2010-12-08, 18:49 | المشاركة رقم: |
إحصائية العضو | المساهمات : 60 | نقاط : 102 | السمعة : 0 |
| | موضوع: الشرك بالله الشرك بالله كتبه/ علي حاتم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالإفساد في الأرض لا يحبه الله -عز وجل-، فهو يعود على صاحبه بالخسران في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا وذلك بالمصائب التي تحل على المفسدين، وفي الآخرة بما أعده الله -عز وجل- لكل مفسد بالعذاب والخسران.
قال -عز وجل-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، وقال أيضًا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).
وقال -عز وجل-: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ . الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:26-27).
- والشرك بالله من أعظم الفساد في الأرض:
فالدعوة إلى عبادة غير الله، وكذا كل مظهر من مظاهر الشرك بالله -عز وجل- هو أعظم فساد في الأرض، بل إن فساد الأرض في الحقيقة كما يقول ابن القيم -رحمه الله- إنما هو بالشرك بالله ومخالفة أمره، فالشرك -"والكلام لابن القيم"- والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هو أعظم فساد في الأرض ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع ولا طاعة له، كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).
ومِن المعلوم أن معصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم طاعته إنما هي معصية وعدم طاعة لله -عز وجل-، كما قال -عز وجل-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء:80).
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض؛ فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو، وغير ذلك.. فسببه مخالفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-والدعوة إلى غير الله ورسوله" فتح المجيد بتصرف يسير.
- والمشركون الكافرون بالله الصادون عن سبيله قد توعدهم الله -عز وجل- بالعذاب المضاعف بسب إفسادهم في الأرض كما قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل:88).
- فالله -عز وجل- يذكر في هذه الآية عاقبة المجرمين الذين ارتكبوا جريمتين:
- كفرهم بالله -عز وجل-.
- وصدهم عن سبيله.
فصاروا بذلك مكذبين بآيات الله، دعاة إلى الضلال، فاستحقوا مضاعفة العذاب كما تضاعف جرمهم، وكما أفسدوا في أرض الله.
- والله -عز وجل- قد وصف المشركين بأنهم ناقضون للعهود والمواثيق قاطعون لما أمر الله به أن يوصل، وهذا من أعظم الإفساد في الأرض.
قال -عز وجل-: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ . الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:26-27).
- فأي فساد أعظم من الشرك بالله؟!
فهو نقض للميثاق الذي أخذه الله على عباده وهم في أصلاب آبائهم؛ قال الله -عز وجل-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (الأعراف:172-173).
- كما أن الشرك نقض لميثاق الفطرة، فالعباد قد فطرهم ربهم على التوحيد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (متفق عليه)، وكما قال -عز وجل-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم:30).
- كما أن الشرك نقض للميثاق الثالث الذي جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وهو تجديد للميثاق الأول وتذكير به، قال الله -عز وجل-: (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء:165)، وقال -عز وجل-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36).
- والشرك بالله قطع لأعظم ما مر الله به أن يوصل؛ وهو توحيد الله -عز وجل- وإفراده وحده بالعبودية، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، قال الله -عز وجل-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (النساء:36)، وقال -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).
- كما أن الله -عز وجل- قد بيَّن أن من اتخذ إلهًا غير الله وأعرض عن الحق بعد ما تبين له، ولم يرجع عن ضلالته، فهو من المفسدين في الأرض والله عليم به.
قال -عز وجل- في معرض حديثه عن عيسى -عليه السلام- وبيان العقيدة الصحيحة فيه -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:62).
- والله -عز وجل- أخبر عن المشركين والكافرين أنهم يظنون بالله -عز وجل- ما لا يليق بجلاله، حيث يظنون أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً، فوصف الله أصحاب هذا الظن بالمفسدين في الأرض، قال الله -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ .أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص:27-28).
- والمشركون أصحاب أهواء: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (المؤمنون:71).
- فلم يكن كفرهم بالله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا حسدًا وبغيًا وتقليدًا، ولم يكن امتناعهم من اتباع الحق أن رسولهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- غير معروف عندهم فهم منكرون له، يقولون لا نعرفه، ولا نعرف صدقه، لم يكن الأمر كذلك؛ فإنهم يعرفون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معرفة تامة؛ يعرفون صدقه وأمانته، فهم الذين لقبوه بالأمين، فلم لا يصدقونه لما جاءهم بالحق المبين؟!
- ولم يكن كفرهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن به جنون ولهذا قال ما قال، بل هو الذي جاءهم بالحق والصدق والعدل؛ فكيف يكون من جاء بالحق والصدق والعدل به جنة؟!
بل إن الحقيقة التي منعتهم من الإيمان أنه جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، وأعظم الحق الذي جاء به، إخلاص العبادة لله -عز وجل- وحده، وترك ما يعبد من دونه.
- فكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاءهم بالحق، وكونهم كارهين للحق أصلاً هو الذي أوجب لهم التكذيب بالحق، لا شكًا ولا تكذيبًا للرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -عز وجل-: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33)، "السعدي".
- وقد قال الله -عز وجل- مبينًا ما تقدم: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ .أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ .وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ .أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (المؤمنون:69-72).
وبالله التوفيق وهو وحده المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
|
| |