الدستور أولاً و كراهية الإسلام الخلاف الدائر الآن على المشهد السياسي في مصر حول الدستور، حقيقته أن من
يقولون بالدستور أولاً يريدون هم وضع دستور رغم أنف إرادة الشعب، دستور لا
يمتُّ للإسلام بصلة لأنهم لا يريدون دستوراً يضعه مسلمون بعد انتخابات
البرلمان يوافق الشريعة ويؤكد الهوية الإسلامية والعربية لمصر، لذلك
يقاتلون بكل كراهية تحت عنوان الدستور أولاً كي يتمكنوا هم من وضع دستور
يمحو الهوية الإسلامية ويرد أي تشريع يصدر من البرلمان القادم يوافق الهوية
والمرجعية الإسلامية بالبطلان.
والواقع يؤكد أن مصر تمر بمنعطف هام وخطير في تاريخها السياسي لم تمر به
منذ قرنين من الزمان، وعلى الأخص منذ أن جاء محمد علي وأسرته وحكموا مصر
وأبعدوا علماء الإسلام عن المشهد السياسي.
ليس حتى جاء الاحتلال البريطاني وتساقط التشريع الإسلامي من الحكم، وكانت
الحرب ليس بالعسكر لكن بالفكر والتغيير الاستراتيجي في مناحي الحياة
المصرية، وخاصة هويتها التشريعية ومع الاحتلال والأجانب عرفت مصر
الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة والتشريعات الموافقة للغرب، وتغير
مصدر التشريع في مصر تماماً من مصدر واحد هو الإسلام إلى مصادر شتى منها
الإسلام، حتى تراجع دور التشريع الإسلامي وسقط من الأولوية إلى مجرد اختلاف
حول وجوده كنص فقط يقول أنه مصدر للتشريع في الدستور.
والخلاف حقيقته هو خلاف بين من يتمسكون بالهوية الإسلامية للتشريع في مصر
وهويتها الإسلامية، وبين من يريدون تغريب التشريع المصري، وسلخ مصر من
هويتها الإسلامية حتى قال أحدهم وهو الأستاذ محمود سعد في أحد البرامج
وبالنص قال: (أحب إن إحنا نبقى دولة ملهاش علاقة بالدين خالص) ومن الغريب
أن الطرف التغريبي في مصر يريد تقليد الغرب بغباء لم يفعله الغرب، فهو يريد
تغريب الحادي نعم تغريب الحادي، فالغرب رغم كل ماديته وعلمانيته لم ينسلخ
عن هويته المسيحية مطلقاً حتى في تشريعه الدستوري والقانوني فقد جاء في
(المادة1) من دستور اليونان: المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة
الأرثوذكسية الشرقية!
وفي (المادة 47) منه: كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وجاء في (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية!
وفي (المادة1/بند3): إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك!
و جاء في (المادة 9) من الدستور الأسباني: يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية!
و في (المادة6): على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها.
و في الدستور السويدي (المادة4): يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص!
وفيه: يجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي.
وفي الأرجنتين: تنص (المادة 2) على أن على الحكومة الفدرالية أن تحمي الكنيسة الرسولية!
وجاء في وثيقة الحقوق في انجلترا ( المادة 7): يسمح لرعايا الكنيسة
البروتستانتية بحمل السلاح لحماية أرواحهم في حدود القانون! وفي ذات
الوثيقة ( المادة 8) للكاثوليكي أن يرث أو يعتلي العرش البريطاني!
وفي (المادة 3) من قانون التسوية: على كل شخص يتولى الملك أن يكون من
رعايا كنيسة انجلترا، ويعتبر ملك بريطانيا حامياً للكنيسة البروتستانتية في
العالم.
ومع هذه الكلمات أتوقف قليلاً ماذا لو وُضع في الدستور المصري مادة تقول
أن الرئيس هو حامي المسلمين أو كما في الأرجنتين أن الحكومة تحمي المسلمين
أعتقد أن شراذم التغريب سيستدعون مجلس الأمن للتدخل.
ثم ماذا يقول الذين يطالبون الآن برئاسة المسيحي لمصر رغم أنف الأغلبية
الساحقة من المسلمين مع الدساتير التي قدمتها لإسبانيا والدنمارك واليونان
والسويد وغيرها التي تشترط أن يكون الحاكم مسيحي ويوجد أقليات مسلمة بتلك
البلاد لم تجد حرجا في ذلك، وهي دول غربية ديمقراطية فهل ديمقراطيتهم
ومدنيتهم جعلتهم ينخلعون عن هويتهم؟؟ أبداً لم يحدث ذلك ولم يتضمن دستورهم
ترشيح المسلمين.
بل رغم كل المادية التي يعيشون فيها لم ينخلعوا عن هويتهم.. أما في مصر
فالكراهية أشعلت حرباً كي يتم محو هوية مصر الإسلامية حتى يقلدوا الغرب
المتحضر!!! الذي رفض انضمام تركيا للنادي المسيحي (الاتحاد الأوربي) لأنها
دولة مسلمة.
عن أي غرب يتحدثون؟ وأيُّ دولة تنسلخ من هويتها تفقد قيمتها حتى أن تلك
الدول تتمسك بالصليب على أعلامها كرمز للهوية المسيحية لتلك الدول، ولو
قلنا لهم نريد الهلال رمزا لعلم مصر لهاج وماج شراذم التغريب وقالوا فتنة
طائفية، وماذا عن أسيادكم في الغرب هل كانوا يريدون فتنة مع المسلمين عندما
وضعوا الصليب على العلم وعلى فانلات لاعبي الكرة!!!!!
الحقيقة أن ما يحدث في مصر لا نظير له، فالتشريع الإسلامي به من النصوص
التي حفظت الحقوق والحريات لجميع الشعوب التي تقع تحت الحكم الإسلامي
باختلاف ديانتها وأعراقها وألوانها ما سبق به الغرب بقرون كثيرة، والوثيقة
العالمية لحقوق الإنسان جاءت للعالم بعد 12 قرن من الإسلام الذي أعلى من
شأن الإنسان وحقه في الحياة وحرية العقيدة وحرية الملكية، وأعطى لغير
المسلمين من الحقوق والضمانات ما جعلهم يعيشون بين المسلمين منصهرين في
حضارة واحدة ترقى بالإنسانية وتتقدم بالبشرية.
ولكننا اليوم في مصر نرى صراخاً لا يعبِّر عن رؤية عقلية ولا منطقية ولا
قانونية بقدر ما يعبِّر عن كراهية للإسلام، ومصر لم و لن تعرف طريق المجد
منذ أربعة عشر قرنا إلا بالإسلام، ولن تعرفه في الحاضر أو المستقبل إلا
بالإسلام.
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
عضو مجلس نقابة المحامين
وكيل مؤسسي حزب النهضة المصري تحت التأسيس
Elsharia5@hotmail.com