول وبعد فترة يسيرة وصل أبو بصير فلما رآه النبي قال "ويل أمه مَسَعِّرُ حَرْبٍ لو كان معه أحد" فخرج أبو بصير حتى لا يحرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
خرج من المدينة وذهب إلى مكان بين مكة والمدينة فتبعه أبوجندل إبن سهيل وكلما أسلم واحد من المؤمنين ما جاء إلى المدينة لكن لحق بأبي بصير وَكَوَّنُواْ مجموعة قطعت الطريق على أهل مكة فجاء وفد من قريش إلى رسول الله يرجونه أن يُلْغِي هذا البند في صلح الحديبية أنه من جاء منا إليك مؤمنا بك فدعه عندك لا نريدك أن ترجعه إيانا قريش بنفسها تريد أن تبطل هذا البند وهنا بداية النصر
***
لما أمِنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكر قريش وبعد صلح الحديبية بعد أن ضمن هذه الجبهة بدأ النبي بمراسلة الملوك في الجزيرة وفي خارجها فكل الدول العظمى وجه النبي إليهم خطابا يدعوهم فيه إلى الاسلام قبل هذا قال له أصحابه يا رسول الله إن هؤلاء الملوك لا يقبلون كتابا إلى ما كان فيه ختم فإذا بالنبي يُصْنَعُ له ختم فيه ثلاث كلمات محمد رسول الله لكنها رتبت فوق بعضها محمد رسول الله فكان في كل رسالة يكتبها كان يختم بختمه صلى الله عليه وآله وسلم وبدأ بإرسال الكتب وأرسل في من أرسل له النجاشي الذي إستقبل المؤمنين في الحبشة فكتب النبي له كتابة وأرسلها مع عمرو إبن أمية الضمري
كتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة وكان إسمه ﺃﺻﺤﻤﺔ أرسل له هذا الكتاب وأعطاه قدره ومنزلته إلى النجاشي عظيم الحبشة أسْلِمْ تُسْلِم وإلا فإنما عليك إثم النصارى من قومك وقال قبلها السلام على من اِتَّبَعَ الهُدى ثم قال { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ففَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ما أعظمها من رسالة ما أعظمه من كتاب تعالوا إلى أمر نتفق فيه وإياكم أن نوحد الله ولا نشرك به شيئا لما قرأ النجاشي الرسالة دمعت عيناه ثم أرسل إلى رسول الله رسالة
بأنه يؤمن بالله ربا ويوحده ويشهد أن محمدا رسول الله وأنه ما جئت به يا محمد لم يزد على ما جاء به عيسى إبن مريم فكلاهما يخرج من مشكاة واحدة وأنه أكرم بني عمه جعفر وأصحابه فأرسل النبي إليه رسالة يدعوه فيها إلى أن يُرجع أصحابه فأرسلهم النجاشي في سفينتين وأكرمهم وأعطاهم من الخير الكثير فكان خير رجل ءامن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم أرسل النبي رسالة إلى المُقَوْقِس عظيم القبط بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المُقَوْقِس عظيم القِبط السلام على من إتبع الهدى أسْلِمْ تُسْلِم وإلا يصبك إثم النصارى من قومك القبط ثم قرأ عليه الاية
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ففَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } فلما قرأ الاية وكان مع دِحْيَةَ الْكَلْبِي قرأ المُقَوْقِس فإذا به يقول والله إنه لا يدعو إلا أمر مرغوب ولا ينهى إلا عن أمر مزهود فيه قرأت كلامه ليس بكلام ساحر وليس بكلام كاهن مع أنه لم يُسلِم إلا أنه أكرم رسول رسول الله وأرسل معه جاريتين مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وأهداه بَغْلَةً فتزوج النبي بمارية وأنجبت له إبنه إبراهيم إبن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكرم الرسول وأعطاه من الهديا والله أعلم بإيمانه هل دخل في الاسلام أو لم يدخل وأرسل النبي إلى كِسرا عظيم فارس رسالة مع عبد الله إبن حدافة السهمي فلما قرأ الرسالة فغضب ومزق الرسالة وألقاها على الارض وقال عَبْدٌ من رَعِيَّتِي يقدم إسمه على إسمي ماذا قال أوِيَجْرُأْ كسرا على هذا الكلام ثم أرسل رسولا إلى عامله على اليمن إسمه بدان قال أرسل رجلين إلى محمد فليأتيني به الان فلما جاء النبي الرجلان وعلم النبي بالخبر قال أما كسرا فمزق الله ملكه مثلما مزق الرسالة دعا النبي عليه وفعلا لما جاءهم الرجلان يقولان إنا كسرا أمرنا أن نَأْتِيَكَ بِهِ تَأْتِيَانِي بمن بالذي يحميه الرب عز وجل فقال النبي لهما إِئْتِيَانِي غدا تعال غدا لم يُعَنِّفْ عليهما فلما جاءه في الغد
قال أتعلمان ماذا حصل لكسرا قالوا لا قال مزق الله ملكه قتله إبنه وفعلا وإذا بكسرا يُقتل على يد إبنه ويدمر الله ملكه كيف رد الله على رسول الله هذا الرد أما قيصر أرسل النبي إليه رسالة فإذا به يسأل هل في الشام أحد من قومه قالوا أبو سفيان فنادى أبا سفيان فجاء به وأخذ يسأله أسئلة ولم يكذب أبو سفيان قال لولا أن يأثر قومي علي كذبا لكذبت فالكذب عندهم عيب قال سأله أسئلة منها قال وهل هو فيكم ذو نسب قال نعم وهو منا ذو نسب قال أكان أحد من أبائه ملك قال لا قال هل جربتم عليه كذبا قال لا قال أتباعه ضعفاء أم شرفاء قال ضعفاء قال أيزيدون أم ينقصون
قال يزيدون قال يرتد منهم أحد سخطة عن دينه قال لا أخذ يسأله أسئلة هذه الاسئلة قال قيصر لأبي سفيان كذلك الأنبياء تبعث في نسب من قومها وأتباعها الضعفاء ولا يرتد منهم أحد سخطة عن دينه كذلك الايمان إذا دخل في القلوب أخذ يجيبه على الاسئلة حتى قال في نهاية الامر قيصر يقول إن كان حقا ما تقول فسيملك موضع قدمي هاتين ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه فارتفع لغط الناس وارتفع صياحهم فخرج أبو سفيان وهو يقول لقد أمِرَ أَمْرُ إبن أبي كبشة يعني عَظُمَ أمره هكذا بدأ النبي بمكاتبة الملوك إلى ملك البحرين وعمان وغيرهم من الدول ليقيم عليهم حجة الله البالغة